فى أحضان أبلة حنان .. نهاية سعيدة لرحلة عذاب «فريدة»

الطفلة فريدة
الطفلة فريدة

القليوبية: آلاء البري

 تخيلنا للحظات أن «فريدة» تلك الطفلة البريئة جميلة الملامح تتكلم بدموع وأسى، تُرى ماذا كانت تقول في حق أب وأم انتزعت الرحمة من قلبيهما؛ ألقيا بها في الشارع لأنها ولدت خرساء، أكيد سوف تصرخ قائلة:»أرجوكم.. اتركونى أعيش فى الشارع لقمة سائغة للكلاب والقطط الضالة، اكيد هيكونوا والرصيف اللي هنام عليه أحن عليا من بابا وماما».


وقالت ايضًا: «تصوروا.. ان تجربتى مع البشر القليلة، بحكم عمرى الذى لم يتجاوز السبع سنوات بعد، إلا أن خلال هذه السنوات لم ار فيها إلا القسوة والتنكيل والتعذيب بكل أنواعه، ولكم أن تطلقوا خيالكم عنان السماء، لتستوعبوا انى قضيت ساعات نهارى واغلب الليل فى عذاب لا يتحمله بشر، وحتى الآن لا اعلم كيف لجسدى النحيل الضعيف، تلقى هذا الكم الهائل من ضربات الكرباج القوية، كما اعتاد على ضربات مثلها من اسلاك الكهرباء، حتى كنت ارى جلدى وهو ينسلخ من لحمى من قسوة الألم، عظامى ايضًا تحملت كثيرًا من ضربات الخشب التى تكاد تحطمه.. ولكم أن تستوعبوا من اين كنت اتلقى هذه القسوة وهذا التعذيب؟، الإجابة من ابى وامى، اقرب الناس لى وأحنهم، فماذا سيفعل بى من لا يعرفونى ولا يمتلكون ذرة عطف بالمقارنة بهم».

 

نعم كنا لسان حال فريدة فيما سبق من سطور؛فنحن أمام واقعة وجريمة يصعب استيعابها؛ المجنى فيها طفلة لم ترتسم البسمة على وجهها لحظة حتى عدة ايام مضت ملاك بريء بمعنى الكلمة، والجانى فيها-للأسف-اب وام يملكان قلبا فى قسوته يفوق الحجر. أما عن التفاصيل والكواليس فسنعرضها فى السطور التالية.


حياة تبدو هادئة، أو هكذا حسب المعلومات البدائية للواقعة التى بدأت قبل سبعة اعوام من الآن، اب وام يحلمان بطفل بعد الزواج أو هكذا نظن، حتى كانت البشرى من الطبيب – الأم حامل-، لكن لم يتحدد بعد جنس المولود، اسابيع قليلة أو ايام على الأكثر وتكشف اشعة السونار عن الخبر المؤكد؛ ان كان الجنين لطفل او طفلة.


تمر الأيام على الابوين وكأن الخبر عادي، نعم.. كأننا عدنا إلى العصور السحيقة الغابرة، عندما كان إنجاب البنات بمثابة وصمة عار، وعلى الأب وأدها وقتلها ودفنها حتى يدفن عاره المشين، لكن أن يصل التفكير هذا الى عقول تعيش بيننا فى زمننا هذا، فهذا ابعد إلى المستحيل، لكنه حدث، ومن هنا بدأت المأساة حتى قبل الميلاد.

 

عزاء مع الميلاد
يوم الميلاد كان اشبه بالعزاء فى منزل الابوين، عائلتهما لم يستطع احد منهم إقناعهما بأن هذه الطفلة ستكون سببًا في دخولهما الجنة، أما الابوين فدخلا فى نوبة من اللامبالاة، استمرت حتى ايام قليلة مضت.. لكن قبل أن تنتهي كانت بداية مأساة ملاك قادم إلى الأرض، عمره لم يبلغ بعد بضعة دقائق أو ساعات.

 

ربما حاول الأبوان الانتهاء من حياة الرضيعة بقلة الإهتمام، أو هكذا تبدو المؤشرات التى تزداد إلى حد اليقين مع ما شرحته الطفلة الخرساء عن طريق الإشارة، بأنه كان يتم تعذيبها ليل نهار بأسلاك الكهرباء والكرابيج والخراطيم، حتى ان جسدها كان يقطر دمًا.


ما عزز كره الابوين للطفلة، عندما اكتشفا انها من ذوى الهمم، لا تتكلم ولا تتحدث «خرساء»، لا تفعل فى حياتها سوى اعمال المنزل من «كنس ومسح» وغسيل الملابس وتنظيف البيت، ثم الضرب وبعده الضرب والضرب كلما استيقظت من نومها، لكن كان هناك عدة فواصل بين هذا الكم من التعذيب وصل إلى سبعة مرات، عندما كانت تهرب من ابويها وتعيش فى الشوارع مع الحيوانات الضالة حتى يعيدها اهلها الى ابويها مرة ثانية، إلا أن المرة الأخيرة كانت مختلفة. عندما وصلت إلى دار ايتام بالقليوبية بسيناريو اشبه بالخيال.

 

اتصال من الشرطة
قمنا بزيارة دار عمر بن الخطاب لليتيمات بمدينة قليوب ومقابلة مديرة الدار الأستاذة حنان الدالي، لنتعرف بشكل موسع عن قصة الطفلة وتفاصيل العثور عليها، لتبدأ مديرة الدار حديثها قائلة، أنا رأيت الكثير من الأشخاص وتعاملت مع أكثر ولكن لم أر في حياتي أحدًا يعامل ابنته بتلك الوحشية ويكرهها لمجرد أن الله قد قدر لها أن تكون لديها نسبه إعاقة كبيرة فهي مجبرة علي التعايش مع إعاقة ستلازمها دائمًا، فهي ضحية لأب جاهل وقاسي فالإعاقة ليست بالعقول إنما في القلوب القاسية.

 

سألناها عن كيفية العثور على الطفلة تفاصيل دخولها إلى الدار، لترد قائلة، فوجئت باتصال هاتفي من مأمور مركز شرطة قليوب يخبرني بعثورهم على طفلة في أحد الشوارع ولكنها تعاني من ضعف السمع ولا تستطيع الكلام، لأذهب على الفور إلى مركز الشرطة رغبة مني في رؤية وضع الفتاه؛ فبعدما أخبرني المأمور بحالتها خشيت أن تتدهور حالتها خاصه مع عدم قدرتها على الكلام وبمجرد ذهابي لقسم الشرطة فوجئت بحالتها فهي كانت ترتدي ثيابًا متسخة بشدة وحافية القدمين وواضح عليها أنها تعاني من إعاقة ذهنية بسيطة أيضا؛فحالتها كانت يرثي لها، وما زاد الطين بله أنها كانت تعاني من الصمم والبكم فلم يكن أحدا يفهم ما تريده لذلك كانت دائمًا في حالة من الهياج الشديد والصراخ، فكان ضباط القسم كي يحاولوا أن يهدئوها يقومون بإعطائها الحلوى والطعام لكي تهدأ فهم أشفقوا على حالتها ولكن دون جدوى، كانت دائمة الصراخ وبعدها أخبرني مأمور القسم أنهم حاولوا العثور على أهلها ولكن دون نتيجة، ولذلك طلب مني أن تستضيف الدار الطفلة حتى يعثر القسم على أسرتها أو يتعرف عليها أحد، وبعدما أكملت الإجراءات القانونية اللازمة أخذت الطفلة إلى الدار وبدأت أعرف بناتي من الدار على شقيقتهم الجديدة، فهم فرحوا بها بشدة بالرغم من صراخها الدائم وحالة الهياج التي كانت بها، نعم شعروا بمعاناتها وقرروا الترحيب بها عن طريق اللعب معها ومحاولة التفاهم معها ومن الغريب أنهم كانوا يتواصلون معها بشكل سهل ويعرفون كل ما تحتاجه وهذا ما جعلني سعيدة بشكل كبير خاصة أنها أصبحت هادئة قليلا ولم تعد تصرخ كعادتها.

مفاجأة مدوية
تكمل حنان الدالى مديرة الدار قائلة: ما ألمني أنني رأيت آثار ضرب على جسد الطفلة، وتلك الآثار واضحة على جسدها الصغير، ولذلك كنت أفترض أن والدي الطفلة هما من فعلا بها ذلك ولكني لا امتلك ما يثبت ذلك وأيضا الطفلة بقيت في الشارع فترة طويلة قبل عثور قسم الشرطة عليها فكان الضباط وكل من في القسم أحن عليها من والديها، ومن الممكن أن تلك الآثار تعود لفترة مكوثها بالشارع ولكن هناك ما كان يؤكد لي صدق توقعاتي؛ فبعد دخول الطفلة إلى الدار لاحظت عليها أنها كلما ترى إحدى العاملات تقوم بالتنظيف تسرع وتساعدها وترفض محاولات إبعادها وتصر أن تقوم بذلك بنفسها وبملاحظة سلوكها وجدتها  تتقن أعمالا منزلية شاقة مثل التنظيف والمسح وغسل الملابس فكانت تقوم بغسل ملابسها بنفسها، وهذا ما فوجئنا به وبعدها تفتح يداها وتطلب إعطاءها النقود وما لفت انتباهي، هي أنها لا تعلم شيئا يدعى اللعب فأنا عندما أصريت عليها لكي تنزل إلى الملعب حتى تشارك أخواتها في الدار اللعب لاحظت أنها لم تتعرف على الألعاب، ولم تعرف كيفية اللعب، فكل ما قامت به أنها أصبحت تلتقط الألعاب من على الأرض وتلقيها في صناديق القمامة أو تمسح الألعاب الأخرى، وهذا ما أذهلني فكيف تكون طفلة في السابعة من عمرها تتقن تلك الأعمال الشاقة التي لا أقوى حتى أنا عليها، ولا تعلم شيئا عن اللعب والمرح، وحتى ما تعنيه كلمة لعب، والغريب أنها لم تتعامل مع الألعاب كألعاب بل كأشياء تقوم بتنظيفها كي تحصل على المال جراء تنظيفها، وهذا ما أكد شكي في أن الطفلة من الممكن أن أسرتها قد استغلتها لكي يحصلوا من ورائها على المال، فكيف لطفلة بعمر سبع سنوات لا تعرف شيئا عن ألعاب الأطفال، ولا تتقن أي شيء سوى القيام بأعمال منزلية صعبة كالمسح والغسل أعمال حتى أنا لا أقوى عليها، فتلك الطفلة لم تستمتع بطفولتها كغيرها من الأطفال وحتى لم تحصل على الحنان أو العطف لذلك كل من يتعامل معها يلاحظ سلوكها العدواني والعنيف وصراخها المتكرر، وأنا حتى الآن لا أستوعب أن هناك أشخاصًا بمثل ذلك الجهل والقسوة لكي يحرموا طفلة لا ذنب لها في الحياة من طفولتها ومنحها ذلك الوضع المؤلم.

صدمة جديدة
سؤال آخر، كيف توصلتم إلى اسرة الفتاة، لترد حنان الدالى مديرة الدار قائلة بأسى: لم نعثر على أهل الطفلة (فريدة) بل هم من عثروا علينا أو بمعنى أصح بعض جيرانهم هم من أوصلونا بهم؛ فبعد أن نشرنا صور الطفلة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي قبل وبعد دخولها للدار تواصل معي بعض الأشخاص، وأخبروني أنهم يعلمون من هم أهل الطفلة وبعد أن تواصلنا معهم فوجئت بصدمة كبيرة؛ فأهل الطفلة أخبروني صراحة أنهم لا يريدونها ووالدتها صدمتني بكلامها فهي قالت لي بالنص: «مش انتم بتهتموا بيها وبتنضفوها خلاص خلوها عندكم وخلوا بالكم منها»، حاولنا كثيرا أن نتواصل معهم بشان الطفلة إلا أن كلامهم أوضح بشكل صريح أنهم لا يرغبون بها بعد، لذلك أخبرت مأمور قسم الشرطة برفض أهل الطفلة فريدة استلامها؛ وعلى ذلك تم إيداع الطفلة في إحدى دور الأيتام الخاصة بالصم والبكم لرعايتها مراعاة خاصة بسبب إعاقتها الواضحة، وأنا كنت أرغب بشدة في بقاء الطفلة معنا في الدار خاصة أن بناتي في الدار حبوها كثيرا وهي أيضا تأقلمت معهم بشكل جيد، ولكن كان يجب نقلها لدار متخصصة حماية لها ولكي يتم رعايتها من قبل أشخاص مؤهلين للتعامل مع مثل حالتها، وأتمنى أن أوصل رسالة لكل أب وأم أنهم يجب أن يكونوا ذو مسؤولية ويجب عليهم أن يراعوا أطفالهم فهم أمانة منحها الله لهم كي يحافظوا عليهم وينشئونهم النشأة السليمة ويفيدون المجتمع عندما يصيرون شبابًا، فأي شخص غير مستعد لانجاب أطفال لا ينجب طالما لن يتحمل مسؤولية الطفل أو الطفلة ولن يكون قادرا على إعطائهم الحب والحنان وإعطائهم حقهم الأساسي في أن يحيوا حياة طبيعية، وأن يؤمنوا لهم عيشة سوية وألا يهملوا أبناءهم وبناتهم مهما كانت حالتهم وظروفهم، ويجب أن يخافوا على أطفالهم فهم أمانة وهبها الله لهم كما قلت ويجب أن يحافظوا عليها فالأطفال أكبر نعمة قد ينعم الله بها على أحد من خلقه.


انتهت قصة فريدة، وبقي السؤال أوجهه للأب والأم: هل استراحت ضمائركم الأن بعدما ألقيتم بفلذة كبدكم إلى الشارع؟!

 

مديرة دار عمربن الخطاب للأيتام: بناتى فى الدار يتحدين الصعاب

 أكثر ما استرعى انتباهنا في دار عمر بن الخطاب هي شهادة أهالي مدينة قليوب فيها، حيث الرعاية والاهتمام الذي تلاقيه البنات بالداخل، وهذا ايضا ما لمسناه عندما وطأت قدمنا الدار؛ استقبلتنا المسؤولة الأولى عن الدار بابتسامة بشوشة كانت كفيلة لأن ندرك مدى الاهتمام بكل التفاصيل حتى ولو كانت بسيطة.

 

لنبدأ بسؤال حنان الدالي مديرة دار عمر بن الخطاب للفتيات بمدينة قليوب عن تاريخ الدار ونشأتها، قالت لنا: الدار تم تأسيسها عام 2006 وهي تابعة لمنظمة الهلال الأحمر المصري، وتعتمد الدار بشكل كبير على التبرعات التي يقدمها الأهالي بجانب الدعم الذي تقدمه منظمة الهلال الأحمر المصري، والدار منذ تأسيسها وهي تقبل الفتيات بداية من سن ست سنوات وتقوم بمهمة تربية الفتيات وإدماجهم في المجتمع وإعدادهم نفسيًا وعقليًا كي يمارسوا حياتهم بشكل سوي، كما تقوم الدار أيضا بتعليم الفتيات بعض المهارات الأساسية والحرف اليدوية البسيطة مثل الخياطه والتطريز والتريكو وغيرها من النشاطات اليدوية البسيطة التي قد تساعد الفتيات على إنشاء مشاريعهن الخاصة عند الكبر، والدار بحكم تأسيسها تهتم بالجانب التربوي والنفسي للفتيات وتهتم بالجانب التعليمي؛ فأنا منذ توليت منصب مديرة الدار أحرص حرصًا شديدًا على أن تحصل كل بنت من بناتي في الدار على حقها في التعليم وإكمال الطريق وذلك لأني اؤمن بأن التعليم هو طريق المستقبل وأنه درع الحماية لكل فتاة ومن حق كل بناتي في الدار أن يحصلن جميعا على مستوى تعليمي جيد يؤهلهن للاندماج في المجتمع وتحقيق أحلامهن، وبجانب ذلك أحرص على تشجيع جميع بناتي في الدار على ممارسة الرياضة، وذلك لاستغلال طاقتهن في شيء مفيد.

 

وتتابع حنان الدالي قائلة: وللحق في البداية واجهت صعوبة كبيرة خاصه وأن البنات لم يكونوا على دراية بأي شيء يخص الرياضة من قبل، ولذلك رغبت في جعلهن يمارسن الرياضة بشكل مستمر، لذلك اشتركت لهن في مركز شباب قليوب وبالفعل تحقق ما كنت ارجوه فحصلت اثنتان من بناتي في الدار هما نورا أشرف، وشمس أشرف، على ميداليات ذهبية وفضية في العديد من المسابقات الرياضية والبطولات على مستوى الجمهورية.

 

خبير قانونى: العقوبة غرامة  وتصل إلى الحبس

بالحديث مع المحامي علي الخشاب أكد في البداية، إن قانون الطفل وضع عقوبة للأسرة التي تؤذي طفلها وذلك بأن تعاقب الأسرة بالغرامة وإذا اشتد الضرر قد يصل الأمر لحبس الوالدين مع دفع غرامة.


أكمل حديثه، أما في حالة الطفلة فريدة فهي تعرضت لضرر جسيم وبالرغم من وقوع الضرر عليها بسبب إهمال والديها لها إلا أن والدي الطفلة فريدة لا يقع عليهما أي مسؤولية قانونية، وذلك يعود لعدم وجود أي محاضر رسمية تفيد ما وقع على الطفلة من ضرر، فكان يجب على أحد أقارب الطفلة أن يحرر محضرا رسميا ضد والدي الطفلة بتعرضها للإهمال مما تسبب للطفلة بأضرار نفسية وبدنية أو تقديم شكوى للمركز القومي للطفولة والأمومة بحالة الطفلة.


ولكن طالما لا يوجد محرر رسمي من محضر شرطة أو تقرير يفيد بالأضرار التي تعرضت لها الطفلة فلا يوجد على والدي الطفلة أي عقوبة بالرغم من إلحاقهما الضرر بها.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 23/3/2023

أقرأ أيضأ : السيطرة على حريق داخل شقة بمنشأة القناطر