فى خدمة المصالح

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

  يعرض فى السودان خلال شهر رمضان الكريم مسلسل اجتماعى بعنوان (ود المك ) تتضمن أحداث المسلسل شخصية رجل دين يتاجر بالدين من أجل تحقيق مصالحه والدين من أفعاله براء، من المنطقى أن أى شريحة أو فئة فى المجتمع بها الصالح والطالح ولاتوجد استثناءات، لأن المجتمعات الإنسانية تكوينها الأساسى من البشر وليس الملائكة وهذا هو الطبيعى والمنطقى لكن تعرض المسلسل السودانى وكل من يعملون فيه لحملة شرسة وممنهجة من المتسلفة والإسلاموين وكل ماهو ظلامى بسبب شخصية درامية فى المسلسل تعكس واقع حالة موجودة فى أى مجتمع إنسانى ولاترتبط بدين معين.

عند مراجعة التاريخ الإنسانى العام وليس تاريخ الدراما ستجد مئات من الشخصيات التى استغلت الدين لتحقيق مصالحها والحصول على مكاسب دنيوية زائلة بل كانت هذه الشخصيات التى تحفل بها صفحات كتب التاريخ  تتحكم فى مؤسسات دينية بكاملها وتطوعها لأغراضها غير البريئة، لايعتبر الوضع فى السودان حالة خاصة ففى نفس الوقت يتعرض مسلسل كوميدى فى ليبيا إلى نفس الحملات أما فى مصر فحدث ولا حرج فمع كل رمضان تخرج علينا الحملات الظلامية الممنهجة لاصطياد مشهد أو مشاهد أو أفكار يناقشها مسلسل لتوجه إليه سبابها وجنونها وتكفيرها من أجل الترهيب.
ليس الأمر ببعيد فقبل أيام خرج متسلف يكيل السباب مع الاتهامات المزعومة بالزندقة  ضد كل الفنون والفنانين والأعمال الفنية التى تعرض فى مصر والوطن العربى وهى ليست المرة الأولى ولهذا كان السبيل الأمثل للتعامل مع هذه الحالة المتسلفة هو اللجوء إلى القضاء لأن الأمر لم يعد نقدًا أو اختلافًا فى وجهات نظر بل سب وقذف فى حق أشخاص  وتحريض فج تجاه كل من يحاول مناقشة أمور مجتمعه.
لاتقتصر هذه الحملات الظلامية التكفيرية على دولة أو اثنتين أو ثلاث فهى تهاجم أى عمل إبداعى وليس الدراما فقط من حين إلى آخر وعلى امتداد وطننا العربى من المحيط إلى الخليج ، الظلاميون الذين يديرون هذه الحملات الشريرة ليس دافعهم حرصهم على الدين والمتدينين فمن يستخدم السباب بأحط الألفاظ ويخوض فى الأعراض ويكفرالبشر ويتبنى الأفكار ويساند الأفعال الإرهابية الدموية الدين منه براء ولكن أهل الظلام والشر لهم أغراض أخرى هى ما تحركهم بعيدًا تمامًا عن ما يدعونه بأنهم حماة العقيدة.
الحقيقة أنها حرب يشنها الظلاميون على مجتمعاتنا من أجل مصالحهم والسيطرة على العقول وما معارك المسلسلات إلا جزء يسير من هذه الحرب المستمرة عن طريق وسيلة معروفة منذ القدم وهى ترهيب وحصار ومنع القادرين أو المبدعين  فى هذه المجتمعات من صناعة التغيير فى العقول التى اعتادت على محتوى الظلاميين الرجعى.
هذا المحتوى الذى يحول كل عمل أو فعل طبيعى يقوم به الإنسان الى حرام وتجاوز للخطوط الحمراء وهذه الخطوط والألوان التحذيرية هم من صنعوها ووضعوها لخدمة أغراضهم.
بوضوح.. الظلام وأتباعه يريدون مجتمعات مسلوبة العقل والإرادة تستمع وتطيع ولا تناقش أو تحاول تدبر الأمور وهو عكس ما طالبنا به الله سبحانه وتعالى من التفكر والتدبر فى كل ماحولنا، حرب السلب للعقول ونهب إرادة المجتمعات لايشنها الظلاميون لأنهم مجموعة من المجانين والمهوسين بل هى تخدم مصالحهم ومصالح من يحركونهم لأن العقل المجتمعى الناشط وإرادة الإنسان التى تتمرد على ركود ما يظنونه ثوابت هى الخطر الأكبر على وجودهم وعلى مشروعهم الفاشى الذى يريد التحكم فى مفاصل المجتمعات.
قد يقبل الظلام وأتباعه من الفاشيست أن يهزموا سياسيًا وتنتزع السلطة من أيديهم ولكنهم سيحاربون بكل ما يملكون من قوة حتى لايندحرون مجتمعيًا لأنهم يعلمون جيدًا أن المجتمعات المسلوبة العقل والإرادة هى الطريق المفتوح دائمًا الذى يمكن لهم من خلاله العودة إلى لعبة السياسة ويوارب لهم أبواب السلطة.
هذه المجتمعات المسلوبة العقل والإرادة لا تعنى فقط للظلاميين تذكرة العودة للسياسة والسلطة ، حتى لو لم يعودوا فهذه المجتمعات التى تسمع ولا تناقش وتطيع هى التى تدر على الظلامي وأتباعه الملايين من الدولارات والجنيهات عن طريق بيع صكوك غفران تناسب القرن الـ21 وفتاويهم سابقة التجهيز مع تحريم هذا والسماح بذاك ،هذه الخلطة الشيطانية تتحول إلى سيل من الأموال لايتوقف ويصبح الظلامى بعد الصكوك والفتاوى "شيخ" له ملايين من الأتباع المغيبين يتحكم فى عقولهم ورقابهم وأموالهم ، يسيرون وراءه ووراء خرافاته ولا يهم هنا أن يسكن الأتباع فى الأحياء الفقيرة أما الظلامى فينعم بالقصور ويبدل فى سياراته الفارهة ويقفز فى الطائرات الخاصة ويتنقل بين الفضائيات الممولة أو يمتلك هو دكان فضائى خاص به ليحصل على كل التمويل.
لامانع هنا أن يستخدم الظلامى أحدث ما أنتجه " الكفار" من وسائط السوشيال ميديا بعد تراجع سوق الفضائيات الممولة وينطلق على الفيس بوك والتيك توك واليوتيوب ليكفر المجتمع ويوزع سبابه المنحط ويتهم المبدعين بالزندقة ويهين ويحرض ضد المرأة ويمارس سطوته على المغيبين فى مجتمعاتنا ومن يحاول أن يسأل يلاحقه الظلامى بالسباب والتكفير والاتهام بالخروج عن الدين والشرع فى نفس الوقت فوسائط "الكفار" تدر على الظلامى آلاف الدولارات يدفعها المغيبون من قروشهم البسيطة لأنهم يتابعون الظلامى وأكاذيبه وانحطاطه على موبايلاتهم ويصنعون له ملايين المشاهدات واللايكات و المشاركات التى تتحول الى رقم أمامه أصفار ممتدة فى حساباته البنكية.
بالنسبة للبنوك فالظلامى يحرمها على المغيبين لأنها حرام ورجس من عمل الشيطان ويسمح لهم بأن تذهب أموالهم إلى النصابين الذين على شاكلة الظلامى أو ذراع السلب والنهب الاقتصادى بعد أن سلب ونهب "الشيخ " الظلامى عقول وإرادة الطماعين والبلهاء فأصبح من السهل بعد ذلك أن يسلموا أموالهم إلى نصاب يتمسح بالدين وبعد أن قال "الشيخ " الظلامى: البنوك وفوائدها حرام.
بعد كل الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التى يتسبب فيها الظلامي واتباعه داخل مجتمعاتنا تظن للحظة أن المغيبين سيستفيقون من غيبوبتهم على وقع كارثة بعد أخرى لكن لا أفاقة وهذا لسبب بسيط أن هذه الأفاقة يلزمها تنبيه من الخارج لينهض المغيب من سباته العميق ويفتح عينيه ويعمل عقله فى كل مايدور حوله ولن يحدث هذا إلا بفضح كافة أكاذيب ومدى انحطاط الظلامى وكشف حقيقة السموم التى يتلقاها المغيبون  صباحا ومساء عبر وسائل الدعاية والسوشيال ميديا التى يتحكم فيها الظلام وأتباعه.
عند هذا التنبيه الخارجى الذى يقوم به المبدع والعمل الإبداعى ليكشف حقيقة الظلامى القبيحة  تبدأ حرب الظلام وأتباعه ضد هذا التنبيه وشراسة  الحرب التى تشن لها درجات مرتبطة بحجم التأثير الذى يقوم به العمل الإبداعى، الآن الدراما التليفزيونية هى الأكثر تأثيرًا وتصل رسالتها إلى الملايين بسهولة عن طريق الفضائيات أو وسائط السوشيال ميديا لأنها تستخدم الحكى أو الحدوتة والخطاب اليومى المعتاد
عندما تفضح رسالة الدراما أكاذيب وانحطاط الظلام وأتباعه وتهدد مصالح مؤسسة الظلام التى تدر ملايين الدولارات على "شيوخ " الفتنة تندلع حربهم القذرة ضد دراما التنبيه التى توقظ المغيبين من غيبوبتهم ويلقون بأكاذيبهم وشائعاتهم ويقذفون بسبابهم على الإبداع والمبدعين حتى يسكتوهم ولا يستيقظ المغيبون.
قد يظن البعض أن الظلام وأتباعه قوة ضخمة ولهم سطوة لكن الحقيقة أنهم فى غاية الضعف فشخصية درامية من خيال ترعبهم وتصفر وجوههم من الخوف ومشهد فى عمل فنى يجعلهم منهارين وجملة حوار فى عمل آخر تفقدهم السيطرة على أنفسهم ، بحسابات القوة والضعف فالحقيقة تقول والتاريخ يؤكد أن أى مجتمع عندما يقررالاستيقاظ ويدخل فى مواجهة حاسمة ضد الظلام وأتباعه ومؤسساته وخرافاته فإن حتمية الانتصار تكون للمجتمع وللعقل والإنسان التى ترفض طبيعته العيش فى الظلام وتبحث دائمًا عن النور.