أزمة في أمريكا بسبب انتشار زواج القاصرات

زواج القاصرات فى أمريكا
زواج القاصرات فى أمريكا

 دينا جلال

 فى عام 2016 أطلقت الخارجية الأمريكية مصطلح انتهاك حقوق الانسان؛ حين تناولت قضية زواج الفتيات القاصرات فى العالم.

ووجه العالم أنظاره وقتها نحو انتشار تلك الظاهرة فى آسيا وإفريقيا دون الالتفات نحو معاناة الأمريكيين انفسهم من ارتفاع نسب واعداد زواج الفتيات الصغيرات إجباريًا من رجال اكبر سنًا، والامر لا يقتصر على حالات نادرة أو فردية وانما تكشف إحصائيات وخبايا المجتمع الامريكي وقوع مئات الآلاف من الفتيات ضحايا لزواج القاصرات وسط غياب القوانين الامريكية او تساهلها نحو تلك القضية.


من يتخيل يومًا ان تعاني الولايات المتحدة الامريكية من قضية زواج الفتيات القاصرات لتكشف كواليس بعض المجتمعات في امريكا، الفتيات الصغيرات يتم إجبارهن على الزواج حتى تحول الامر إلى ظاهرة يصعب السيطرة عليها لتتناولها الصحف العالمية بعرض قصص حقيقية لنساء وقعن ضحايا لتلك الجريمة منذ سنوات طفولتهن وتترك آثارها حتى سنوات شبابهن وكبرهن.

انتهاك مستمر
يكشف موقع الاندبندنت تفاصيل تلك الظاهرة تحت عنوان انتهاك حقوق الإنسان بزواج القاصرات؛ لتشير دراسات العام الماضي إلى وصول الحالات إلى اكثر من 300 ألف حالة تم تزويجهن دون أن يكملن سن 18 عامًا بشكل قانوني في الولايات المتحدة بين عامي 2000 و 2018، واغلب الحالات تتراوح اعمارهن بين 16 و 17 سنة، و 20 بالمائة لم يتممن عامهن الثالث عشر، والغريب في الامر أن معظم تلك الزيجات تتم بأمر القاضي احيانا فهناك ما يقرب من 44 ولاية تسمح بالزواج بعد موافقة القاضي أو احد الوالدين، وتتوالى المزيد من الإحصائيات لتكشف عن ارتفاع معدلات وفيات الزوجات الصغيرات ممن تتراوح اعمارهن ما بين 15 و19 عامًا أثناء الولادة لعدم قدرة أجسادهن الصغيرة على تحمل متاعب الولادة الشاقة وهو ما تدينه الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال؛ لتشير إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض عديدة نتيجة الزواج المبكر.

مثل الكثير من دول العالم تسعى الولايات المتحدة وحكومات دول أخرى إلى إنهاء مأساة زواج الأطفال بحلول عام 2030 كجزء من أهداف الأمم المتحدة وتحديدًا  منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف التي تكشف عن أرقام مخيفة لزواج الفتيات في جميع انحاء العالم لتقترب من 12 مليون ضحية وتضم القائمة أيضا بريطانيا التى قررت رفع السن القانوني للزواج من 16 إلى 18 سنة إلا أن تلك الخطوت يصعب تطبيقها في أمريكا بشكل كامل.

قوانين صادمة
أمام تلك الارقام المرتفعة، لم تتحرك أمريكا قانونيًا بشكل ناجح لمواجهة الازمة، فهناك حوالي 44 ولاية لديها استثناءات تسمح بزواج الفتيات بعد موافقة أحد الوالدين أو موافقة القاضي قبل اتمام 18 عامًا، وتحظر سبع ولايات فقط جميع الزيجات لمن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، إلا أن هناك 14 ولاية من ضمنها واشنطن العاصمة تمنح مسئولي المقاطعات حق إصدار تراخيص الزواج للقصر، وكذلك تسع ولايات ليس لديها حد أدنى للسن القانونية للزواج، وتكافح 27 ولاية لتشديد الإجراءات التي تسمح زواج القاصرات، وتتصدر ولاية نيفادا القائمة وتشتهر بإقامة حفلات الزفاف السريعة ولديها أعلى معدل تاريخي لزواج المراهقات في امريكا وتليها أيداهو وأركنساس وكنتاكي وأوكلاهوما.

حملات اجتماعية
مقال آخر تناولته ديلي ميل البريطانية تحت عنوان «زواج الاطفال.. عار على امريكا» يشير إلى أن الارقام الحقيقية لا يمكن حصرها بسهولة وتصل إلى مئات الآلاف من الحالات، ويصل عمر الزواج في كثير من الاحيان إلى 11 سنة، وسجلت فرجينيا الغربية وميشيجان ووايومنج اغلبية زيجات الأطفال في عام 2021، وتشير البيانات الحديثة إلى أعداد مقلقة من الشباب ممن يرتبطون بزيجات غير متكافئة وهم في منتصف سن المراهقة، وتتولى المنظمات الاجتماعية حملات لإنهاء زيجات الفتيات، ومنها منظمة «لست حبيسا إلى الابد» التي كشفت انتقال عشرات الأطفال معظمهم لفتيات تتراوح أعمارهن بين 16 و 17 عامًا من ولايات لأخرى لتسهيل الزواج تبعا للقوانين، ويتوقع الباحثون مئات وربما الآلاف من الحالات.

يعرض التقرير قصصا حقيقية لم يتوقعها أحد حدوثها في امريكا واطلقت عليها قصص الرعب للاطفال العرائس وإحداهن تدعى «دون تايري» تزوجت وعمرها 13 سنة برجل يكبرها بـ 19 عاما، فوجئت بتوقيع والدها المفاجئ على زواجها قبل أن تُنهي دراستها في الصف السادس في عام 1985، ووجد والدها المتدين الزواج حلا لإنقاذها من التعرض لأى اعتداء أو خطر كما وقع الزواج سريعا في صفقة لإنقاذ والدها من السجن؛ ليتحرر وتدخل ابنته إلى سجن دائم، تقول دون في حديثها: كنت قاصرا، لا يمكنني فعل أي شيء حيال ذلك واتعرض إلى غسيل دماغ لإقناعي بإتمام دوري في تلك الصفقة لأجد نفسي أما لطفلين في سن مبكر جدًا، تحملت مسئوليات ضاعفت سنوات عمري، توليت مهام ومسئوليات شاقة، دفعني زوجي لقيادة السيارة بجانب مهامي المنزلية لأشعر انني اكبر سنًا، عشت في عزلة عن الاشخاص البالغين وكذلك ابتعدت عن من هم في سني، لم يكن احد في نفس ظروفي وحين فشل حملي الثالث قررت الهرب من زوجي برفقة ابنائي خوفا من ان يعيشوا نفس مصيري».

حرية مؤجلة
انتقلت دون تايري للاستقرار في ملجأ للنساء وانفصلت عن طفليها؛ لتضطر إلى تركهما مع والديها لأنها مازالت قاصرًا ولا يمكنها تحمل مسئولية تربيتهما، واضطرت إلى الانتظار حتى سن 18 لإنهاء طلاقها والفوز رسميًا بحضانة أطفالها لتتمكن اخيرًا من تنفس الصعداء، وتكرس حياتها الآن للنضال لإنهاء إساءة معاملة الأطفال وتدعو المشرعين إلى إغلاق جميع الثغرات التي تؤدي إلى زواج القاصرات.

قصة أخرى بطلتها أو ضحيتها هى آشلي دنكان من ولاية ميسوري، تزوجت وعمرها 15 عاما بسبب علاقتها بصديقها ووجدت عائلتها أن الزواج هو الخيار الوحيد في ظل ظروفها؛ فوجئت أن الزواج السريع تم ترتيبه بالفعل من قبل أفراد عائلتها لمساعدة صديقها على تفادي عقوبة السجن لتسببه في حملها، وسمحت سلطات ولاية ميسوري بزواج المراهقين وعمرهما الخامسة عشرة من العمر بموافقة أحد الوالدين، تزوجت دنكان لمدة عامين وانجبت طفلين قبل انفصالها، اما شيري جونسون فأجبرتها عائلتها على الزواج من رجل دين وعمرها 11 عاما، انتهى بها الأمر بإنجاب ستة أطفال في السنوات السبع التي تزوجت خلالها.

مجتمعات معزولة
تفشل محاولة تحديد الحد الأدنى لسن الزواج في اغلب الولايات ومنها ولاية كاليفورنيا بسبب معارضة الجماعات الحقوقية ومنها المنظمات اليسارية، ومن ناحية أخرى يستخدم بعض الجمهوريين المحافظين حق النقض ضد تلك المشروعات بدعوى انها لا تتماشى مع تقاليد وديانات بعض المجتمعات مما اضطر اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ التي يديرها الجمهوريون في عدد من الولايات ومنها ولاية فرجينيا الغربية إلى رفض مشروعات قانونية تمنع الأطفال من الزواج.
كما تواجه محاولات تغيير قوانين زواج الاطفال تحذيرات النشطاء في بلد يتمتع بحريات دينية واسعة بسبب تقاليد الجماعات التي تشتهر بالعزلة والمجتمعات المهاجرة التي تحتفظ بتقاليدها الخاصة في تزويج الفتيات؛ ليصبح من الصعب الحد من تلك الازمة ومن اشهر تلك الجماعات طائفة الأميش وتبلغ أعدادها حوالي ربع مليون شخص موزعين على 22 منطقة مأهولة في الولايات المتحدة وولاية أونتاريو في كندا، يؤمن هؤلاء بالانعزال عن العالم الخارجي وعن أي محاولات لدمجهم أو خلطهم بمجتمعات وتعاليم أخرى، ويتزوج الأميش في اعمار صغيرة حتى أن 90٪ من البالغين متزوجين بالفعل.

يرفض الاميش الطلاق بشكل قاطع ليتم تهديدهم بالعزل عن المجتمع بشكل كامل وتنجب النساء بمعدل 7 أطفال حتى سن 45 سنة، واغلب العائلات لديهم ما لا يقل عن عشرة أطفال، وتعتبر تربية الأطفال رخيصة في مجتمع بدائي يعمل على تزويج الاطفال سريعا، وتتعامل الشرطة مع الهاربات من الزواج في تلك المجتمعات بسلبية حيث يتم اعادتهن إلى عائلاتهن مرة أخرى وترفض ملاجئ العنف المنزلي استضافتهن لتعارضها مع معتقدات عائلاتهن الاجتماعية والدينية.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 30/3/2023

أقرأ أيضأ : التضامن في أسبوع | برنامج «وعي» ينظم سلسلة ندوات حول أضرار زواج القاصرات