حكايات من قلب روسيا l الإخوة الأعداء.. «فاجنر» و«أوزوف»

مجموعة فاجنر
مجموعة فاجنر

أيمن موسى

بغض النظر عن توصيف مـــا يحـدث فـــى أوكرانيا ســـواء بأنـــه عملية خاصـة وفـــق التصنيف الروسى أو عدوان غاشم وفق التصنيف الغربي، فلا شك أن لها طابعاً خاصاً مــن حــيث نوعـية القوات المشاركة فيها من كلا الجانبين، وربما أن ذلك استرعى اهتمام المتابعين بقوة فى الآونة الأخيرة وبعد الواقعة الهمجية والمشينة التى قام فيها عدد من الجنود يدعون أنهم من أوكرانيا بحرق نسخ من المصحف الشريف مع ترديد العبارات البذيئة.وبطبيعة الحال كانت روسيا فى طليعة الدول التى أدانت الواقعة وأكدت أنها تدل على طبيعة القوات الأوكرانية، وفى نفس الوقت تعهد رمضان قاديروف رئيس الشيشان برصد مكافأة سخية تبدأ من خمسة ملايين روبل لمن يلقى القبض على هؤلاء الهمج أحياءً كانوا أو أمواتا.

والأمر فى أوكرانيا ذاتها لم يختلف كثيرا حيث أدانت الواقعة وأكدت المستويات المختلفة للسلطة أن هذه الواقعة مدبرة للإساءة للدولة الأوكرانية وتشويه صورتها على الساحة الخارجية.
ومهما كانت حقيقة الواقعة ومن يقف وراءها إلا أنها تسلط الضوء على خطورة المجموعات المختلفة من المسلحين والمرتزقة الذين يشاركون فى الحرب، والذين يخرجون فى كثير من الأحيان عن سيطرة السلطات الرسمية والنسق العسكرى الموحد سواء على الجانب الأوكرانى أو الروسى.
ويختلف طابع العمليات العسكرية على الجبهة الأوكرانية كثيرا عن طابع الحروب التقليدية التى نعرفها، حيث تلعب المجموعات المسلحة من كلا الجانبين دورا رئيسيا فيها، لذلك دعونا نتطلع فى البداية إلى نوعية وطبيعة هذه المجموعات فى كل جانب.

فاجنر!
على الجانب الروسى تبرز ما يعرف باسم شركة أو مجموعة «فاجنر» العسكرية الخاصة نظرا للشهرة التى اكتسبتها فى السنوات الأخيرة وبصفة خاصة خلال العمليات فى سوريا والانتشار السريع فى عدد من الدول الأفريقية، إلا أن أغلب ما نشر عن هذه المجموعة يبدو وكأنه لصرف الانتباه عن حقيقة المجموعة وتكوينها وتمويلها ومدى تبعيتها للسلطات الرسمية فى روسيا، فحتى سبتمبر من عام 2022 كانت أغلب المنشورات عن هذه الشركة توحى بأن نشأتها قامت فى عام 2013 وترتبط بتأمين السفن ضد هجمات القراصنة، ثم تطور دورها لتأمين المنشآت النفطية والبتروكيماوية، وبصفة خاصة فى سوريا 2015 تحت مسمى «الفيلق السلافي» فى سوريا، وشاركت فيما بعد فى المواجهات مع المعارك المسلحة فى هذا البلد.

وظلت السلطات الرسمية فى روسيا تنفى حقيقة وجود شركة أو مجموعة بهذا الاسم حتى اعترف مؤسس الشركة يفجينى بريجوزين فى سبتمبر من 2022 بحقيقة الشركة بل وأعلن عن تأسيس مكتب رسمى لها فى سان بطرسبورج.
وتفيد بعض المعلومات أن هذه الشركة فى واقع الأمر هى إحدى مؤسسات قيادة أركان القوات المسلحة الروسية ويتراوح تمويلها ما بين 5٫1 إلى 10٫3 مليار روبل، إلا أن بعض البيانات تشير أيضاً إلى أن رأس مال المجموعة يتعدى المائة مليون دولار، وأن عدد العناصر الذين تضمهم يفوق الخمسين ألف فرد وأنها تعتزم فى المرحلة القادمة تجنيد أكثر من 30 ألف فرد إضافيين، علما بأن المعلومات المتوفرة تؤكد أن فاجنر لا تستخدم سوى المستوى الرفيع من العسكريين ورجال الأمن السابقين، إلى جانب أنها توفر تدريبا يفوق كثيرا التدريب الذى توفره الجيوش المحترفة فى الدول الكبرى.

وتكمن خطورة فاجنر فى أنها تحيط نفسها بسياج صارم من السرية، ولها تمويل مستقل كبير للغاية والأخطر هو أنها تتسلح بأسلحة ثقيلة ولها شبكة لوجستيات واتصالات عالية المستوى فى الكثير من دول العالم، وخير دليل على ذلك هو أنها قامت بالكثير من العمليات النوعية شديدة القسوة فى الكثير من دول العالم دون أن تترك أثرا لها ودون أن تسمح لأى من ممثلى وسائل الإعلام بما فى ذلك الروسية بالاقتراب منها.

المجموعات الأخرى
وهناك مجموعات أخرى لا تحظى بذات الشهرة التى تحظى بها فاجنر بما فى ذلك مجموعة «الفيلق الإمبراطوري»، وهى مجموعة من المتطوعين الذين شاركوا فى العمليات العسكرية إلى جانب الجمهوريات غير المعترف بها فى دونباص فى عام 2014 ثم تطور دورها بعد الحرب فى أوكرانيا فى عام 2022.
مجموعة «روسيتس» وهى مجموعة متخصصة فى عمليات التخريب والاقتحامات المباغتة إلى جانب عمليات الاستطلاع والتجسس، وقد ظهر دورها بشكل بارز خلال العمليات العسكرية فى دونباص فى الفترة من يونيو 2014 وحتى يوليو 2015، ثم توارت لتعود بقوة من جديد فى الحرب الحالية فى أوكرانيا بدءا من أبريل من عام 2022.

مجموعة «ريدوت»، والتى كانت تلقب فى السابق باسم مجموعة «شيت - الدرع»، وهى مجموعة مقربة من رئاسة أركان القوات المسلحة الروسية وتحصل على أسلحتها وعتادها من وزارة الدفاع الروسية، وفى البداية كانت تعمل فى مجال تأمين المنشآت النفطية الروسية فى الخارج وبصفة خاصة فى سوريا، ولكن تم رصد مشاركتها فى العمليات فى دونباص فى نهاية العام الماضي.
مجموعة «باتريوت - الوطني» وهى مجموعة من المتطوعين لا تتوفر معلومات كافية عنها سوى أن بعض العناصر المشاركة فى العمليات فى دونباص، قد أكدوا أنهم كانوا يقاتلون فى صفوف «فاجنر» أو «باتريوت»، وبعض العسكريين المشاركين فى الحرب فى أوكرانيا أكدوا وجود مجموعة تحمل هذا الاسم.

وفيما يخص مشاركة العناصر الأجنبية فى العمليات العسكرية فإن العقيدة الروسية لا تفضل ذلك ولا تعتمد عليه، إلا أن روسيا كانت قد فتحت المجال أمام استقدام مرتزقة أجانب للقتال إلى جانب قواتها فقط بعد أن أعلنت أوكرانيا عن الاستعانة بالمرتزقة الأجانب، ويلاحظ هنا أن أهم العناصر التى تطوعت مقابل ما بين 200 إلى 300 دولار للقتال فى صفوف المرتزقة فى روسيا كانوا من سوريا، وكانوا غالبا من قدماء المحاربين أو من لديهم خبرات قتالية معينة ولم تظهر أية معلومات عن هذه المجموعات التى تشير مختلف الكتابات إلى أن عددها لا يقل عن 300، ولا يزيد عن 600 فرد، إلا أن وزارة الدفاع الروسية عدلت عن فكرة الاستعانة بهذا الفيلق لصعوبة التنسيق مع بقية الوحدات المشاركة فى العمليات القتالية.
«ألوية ديرليفانجر»، وهى مجموعتان تم تشكيلهما فى إقليم روستوف نا دانو الروسى تحت إشراف مجموعة فاجنر وكل واحدة منهما تضم نحو 200 عنصر وتشاركان فى العمليات فى لوجانسك ودونيتسك.

فيالق السجناء
كما أن هناك «فيالق السجناء»، حيث تشير بعض التقارير إلى أن مجموعة «فاجنر» قد تفقدت السجون التى يحتجز بها أخطر المجرمين فى عشرة أقاليم روسية وقامت بتجنيد المئات من المسجونين مقابل نحو مئة ألف روبل فى الشهر إلى جانب الاهتمام بأسرهم والوعد بالعفو فى نهاية العمليات العسكرية وإمكانية الاستعانة بالعناصر المتميزة ضمن صفوف فاجنر.

وهناك بطبيعة الحال «مجموعة أحمد» الشيشانية، وإن كانت تختلف شكلا وموضوعا عن بقية التشكيلات حيث إنها عبارة عن قوة عمليات خاصة تتبع المنطقة الشرقية العسكرية للقوات المسلحة الروسية ولكن تحت قيادة الرئيس الشيشانى رمضان قاديروف، وسميت باسم والد الرئيس الشيشانى الراحل أحمد قاديروف وتتميز هذه المجموعة بمستوى رفيع جدا من التدريب والقدرة القتالية بما أهلها للقيام بالعمليات ذات الحساسية والطبيعة الخاصة وقد أظهرت أداء متميزا جدا فى العمليات فى سوريا وفى دونباص.
وما يدفعنا لإدراج هذه الفرقة فى هذه القائمة هو أنه مع بداية الحرب فى أوكرانيا أعلن قاديروف عن فتح باب التطوع فى الفرقة وتنظيم معسكرات تدريب مكثفة للمتطوعين وهو الأمر الذى يعطى المجموعة حاليا الطابع الخاص أكثر من الطابع الرسمي.
وبصفة عامة يمكن القول بأن الأقاليم والجمهوريات الروسية المختلفة قد تسابقت فيما بينها فى أعقاب بدء العملية الروسية الخاصة فى أوكرانيا لتشكيل مجموعات من المتطوعين والمقاتلين، بحيث يصعب فى الوقت الراهن إحصاءها بدقة ولكن الملاحظ هنا هو حرص السلطات العسكرية ممثلة فى وزارة الدفاع وقيادة أركان القوات المسلحة الروسية على التحكم بدقة فى هذه التشكيلات وضبط إيقاعها بعد أن ظهر خلال المراحل المختلفة للحرب فى أوكرانيا وجود مشاكل فى التنسيق ومحاولة البعض الظهور بشكل مختلف عن الآخرين.
وهنا ينبغى أن نشير إلى أن القانون الروسى يحظر إنشاء أية تشكيلات أو فرق ذات طابع عسكري، ومع ذلك فالمجموعات المشار إليها جميعا تخضع تحت السيطرة الكاملة للدوائر الرسمية فى روسيا، ومن النادر أن تقوم بأى عمل خارج هذا النطاق.

أشهرهم .. «أوزوف»!
أما فى أوكرانيا فالصورة تختلف بشكل جذرى حيث تقدر المجموعات والفرق المسلحة بالعشرات وتنقسم فى الأساس على فئتين، الأولى هى تشكيلات من المتطوعين والتى تم تكوينها فى 2014، وألحقت بوزارة الدفاع الأوكرانية تحت مسمى فرق الدفاع الإقليمى أو المحلى وعددها ربما يزيد عن 44 مجموعة، والثانية هى مجموعات وتشكيلات تم تكوينها خارج نطاق وزارة الدفاع الأوكرانية وعددها ربما يزيد عن 31 مجموعة.
تعتبر مجموعة أو فيالق «أوزوف» هى الأشهر فى أوكرانيا وترجع نشأتها إلى 2014 حيث تولى رجل الأعمال الأوكرانى الشهير أيجور كولومويسكى تمويلها، وكانت تضم من البداية عناصر من مختلف الجنسيات بما فى ذلك من أوكرانيا وروسيا والسويد وإيطاليا وفرنسا وبيلاروس وكندا، وكانت الولايات المتحدة تقدم لهم مساعدات تدريبية إلى أن قرر مجلس النواب الأمريكى فى 2015 وقف مساعدات التدريب والتسليح التى تقدمها فى إطار برنامج تسليح القوات المسلحة الأمريكية، وربما يرتبط ذلك بنوعية فكر هذه المجموعة التى وصفت بالتطرف والعنصرية.

ارتبطت شهرة المجموعة بالعمليات العسكرية التى وقعت العام الماضى فى ماريوبول، حيث أبدت المجموعة مقاومة شرسة أمام القوات الروسية ولكن فى نهاية الأمر لم تتمكن من الصمود أمام القوات الروسية عالية التدريب والتسليح.
مجموعة «أيدار»، وتم تشكيلها على أساس فرقة الدفاع الذاتى خلال ما يعرف بثورة الميدان، حيث تولى قيادتها فى البداية سيرجى ميلنيتشوك، النائب البرلمانى الأوكراني، إلى أن طلب النائب العام الأوكرانى رفع الحصانة عنه لارتكابه جرائم عنف وتولى قيادة المجموعة من بعده العقيد يفجينى بيتاشنيك.

وقد نفذت المجموعة الكثير من العمليات الناجحة، لكنها تكبدت أيضا أعدادا كبيرة من عناصرها خلال العمليات سواء مع فرق المتطوعين فى لوجانسك أو فى مواجهة القوات الروسية.
وتتمتع هذه المجموعة بمصادر تمويل مختلفة، ولكن يعيبها تبادل الاتهامات بين كبار قادتها الذين يتهمون بعضهم البعض بالاستيلاء على التمويل واستغلال الظروف للتربح.

القنابل الموقوتة
مجموعة «دنيبر 1» وقد تشكلت فى أبريل من 2014 ويقودها فى الوقت الراهن النائب البرلماني، إيجور بيريزا، حيث تعتبر من وحدات الداخلية الأوكرانية، ويقدر عدد عناصرها بأكثر من 5000 شخص، وتمتلك مصادر تمويل متعددة وكبيرة.
مجموعة «دونباص»، تشكلت فى 2014 تحت قيادة النائب البرلماني، سيميون سيميونيتشينكو، ومؤخرا تولى فيتشيسلاف فلاسينكو، قيادتها بعد أن تحولت من التبعية للداخلية إلى تبعية وزارة الدفاع الأوكرانية، وتشارك بصفة أساسية فى مقاومة فرقة «الشرق» الانفصالية فى دونباص إلا أن غالبية عناصرها وقعت فى الأسر ومع ذلك تواصل العمليات حتى الآن.
مجموعة «جوهر دوداييف»، وقد تشكلت فى 2014 تخليدا لاسم الرئيس الشيشانى الانفصالى الراحل، جوهر دوداييف، وقد أسسها القائد الشيشانى الميداني، الذى شارك فى حربى الشيشان عيسى موناييف، والذى لقى حتفه خلال العمليات القتالية فى فبراير  2015 ليتولى قيادة المجموعة من بعده آدم اوسماييف.

مجموعة «قطاع اليمين»، والتى تشكلت فى 2013 خلال أحداث الميدان فى أوكرانيا تحت قيادة ديمترى ياروش، الذى أصر من البداية على ألا تخضع الفرقة لأية سلطة فى أوكرانيا بما فى ذلك الداخلية والدفاع، وحتى الآن من غير المعروف المصادر الرئيسية لتمويل المجموعة أو حتى العدد الحقيقى لأعضائها.

الواقع هو أن الساحة الأوكرانية متخمة بالمجموعات المسلحة سواء التى تخضع لسيطرة السلطات المركزية أو التى تتحرك بشكل مستقل، إلا أن هذا الطابع المستقل وغياب الدقة فى التنسيق والقيادة هو الذى يعطى الجانب الروسى التفوق فى مواجهتها ناهيك عن أن تحرك الكثير منها بشكل مستقل يجعلها تقوم بأفعال تصنف كجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وهو ما يحرص الجانب الروسى على توثيقه للحصول على الإدانة الدولية لهذه المجموعات.
مما لا شك فيه أن كثرة عدد واتجاهات المجموعات المسلحة سواء على الجانب الأوكرانى أو الروسى يدفع للتساؤل عن مصير هذه المجموعات والدور الذى يمكن أن تقوم به فى المستقبل، وبعد انتهاء الحرب فى أوكرانيا وهو ما يجعل من العدالة وصف هذه المجموعات بأنها «قنابل موقوتة» تحمل مصيرا مشئوما على المنطقة والعالم فى المستقبل.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 29/3/2023

أقرأ أيضأ : أوكرانيا: رئاسة روسيا لمجلس الأمن «صفعة في وجه المجتمع الدولي»