تعرف ايه عن توسكانيني ؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: إسلام عبداللطيف

لو ذكر أمامك اسم توسكانيني بالتأكيد ستعتقد أن الموضوع سيكون عن مطعم همام .. محمد هنيدي في فيلم همام في امستردام .. لكن المفاجأة أن الأسم يعود لأحد أشهر الموسيقيين في القرن العشرين وهذا ما كتبته عنه مجلة آخر ساعة عام 1954 .

ولد توسكانيني فى الخامس والعشرين من شهر مارس سنة 1867 ، فى مدينة بارما بإيطاليا وتجلت ملكاته الموسيقية منذ صباه ، فأسماه أساتذته، ومازال فى التاسعة ، بالعبقري ..
وكانت احدى مواهبه ذاكرته الموسيقية العجيبة ، وهى ذاكرة ظل يحتفظ بها حتى شيخوخته الراهنة .

جاءه أحد الموسيقيين الناجحين ذات يوم يعاتبه ، وقال له : هل تذكر حين جئتك منذ خمس عشرة سنة بقطعة موسيقية، وعزفتها أمامك، فسخرت منى ونصحتنى أن أترك الموسيقى إلى عمل آخر، ولكن سخريتك لم تولنى، ونصيحتك لم تصرفنى عن الموسيقى ، وها انا اليوم موسيقى معروف، يقدرنى من يسمعونني وأحسبك احدهم .

فقال له توسكانينى : أذكر هذا جيداً وقد فعلت هذا لأن القطعة التى عزفتها أمامى كانت مليئة بالأخطاء ، أليست هذه هى القطعة ، وتلك هى أخطاؤك !
وجلس توسكانينى إلى البيانو ، وعزف القطعة التى سمعها منذ خمس عشرة سنة ، عزفها مثل ما كتبها ومثلما عزفها صاحبها ، لم ينس منها نغماً واحداً ، ولا غلطة واحدة ! .. والرجل فى خلال ذلك فى ذهول من تلك الذاكرة العجيبة !

وكان توسكانيني يعزف “ التشيلو “ وصار وهو فى التاسعة عشر من عمره العازف الأول فى فرقته الموسيقية ، أما موهبته كقائد أوركسترا فقد تجلت ذات يوم بمحض الصدفة ..
سافرت فرقته إلى ريو دى جانيرو ، لتعزف تحت قيادة موسيقى برازيلي، وحدث فى الليلة الثانية أن أختلف قائد الفرقة مع بعض أعضائها ، فأصر أن ينسحب فى أخر لحظة .
وكان الجمهور قد أقبل، وأمتلأت به جوانب المسرح، وحار مدير المسرح فى الأمر ..

وراى أن ينقذ ما يمكن انقاذه ، فأختار الشاب توسكانينى ليقود الفرقة ، متوقعاً أن يقابل الجمهور هذا الأختيار بشئ من الصخب والضجيج .

اقرأ أيضًا | 12 أبريل.. مدحت صالح يُحيي سهرة رمضانية بدار الأوبرا

وظهر على المسرح توسكانيني ... شاباً حديث السن ، ضئيل الجسم ، قصير القامة ، وبدأ المتفرجون يتحركون فى مقاعدهم، وكأنهم يهمون بالأحتجاج، أو بالأنصراف .
ولكن الشاب وقف امام الجمهور وقفة المايسترو المتمكن ، وأدار ظهره للجمهور وراح يقود الفرقة وهى تعزف أوبرا “عايدة” لفردى .. وما أن انتهى حتى كانت جنبات المسرح تضوى بصيحة واحدة : برافو .. برافو !

وبدأت شهرة توسكانينى تذيع، ومنذ تلك الليلة لم يسمع الناس فرقة يقودها توسكانيني إلا وسمعوا أقصى درجات الدقة والكمال فى عزف الموسيقى .
وفى العام التالى كان توسكانينى يقود أحدى الفرق الموسيقية الكبرى فى أوروبا ، فرقة أوبرا مدينة لورين، التى ظل يقودها عشر سنوات كاملة، انتقل بعدها الى نيويورك فى سنة 1908 ، فاشترك فى قيادة فرقة دار الأوبرا بمدينة نيويورك فى سنة 1915 .

وفى سنة 1926 تولى قيادة “أوركسترا فيلهارمونيك بنيويورك عشر سنوات متتالية ..
وفى ليلة عيد ميلاد سنة 1926 ألفت محطة الأذاعة الأهلية الأمريكية فرقة موسيقية سيمفونية خاصة قادها توسكانينى ، وظل يتولى رئاستها حتى أعتزل العمل مساء الأربعاء الماضى !
وقد طبقت شهرته الأفاق فى خلال تلك السنيين ... !

فعندما زار وطنه إيطاليا فى سنة 1946 أعتبر يوم قدومه عيداً من الأعياد القومية ،عطلت فيه مصالح الحكومة ، ووقفت التجارة، وازدحم الناس على جوانب الطرق يهتفون له .
ومن قبل ذلك لم تشهد بيونيس ايريس عاصمة الأرجنتين استقبالاً أروع من استقبالها توسكانينى فى سنة 1940، فقد أحتفل الشعب بالفنان الإيطالى كأروع ما تحتفل الشعوب بالأبطال الفاتحين .
وفى سنة 1950 قام يطوف بفرقته أرجاء أمريكا ، فى رحلة طولها 8500 ميل استمع إليه فى خلالها أكثر من مائة ألف من هواه الموسيقى ..

وعرضت عليه هوليوود أن يظهر فى فيلم سينمائى ... لقاء مائة ألف جنيه !.. فأبى ... ولكنه كان يطوف بميادين القتال فى أوروبا خلال الحرب الأولى، والحرب الثانية، يعزف للجنود والجرحى دون مقابل !.