خواطر الإمام الشعراوي: «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً»

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يقول الحق: «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا»، والإصر هو الشيء الثقيل الذى يثقل على الإنسان، ومثال ذلك الإصر الذى نزل على اليهود «إن أردتم التوبة فاقتلوا أنفسكم أو تصدقوا أو زكوا بربع أموالكم»، لكن الله لم يعاملنا كما عامل الأمم السابقة علينا، وعندما نقول: «رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ»، فنحن نصدق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله نعم» ومعنى قال الله نعم، أنه سبحانه وتعالى أجاب الدعاء برفع المشقة عن الأمة.

أى أن الله لن يحملنا ما لا طاقة لنا به. وعندما نقول: «واعف عَنَّا» فنحن نتوجه إلى الله ضارعين: أنت يا حق تعلم أننا مهما أوتينا من اليقظة الإيمانية والحرص الورعى فلن نستطيع أن نؤدى حقك كاملاً، ولذلك لا ندخل عليك إلا من باب أن تعفو عنا. ومعنى العفو محو الأثر، كالسائر فى الصحراء تترك قدماه علامة، وتأتى الريح لتزيل هذا الأثر.

وكأن هناك ذنباً والذنب له أثر، وأنت تطلب من الله أن يمحو الذنب. وعندما تقول: «واغفر لَنَا» فأنت تعرف أن من مظاهر التكوين البشرى النية التى تريد أن تحول العزم إلى حيز السلوك والانفعال النزوعي؛ فالمسألة تحتاج منك إلى تدريب.

ومثال علي ذلك، عندما يذنب واحد فى حقك فلك أن ترد عليه الذنب بالذنب، ولك أن تكظم الغيظ، لكن يظل الغيظ موجوداً وأنت تحبسه، ولك أن تعفو. لكن ماذا عن مثل هذا الأمر بالنسبة للخالق الذى له كمال القدرة؟ إن الله قد لا يعذب العبد المذنب ولكنه قد يظل غاضبا عليه، ومن منا قادر على أن يتحمل غضب الرب؟ لذلك نطلب المغفرة.

ونقول: «واغفر لَنَا وارحمنآ» فنحن ندعوه سبحانه ألا يدخلنا فى الذنب الذى يؤدى إلى غضبه والعياذ بالله علينا. فالعفو هو أن نرتكب ذنبا ونطلب من الله المغفرة، ولكن الرحمة هى الدعاء بألا يدخلنا فى الذنب أصلا. وعندما يقول الحق: «أَنتَ مَوْلاَنَا فانصرنا عَلَى القوم الكافرين» فهذا اعتراف بعبوديتنا له.

وأنه الحق خالقنا ومتولى أمورنا وناصرنا، ومادام الحق هو ناصرنا، فهو ناصرنا على القوم الكافرين؛ فكان ختام سورة البقرة منسجما مع أول سورة البقرة فى قوله: «الم ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ». فى أول السورة ضرب الله المثل بالكافرين والمنافقين.

وفى ختامها يقول الحق دعاء على لسان المؤمنين: «فانصرنا عَلَى القوم الكافرين» هذا القول يدل على استدامة المعركة بين الإيمان والكفر، وأن المؤمن يأخذ أحكام الله دائما لينازل بها الكفر أيان وجد ذلك الكفر، ويثق المؤمن تمام الثقة أن الله متوليه؛ لأن الله مولى الذين آمنوا، أما الكافرون فلا مولى لهم.

وفإذا كان الله هو مولى المؤمن، وإذا كان الكافر لا مولى له، فمعنى ذلك أنه يجب أن تظل المعركة بين المؤمن والكافر قائمة، بحيث إذا رأى المؤمن اجتراءً على الإسلام فى أى صورة من صوره فليثق بأن الله ناصره، وليثق بأن الله معه، وليثق المؤمن أن الله لا يطلب منه إلا أن ينفعل بحكمه وتأييده بالنصر.

ولأنه هو الذى يغلب فهو القائل جل وعلا: «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ». يجب أن تظل دائما مؤمناً متيقظاً لعملية الكفر فى أى لون من ألوانها؛ فهذا الكفر بعملياته يريد أن يشوه حركة الحياة وأن يتعب الكون.

وأن يجعل القوانين الوضعية البشرية هى المسيطرة، كما يجب عليك أيها المؤمن أن تكون من المتقين الذين استهل بهم الله سورة البقرة، وبعد ذلك تسأل الله أن ينصرك دائماً على القوم الكافرين.

اقرأ ايضاً| قصة آية.. تفسير أواخر سورة البقرة