جماعات التشدد لا تحركها إلا مصالح شخصية ونزعات طائفية

أستاذ التفسير بجامعة الأزهر: محبة الأوطان واجبة بنص القرآن الكريم

د. تامر خضر
د. تامر خضر

أحاط الإسلام بمفهوم الوطن إحاطة شاملة وجعل خيانته والخروج عليه ومحاربته جرما شنيعا حدد له العقاب الرادع؛ وفى هذا الحوار مع د. تامر خضر أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر نكشف عن مفهوم الوطن فى الإسلام وكيف حث الدين على صيانته والدفاع عنه.

يؤكد د. تامر خضر أن ما نراه أراه الآن فى مجتمعاتنا العربية، وواقعنا المرير، من تهكم وتطاول على الأوطان من بعض أبنائه، الذين لا تحركهم إلا مصالح شخصية، ونزعات طائفية، وخلفيات عرقية، وأيديولوجيات غير وطنية، تفضى إلى تمزيق الوطن، وتفريغ مقدراته، ونهب ثرواته وخيراته، وما تقوم به جماعات التطرف والإرهاب التى تسعى لهدم الأوطان وتخريب الممتلكات العامة- باسم الدين- ولا تبالى بأهمية الأوطان وقيمتها، بل يزعمون-زورا وبهتانا- أن الوطن والوطنية لا وجود لهما فى القرآن.

ويضيف د. خضر أن كل ذلك يدعونا للتأمل فى كتاب الله- تعالى- لنجد أن القرآن الكريم قد اهتم بالأوطان اهتماما كبيراً، ومن خلال التمحيص والبحث ندرك أهمية هذا الموضوع باعتباره قضية العصر، قضية البحث عن الذات-الوطن- من خلال القرآن الكريم، وأسلوبه وبيانه، ففي هذه الآونة علت أصوات من يتحدث باسم الدين، ويرفع راية الإسلام وينادى بهدم الأوطان، لتحقيق أحلام زائفة، وبث الفرقة والخلاف والفتنة باسم الدين الإسلامي، ويأتون من ظاهر النصوص القرآنية ما يلبسون به على العامة كذب ما يدعون من افتراءات تعمل على هدم الأوطان، وافتراق الأمة، وبالنظر-الظاهري- نجد أن اللفظ لم يرد صراحة فى القرآن الكريم-بلفظه، وإنما ورد بصيغة الجمع، إشارة إلى الوطن بالمعنى المجازي، موطن الحرب؛ فقال سبحانه: «لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة» «البقرة:25»، والحق أن الوطن ذكر بألفاظ عديدة، ومتنوعة، وكلها تدل دلالة واضحة على معنى الوطن.

الدلالة والإشارة

ويوضح د. خضر أنه يمكن إجمال ما ورد فى القرآن الكريم من الدلالة على معنى الوطن بأسلوبين: الأول: أسلوب الدلالة، والثاني: أسلوب الإشارة؛ أما الأسلوب الدلاليفورد بالتصريح بلفظ دال على معنى الوطن، وله أمثلة عديدة منها: لفظ: «الدار» ومشتقاته: «الديار، ديارنا، ديارهم، دارهم، وداره، داركم»، وقد ورد هذا اللفظ فى كتاب الله، فى مواضع كثيرة، تدل على معنى الوطن حقيقة؛ قال سبحانه فى حق الصحابة، رضوان الله عليهم، حينما أخرجوا من ديارهم بغير حق:«للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا»، وورد لفظ: «الأرض» والمراد الوطن، ومنه قوله تعالى فى حق سيدنا موسى عليه السلام على لسان فرعون:«يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون»، وورد لفظ: «البلد» ويراد به الوطن، قال سبحانه: «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبنى وبنىّ أن نعبد الأصنام»، وورد لفظ: «القرية»، ويراد بها الوطن، ودائما ما وقع هذا لأنبياء الله وأتباعهم، فدائما ما كان الصد والعنت والإخراج من الأرض هو ما يلقونه من أقوامهم، فقوم لوط قالوا:«وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون».

اقرأ أيضًا | نقيب القراء: إطلاق برنامج «تلاوات» بأصوات كبار القراء المعاصرين والشباب

الأسلوب الإشاري
ويتابع د. خضر: أما الأسلوب الآخر وهو الأسلوب الإشاري: بأن يشير القرآن الكريم إلى معنى الوطن دون التصريح باللفظ، وكما بين الأسلوب الدلالى فى كتاب الله قيمة الوطن ومكانته؛ جاء الأسلوب الإشارى ليدل على نفس الأهمية، وهنا تكمن قيمة اللغة العربية وسرها البلاغي؛ من خلال الإعجاز اللغوى للمعانى والألفاظ، والإشارات والعبارات، فقد أشارت اللغة إلى هذا المعنى فى قوله سبحانه:«إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين»، والمتأمل فى هذه الآية يجد كمال التشريف والتكريم للنبى صلى الله عليه وسلم، فلم يرد ذكر مكان الخروج، وهى مكة بلده ووطنه، وفهمت من السياق، وفى ذلك دلالة على أمرين، الأول: تشريف وتكريم لسيدنا رسول اللهصلى الله عليه وسلم باعتبار أنه نبى لكل العالمين، فالأرض كلها له موطن وسكن، فإن كان قد خرج من وطنه، فسيخلف الله عليه بوطن آخر، أما الأمر الآخر: أن عدم ذكر خروجه من موطنه فيه إشارة إلى أنه خرج من مكة مكرهًا على الخروج، وسيعود إليها منتصرًا فاتحًا مكرمًا، فلو ذكر الخروج والبلد لكان الخروج دائمًا مؤبدًا؛ أما عدم ذكره فيدل على أنه خروج مؤقت غير مؤبد.

أنواع الوطن
ويضيف د. خضر أننا نجد اهتمام القرآن الكريم بالأوطان فى الإشارة إلى أنواع الوطن بمعناه الحقيقى والمجازي، وإلى هذا أشار العلماء، فقالوا الأوطان ثلاثة: وطن أصلي، ووطن إقامة، ووطن سكنى، فالوطن الأصلي: هو المكان الذى يستقر فيه الإنسان، سواء أكان موطن ولادته أم بلدة أخرى، ووطن الإقامة فهو: المكان الذى يقصد الإنسان أن يقيم به مدة قاطعة لحكم السفر فأكثر على نية أن يسافر بعد ذلك، ووطن السكنى وهو: المكان الذى يقصد الإنسان المقام به أقل من المدة القاطعة للسفر، ولكل منها حقوق وواجبات، وبذلك نردع أفواه الجهلاء ببيان زيف أقوالهم، ودحض أفكارهم، وإماتة باطلهم، فما أحوجنا إلى الرجوع لكتاب الله، وفهم مراميه ومقاصده، حتى ندرك قيمة الأوطان، وأهميتها فى حياة الأنبياء والمرسلين، وحفظهم لها، والسعى من أجل رقيها ورفعتها.