«الخرباوي» يواجه الإسلام السياسي.. بكتاب «تركة الرسول المخفية»

كتاب إخفاء تركة الرسول
كتاب إخفاء تركة الرسول

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

 محاولات تفكيك المنهج المتطرف ليست بالهينة في مواجهة تشبّع العقل الجمعي بأطروحات الجماعات الأصولية، وخلطها واستنادها إلى الآراء الدينية الموروثة لقدماء المحدثين والفقهاء، وتحولها إلى جزء أصيل من الإسلام والشريعة.

سنوات طويلة ظل الدكتور ثروت الخرباوي، القيادي السابق بجماعة «الإخوان»، رأس الحربة في إسقاط النقاب عن غموض التنظيم السري لجماعة «الإخوان»، وصولاً إلى جهوده في تفكيك البنية الفكرية لتيارات «الإسلام السياسي»، من خلال إصداراته المتعددة التي بدأها بكتاب «قلب الإخوان»، وكتاب «سر المعبد... الأسرار الخفية لجماعة الإخوان»، وكتاب «أئمة الشر»، مرورًا برواية «زمكان»، التي تناولت المظاهر السلفية، ورواية «مولانا الجوسقي»، المغلفة بالروح الصوفية، انتهاء بكتاب «إخفاء تركة الرسول».

وضع الخرباوي يديه في كتابه الأخير الصادر حديثًا في معرض القاهرة الدولي «إخفاء تركة الرسول» (منشورات إيبيدي)، على الكثير من الإشكاليات والقضايا التي مكّنت تيارات «الإسلام السياسي» من التعمق في المجتمعات العربية، وطرحت «إسلامًا» مختلفًا عما أنزله الله على نبيه محمد (صل الله عليه وسلم).

الفقه السلفي التقليدي
اتهم الخرباوي منظري «الفقه السلفي التقليدي» بتحريف مفهوم الدين، من خلال تغيير معاني النص القرآني، وليس من خلال تغيير الكلمات ذاتها، وإنما عن طريق استبدالها بفهم مخالف للمنهج السليم، وتبديل تركيبته القويمة من أجل خدمة المشاريع السياسية، مبينًا أن الأفهام التي استقرت عليها غالبية العقلية الجمعية للأمة، بعيدة تمامًا من الفهم الصحيح للإسلام، إذ أن تفسيرات القدماء ومواقفهم وأعمالهم، تمثل تراثهم من دون غيرهم، ولا يمكن تعميمه على أنه جزء من الإسلام.

 تطرق كتاب «إخفاء تركة الرسول»، إلى أن الإسلام الذي قدموه لنا عبر القرون ليس «الإسلام الحقيقي»، وأن جمهرة من «الفقهاء» مارسوا نوعًا من الإخفاء المتعمد عن طريق التحريف للكلام عن مواضعه، فظهر أمامنا «إسلام الغزاوت والقتل والإكراه والحرق، والتعذيب»، ولتخفيف حدتها وضعوها في سياق «الفتوحات»، وكانت سببًا رئيسيًا في صناعة «الإخوان»، و»القاعدة»، و»داعش» وغيرهم.

تفكيك الخطاب الأيديولوجي للجماعات الأصولية
وفي إطار منطقه تجاه تفكيك الخطاب الأيديولوجي للجماعات الأصولية، اعتبر الخرباوي أن المدارس الفقهية والقائمين عليها بدّلوا الكثير من معاني القرآن خلال شروحهم المتعددة، ومن ثم ترتب عليها تغيير المقاصد، فـ»الكفر» لم يقصد به «عدم الإيمان»، وشتان ما بينهما، فضلاً عن أن «الشرك» لم يقصد به الكفر كذلك، كما حرفوا معنى «الجزية»، وجعلوها إرثًا تاريخيًا ودينيًا، وأخرجوها من سياقها كعقوبة زمنية موقتة.

واعتبر أن قدماء الفقهاء والمحدثين قرأوا النص القرآني، وفقًا لنسق لغوي معين، بناء على معارفهم البيئية والمجتمعية والإنسانية، من دون التفرقة بين «اللسان القرآني»، و»اللغة العربية»، وبالتالي أصبح العقل الجمعي أسيرًا لفهم القدماء للشريعة والعقيدة، في ظل تغير الأزمان والأحوال، ومن ثم نشأت الظواهر «المتأسلمة»، التي تعيش بعقلية ماضية سلفية.

ولمحاولة خلخلة المكوّن الفكري للتيارات الأصولية، دعا الخرباوي إلى ضرورة إعادة قراءة النص الديني والتحرر من قراءات السابقين؛ إذ أن الإسلام لم يمنح أحدًا العصمة، ولم يعط لأحد قداسة في تبليغ الرسالة إلا للنبي (محمد صل الله عليه وسلم)، فلا يصح أن نطلق لقب «شيخ الإسلام»، ولا «حجة الإسلام» على أحد، ولا يمكن أن ننسب ما كتبوه من اجتهادات فقهية وعلومها، على أنها من صلب الشريعة وكيانها.

فرّق كتاب «إخفاء تركة الرسول»، بين الدين والانتماء، كاشفاً أن العلاقة بالدين، قائمة على الإيمان وليس على فكرة الانتماء، هادمًا ما رسخته مختلف الجماعات الأصولية من ربط الانتماء بالعقيدة وليس بالدولة والوطن، مثلما فعلت جماعة «الإخوان الإرهابية» والتيارات السلفية الجهادية التي نادت بالأممية الأصولية أو مظلة الخلافة الإسلامية.

وفي طرح صدامي مع دوائر الإسلام الحركي، رأى الخرباوي أن «لا جزية في الإسلام»، وأن الآيات الواردة في سورة «التوبة»، تمثل حالة خاصة لفئة بعينها من دون غيرها، وأنها آيات نبوية وليست رسالية، أي أنها للنبي وقومه في زمنه، وليست رسالة للمسلمين إلى قيام الساعة، ومن ثم حرفت عن موضعها، وأن الحديث في فرضها يخالف المنهج القرآني في عدم إكراه الناس على الإسلام والإيمان، وفقًا لقوله تعالى «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».

وبيّن أن آية «الجزية» فرضت حينها على فرقة من «الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ»، وثمة فروق كبيرة بينهم و»أَهْلَ الْكِتَابِ»، وبين «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ»، وأنها كانت غرامة مالية طارئة على «نظام سياسي»، متمثل في قادة الروم والغساسنة، الذين اعتدوا على أرض العرب في مؤتى وتبوك، وليس على شعوبهم.

وعن إشكالية الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، نفى المؤلف في إطار اجتهاداته الفكرية، أن يكون هناك نسخ في القرآن، بمعنى إلغاء آيات واستبدالها بآيات أخرى، معتبرًا أن آية «مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا»، تم تحريف معناها، وأنه لا يليق أن نقول إن الله قد أقر آيات وأحكاماً ثم غيّرها ونسخها، وأبقى عليها لفظًا من دون تطبيقها، في إطار تجربة صلاحيتها من عدمها، مبينًا أن أية النسخ الواردة في سورة «البقرة» خاطبت مباشرة بني إسرائيل، وقصد بها إلغاء آيات القرآن الكريم لبعض الأحكام الواردة في آيات التوراة والكتب السابقة.

وحرك الخرباوي المياه الراكدة حول مفاهيم الرقيق والعبيد والإماء الواردة في آيات القرآن الكريم، التي استغلتها التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم «داعش»، استنادًا للمدارس الفقهية المختلفة التي تضعها في مرتبة «الحلال» والإقرار حتى هذه اللحظة.

وأوضح؛ أن الرق محظور منذ الهجرة النبوية للمدينة، بمعنى أن ما كان قد نشأ قبل ذلك فهو صحيح وفقًا لعدم جواز تطبيق «القاعدة الجديدة» بأثر رجعي، مدعمًا رؤيته واجتهاده بقراءة مختلفة لآيات القرآن الكريم، ومفرقًا في ذلك بين «اللسان العربي»، و»اللغة العربية»، ومبينًا أن اللسان نفهمه من القرآن، لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وليس بلغة عربية، وأن اللغة من اللغو ومملوءة بالمترادفات اللفظية، بينما اللسان لا يعرف المترادفات، ومن ثم يضع كل كلمة في معنى خاص بها من دون غيرها.

وتساءل المؤلف كيف للإسلام الذي جاء ليحرر البشر من العبودية ويجعلها لله رب العالمين، أباح الرق والعبودية؟ مؤكدًا أن الإقرار بإباحة الرق يمثل تحريفًا عن النهج السليم، وزيغًا واتباعًا للأهواء، وأن الإسلام أجاز محاربة الأعداء دفاعًا عن النفس، وليس اعتداءً واحتلالاً لغيرهم، ومن ثم ما بني على فهم باطل فهو باطل، فضلاً عن أن «الأسر» وأحكامه الشرعية، تختلف تمامًا عن التملك والعبودية وتجارة الرقيق.

وعن تقسيمات الفقهاء لمعاني ومصطلحات «الجهاد»، من أنه «جهاد دفع»، و»جهاد طلب»، نفى الكاتب شرعية «جهاد الطلب»، إذ أن القرآن أقر «جهاد الدفع» فقط، لتعلقه بالدفاع عن البلاد من المعتدين، ومن ثم لا يجوز التعدي على أي بلد في العالم تحت مسمى «الفتح»، أو»الغزو»، وأن ما أطلقوا عليه «فتوحات إسلامية» هي في ذاتها «غزوات عربية»، قد يكون لها مبررها السياسي والإقليمي في زمنها، ولكنها ليست دينية، ولا ينبغي أن تنتسب للإسلام من الأساس.

أطروحات كتاب «إخفاء تركة الرسول»، تمثل خطوة في مواجهة وتفكيك مشروع التطرف والإرهاب، على أرضية فكرية بعيدًا من الإطار الأمني والسياسي، مقدمًا منهجًا مختلفًا في تطوير أدوات ومفاهيم الخطاب الدعوي، وتجديد الرؤية الدينية المتماسة مع نظريات الإسلام الحركي.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 30/3/2023

أقرأ أيضا: صدور الأعمال الكاملة للكاتب الصحفي عبد الرحيم علي في سبعة مجلدات