عدد مستخدميه بأكثر من مليار ونصف المليار

حرب «التيك توك» بين أمريكا والصين مازالت مستمرة

ترامب اتهم تيك توك بالتجسس
ترامب اتهم تيك توك بالتجسس

خالد حمزة

حرب من نوع خاص، عادت لتحتل الصدارة مرة أخرى بين العملاقين أمريكا والصين، والصراع هذه المرة؛ حول تطبيق التيك توك الصينى المنشأ؛ والذى يقدر عدد مستخدميه بأكثر من مليار ونصف المليار شخص حول العالم؛ 10% منهم فى أمريكا.

أمريكا تتهم الصين صراحة باستخدام التطبيق للتجسس ليس عليها فقط بل على العالم كله، وبفرض هيمنتها الاقتصادية والثقافية من خلاله، والأخطر اختراق دوائر صنع القرار الأمريكى؛ ومنافسة منصات وشبكات اجتماعية أمريكية بشدة؛ وتهديدها بانتزاع الصدارة منها؛ وقيادة العالم تكنولوجيا؛ بعد أن شارفت على قيادته اقتصاديا.

«تيك توك»، الذى تدور حوله الحرب، هو شبكة اجتماعية لمشاركة الفيديو مملوكة لشركة بايت دانس الصينية منذ 2016؛ وتُستخدم منصة الوسائط الاجتماعية؛ لإنشاء مجموعة متنوعة من المقاطع المرئية القصيرة، مثل الرقص والكوميديا والتعليم، والتى تتراوح مدتها من 3 ثوانٍ إلى عشر دقائق، ومؤسسها «حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية» هو المبرمج الصيني، تشانج يى مينج، الذى بدأ حياته فى شركة مايكروسوفت، إلا أنه سريعًا ما أنشأ شركته الخاصة باسم «تشانج 99 فانج»، والتى كانت محرك بحث عن العقارات، لكن كانت لديه طموحات أكبر، إذ كانت قصة مارك زوكربيرج، مؤسس «فيسبوك» مصدر إلهام له، وسرعان ما غادرها إلى شركة «فان فو»، لكنه عاد لشركة «كوكسون»، كمالك لها، ومع تحول العالم من استخدام الحواسب إلى الهواتف الذكية، تحول عقل تشانج إلى التكنولوجيا الأحدث، حيث اختار مديرًا تنفيذيًا لشركته، واستقال ليبدأ مشوارًا جديدًا مع «دانس بايت» 2012، وكانت الخطوة الأكثر نجاحًا فى مشواره فى سبتمبر 2016، عندما أطلق  تطبيق مشاركة الفيديو «تيك توك»، المعروف باسم «دو يين» فى الصين، والذى أصبح الأكثر شعبية فى العالم، ولم يكن له منافس سوى تطبيق «ميوزيكلى»، الذى اشتراه تشانج لينفرد بالساحة.

الاختلافات بين «تيك توك» والتطبيقات الأخرى، تكمن فى أنه بينما تطلب منصات المحتوى الأخرى مثل «فيسبوك» و«تويتر» من المستخدمين تجميع الأصدقاء والمعارف يدويًا، فإنه على النقيض من ذلك لم يهتم «توتياو» بمن تعرفه فقط بما أعجبك، كما لم يتطلب أى تسجيل على الإطلاق، فلا حاجة لإنشاء حساب ولا كلمة مرور ولا لوصف الاهتمامات ولا التفضيلات، كما تُقدم مقالات للمستخدمين ببساطة عند تنزيل التطبيق، ومميزات أخرى، ومع ذلك، وصل التطبيق إلى مليون مستخدم يوميًا فى المتوسط، بعد أربعة أشهر فقط من بدايته، وبات أسرع التطبيقات نموًا فى تاريخ الإنترنت، لكن كلما زاد حجم الإيرادات، زادت الانتقادات التى واجهتها «توتياو»، إذ يقول المنتقدون، إن التطبيق يلبى اهتمامات الإنسان الأساسية «شائعات المشاهير والفضائح والكوارث والعنف» لإبقاء المستخدمين متصلين لأطول فترة ممكنة، بعيدًا عن المحتوى الهادف.

ومن أجل الاستمرار فى النمو، كان على الشركة أن تتوسع فى الخارج، ففى 2014 زار تشانج، وادى السيليكون، وقام بجولة فى مكاتب «فيسبوك» و«تيسلا»، وبينما كانت «بايت دانس» تندفع للخارج، كانت الصين تتغير أيضا، والنظر لقطاع التكنولوجيا فى البلاد على أنه تجسيد للديناميكية الاقتصادية للصين، وسلاح القوة الصينية الناعمة فى الخارج، وكمحاولة للانتشار أكثر، أنفقت «بايت دانس» فى 2018 مليارات الدولارات على الإعلان عن «تيك توك»، كما غطت «تيك توك»، منصات «فيسبوك» و«إنستجرام» و«سناب شات»، ومنصات الوسائط الاجتماعية الأمريكية بالإعلانات.

ومع انتشار كورونا، كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، ازدهر «تيك توك» بصورة ملفتة، وأمام هذا الانتشار غير المسبوق لشركات التكنولوجيا الصينية فى الولايات المتحدة، ضغط زوكربيرج، مؤسس فيسبوك، على الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، بشأن التهديد الذى تتعرض له الشركات الأمريكية، من شركات الإنترنت الصينية، وفى المقابل، افتتحت «تيك توك» رغم ضغوط «فيسبوك» على الإدارة الأمريكية - مكتبًا فى واشنطن.
عام 2020، أثارت هيمنة «تيك توك» المتزايدة قلقا حول أن البيانات التى تم جمعها عن المستخدمين الأمريكيين، يمكن الوصول إليها من قِبل بكين؛ ونشرها لأغراض الابتزاز أو المضايقة أو التجسس؛ كما يمكن استخدامها لتعزيز أهداف السياسة الخارجية للحكومة الصينية.

مخاطروجود تيك توك

 

 ونظرت حكومة ترامب فى ثلاثة خيارات؛ إما السماح للجنة الاستثمار الأجنبى فى الولايات المتحدة بأخذ زمام المبادرة وفتح تحقيق عن مخاطر وجود «تيك توك»، ثم تقدم اللجنة توصية إلى الرئيس، تقترح إما سحب الاستثمارات، وإما اتخاذ بعض التدابير التى يمكن أن تهدئ مخاوف الحكومة.

أو السماح لـ«تيك توك» بالبقاء كشركة صينية، لكن تعمل بالشراكة مع شركة أمريكية، لاستضافة خوادم البيانات الخاصة بها على الأراضى الأمريكية أو الحظر التام للتطبيق على غرار الهند، وهو الخيار الذى أيده ترامب ونفذه بالفعل.


وجاءت إدارة بايدن إلى السلطة واعدة بالتخلى عن سابقتها فى الأسلوب والمضمون، لكن سياسة الصين التكنولوجية؛ مثلت تحديًا واضحًا لها، وأصبحت إدارة بايدن التى ألغت قرار الحظر الذى اتخذه ترامب؛ تنظر إلى التقدم التكنولوجى كورقة يجب ألا تخسرها الولايات المتحدة، ومن هنا اتخذت قرارات بقيود على بيع رقائق أشباه الموصلات الأكثر ومعدات تصنيع الرقائق إلى الصين، كما ألزمت أى شخص من المواطنين والمقيمين الدائمين وأى شخص يعيش فى الدولة والشركات الأمريكية؛ بالحصول على ترخيص حكومى للعمل مع شركة صينية فى مجال إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة، كما شاركت شركة «ميتا» حاليا وهى «فيسبوك» سابقا؛ فى حملة علاقات عامة ضد «تيك توك» حول العالم.

لا يمكن الوثوق بتطبيق تيك توك

وبعد فترة وجيزة، تم الإعلان عن أنه بإمكان موظفى «تيك توك» فى الصين، الوصول إلى البيانات الخاصة بالمستخدمين الأمريكيين، وقالت صحيفة نيويورك تايمز؛ إن هذه الاتهامات أدت إلى تضخيم المخاوف الأمريكية؛ من أنه لا يمكن الوثوق بتطبيق تيك توك، خاصة بعد استحواذ الحكومة على حصة ملكية فى شركة تابعة لشركة بايت دانس المالكة لتيك توك.

وعزز تلك الاتهامات، اعتراف شركة «بايت دانس» المالكة لمنصة تيك توك، بأن بعض الموظفين فى «تيك توك» وصلوا إلى بيانات اثنين من الصحفيين الأمريكيين، وذلك زاد الضغط الذى تواجهه تيك توك فى الولايات المتحدة من المشرِّعين فى الكونجرس وإدارة الرئيس بايدن، بشأن المخاوف الأمنية تجاه بيانات المستخدمين الأمريكيين، وهى مخاوف مشروعة؛ خاصة مع تأكيد المدير التنفيذى لتيك توك، أمام لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي، أنه بينما يمثل المستخدمون فى الولايات المتحدة 10% من إجمالى مستخدمى التطبيق حول العالم، فإن صوتهم يمثل 25% من إجمالى المشاهدات حول العالم، ويواجه تطبيق تيك توك مزاعم بأنه يجمع بيانات المستخدمين؛ ويسلمها للحكومة الصينية، ما أثار قلق بعض وكالات الاستخبارات من احتمال كشف معلومات حساسة؛ عند تنزيل التطبيق على الأجهزة الحكومية، وحظرت بعض المكاتب الفيدرالية فى الولايات المتحدة، بما فى ذلك البيت الأبيض، ووزارات الدفاع، والأمن الداخلي، والخارجية، تطبيق تيك توك على أجهزتها، كما حظرت ولايات ماريلاند، وساوث داكوتا، وكارولينا الجنوبية، ونبراسكا، وتكساس، وألاباما ويوتا، استخدام التطبيق على أجهزة الدولة.


ويرى البعض أن تيك توك هو حصان طروادة؛ ويمكن أن يكون سلاحًا قويًا فى أوقات الصراع، كما أن حظر الولايات المتحدة لتيك توك؛ قد يكون له تأثير كبير على المنصة، نظرًا لأن حلفاء واشنطن عادةً ما يحذون حذوها فى قرارات مماثلة؛ كما حدث فى بريطانيا والهند وكندا.

ولعل أكثر ما تخشاه أمريكا؛ هو انتزاع الصين لهيمنتها على التكنولوجيا الرقمية، وتنظر إليه فى سياق الهيمنة والسيطرة؛ استناداً إلى قوة القطب الأوحد ولحماية الثقافة والقيم الأمريكية؛ التى روجتها ذراعها السينمائية هوليوود، وهنا أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنه خلال العام الماضي، كانت زيارات موقع تيك توك أكثر من جوجل، وتخطت دقائق مشاهداته فى الولايات المتحدة موقع يوتيوب، لافتة إلى أنه بينما استغرق فيسبوك ما يقرب من تسع سنوات للوصول إلى مليار مستخدم، فعلها تيك توك فى خمس سنوات فقط.


إدارة تيك توك، قالت إنها لن تمتثل أبداً لأى طلب بمشاركة بيانات المستخدمين، وتصر على أن التطبيق لا يعمل بشكل مختلف عن شركات التواصل الاجتماعى الأخرى، كما أن بيانات التطبيق كافة تتماشى مع الممارسات المعهودة، والشركة مستقلة تماماً ولم تقدم بيانات المستخدمين إلى الحكومة الصينية، ولن تفعل إذا طُلب منها ذلك، كما سرّعت المحادثات مع الحكومة الأمريكية حول خطط لتخزين بيانات المستخدمين فى الولايات المتحدة؛ بدلاً من الصين، وتم توجيه بيانات المستخدمين الأمريكيين عبر خوادم مقرها الولايات المتحدة.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 29/3/2023

أقرأ أيضأ : مخبر «التيك توك» .. كارثة جديدة على السوشيال ميديا