خواطر الإمام الشعراوي: الصيام منهج تربية

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

حين يقول الحق: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ» فالعباد الذين التزموا لله بالمنهج الإيمانى لن يسألوا الله إلا بشىء لا يتنافى مع الإيمان وتكاليفه،والحق يقول: «فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي»؛ لأن الدعاء يطلب جواباً، وما دمت تطلب إجابة الدعاء فتأدب مع ربك؛ فهو سبحانه قد دعاك إلى منهجه فاستجب له إن كنت تحب أن يستجيب الله لك «فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي»، وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى فى كلمة «الداع» ولا يتركها مطلقة، فيقول: «إِذَا دَعَانِ» فكأن كلمة (دعا) تأتى ويدعو بها الإنسان، وربما اتجه بالدعوة إلى غير القادر على الإجابة، ومثال ذلك قول الحق: «إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ» «الأعراف: 194». وقوله الحق: «إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ..» «فاطر: 14».

فكأن الداعى قد يأخذ صفة يدعو بها غير مؤهل للإجابة، والحق هنا قال: «أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ» أما إذا ذهب فدعا غير قادر على الوفاء فالله ليس مسئولًا عن إجابة دعوته.

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا أن الإنسان يدعو بالخير لنفسه، وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير؛ لأنك قد تنظر إلى شيء على أنه الخير وهو شر، وما دمت تدعو فأنت تظن أن ذلك هو الخير، إذن فملحظية الأصل فى الدعاء هى أنك تحب الخير.

ولكنك قد تخطئ الطريق إلى فهم الخير أو الوسيلة إلى الخير، أنت تحب الخير لا جدال، لذلك تكون إجابة ربك إلى دعائك هى أن يمنع إجابة دعوتك إن كانت لا تصادف الخير بالنسبة لك.

ولذلك يجب ألا تفهم أنك حين لا تجاب دعوتك كما رجوت وطلبت أن الله لم يستجب لك فتقول: لماذا لم يستجب الله لي؟. لا لقد استجاب لك، ولكنه نحَّى عنك حمق الدعوة أو ما تجهل بأنه شر لك. فالذى تدعوه هو حكيم؛ فيقول: «أنا سأعطيك الخير، والخير الذى أعلمه أنا فوق الخير الذى تعلمه أنت، ولذلك فمن الخير لك ألا تجاب إلى هذه الدعوة».

وأضرب هذا المثل ولله المثل الأعلى: قد يطلب منك ابنك الصغير أن تشترى له مسدسًا، وهو يظن أن مسألة المسدس خير، لكنك تؤخر طلبه وتقول له: فيما بعد سأشترى لك المسدس إن شاء الله، وتماطل ولا تأتيه بالمسدس، فهل عدم مجيئك بالمسدس له على وفق ما رأى هو منع الخير عنه؟ إن منعك للمسدس عنه فائدة وصيانة وخير للابن.

إذن، فالخير يكون دائمًا على مقدار الحكمة فى تناول الأمور، وأنت تمنع المسدس عن ابنك، لأنك قدرت أنه طفل ويلهو مع رفاقه وقد يتعرض لأشياء تخرجه عن طوره وقد يتسبب فى أن يؤذيه أحد، وقد يؤذى هو أحداً بمثل هذا المسدس.

وكذلك يكون حظك من الدعاء لا يُستجاب لأن ذلك قد يرهقك أنت.. والحق سبحانه وتعالى يقول: «وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً» «الإسراء: 11»،ولذلك يقول سبحانه: «سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِى فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ» «الأنبياء: 37».

والعلماء يقولون: إن الدعاء إن قصدت به الذلة والعبودية يكون جميلاً، أما الإجابة فهى إرادة الله، وأنت إن قدرت حظك من الدعاء فى الإجابة عليه فأنت لا تُقدر الأمر. إن حظك من الدعاء هو العبادة والذلة لله؛ لأنك لا تدعو إلا إذا اعتقدت أن أسبابك كبشر لا تقدر على هذه، ولذلك سألت من يقدر عليها، وسألت من يملك، ولذلك يقول الله فى الحديث القدسي: (من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين).

ولنتعلم ما علمه رسول الله لعائشة أم المؤمنين. لقد سألت رسول الله إذا صادفت ليلة القدر فقالت: إن أدركتنى هذه الليلة بماذا أدعو؟

انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علم أم المؤمنين عائشة أن تدعو بمقاييس الخير الواسع فقال لها: (قولي: اللهم إنك تحب العفو فاعف عنى).

ولا يوجد جمال أحسن من العفو، ولا يوجد خير أحسن من العفو، فلا أقول أعطنى، أعطنى؛ لأن هذا قد ينطبق عليه قول الحق: «وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً» «الإسراء: 11».

فمَنْ يقول: لقد دعوت ربى فلم يستجب لى، نقول له: لا تكن قليل الفطنة فمن الخير لك أنك لا تُجاب إلى ما طلبت فالله يعطيك الخير فى الوقت الذى يريده.

اقرأ أيضًا| خواطر الامام الشعراوي | جزاء الدنيا والآخرة