حديث الأسبوع

حاجتنا إلى تشكيل رأى عام بيئى

عبد الله البقالى
عبد الله البقالى

عبد الله البقالى

سواء تعلق الأمر بالإعلام التقليدى أو بالإعلام الجديد، فإن الوعى بقضايا البيئة فى الوطن العربى ظل محدودًا، إن لم يكن شبه منعدم. ويكشف هذا القصور عن عجز فى بنية الوعى العربى فى ترتيب القضايا ذات الأولوية. ويكاد المرء يلاحظ أن الاهتمام بالإشكاليات المرتبطة بقضايا البيئة فى البلدان العربية، لا يزال يعتبر لدى البعض، من قبيل الترف الفكري. لأن وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الجديدة ظلت منشغلة بقضايا سياسية واجتماعية واقتصادية تقليدية، لكنها حافظت على راهنيتها بسبب غياب الإصلاح.

وكثير من وسائل الإعلام الجديدة تكرس كل جهودها من أجل إنتاج محتويات لا علاقة لها بالمضامين الإعلامية النافعة، لكى لا نصفها بشيء آخر. وموازاة مع ذلك يبدو أن الرأى العام العربى غير مهتم بقضايا البيئة ولا منتبه إلى المضامين الإعلامية البيئية المنتجة، على قلتها وندرتها. ليتضح بجلاء أننا نواجه فى عالمنا العربى تهديدا مباشرا، يتمثل فى ارتفاع معدلات الأخطار المترتبة عن تدهور البيئة، وفى ضعف القدرة على مواجهة هذه الأخطار، سواء تعلق الأمر بالسياسات العمومية الهادفة إلى معالجة أسباب ومظاهر التدهور البيئي، أو بالاهتمام الإعلامى الذى يفتح قنوات النقاش العام، ويفسح المجال أمام التعبيرات المختلفة والمتعددة، التى تكون قادرة لوحدها على تشكيل رأى عام مدرك لأهمية البيئة، ومنتج للأفكار والبدائل وللمواقف، مما يتيح وجود رأى عام ضاغط، يحمى المجتمع من الأنشطة البشرية المضرة بالبيئة، ومنبها إلى خطورتها، وأيضا يمارس رقابة حقيقية على السياسات العمومية المتعلقة بقضايا البيئة والمناخ فى البلدان العربية.


إن وسائل الإعلام لا تزال فى مجملها تعطى الأسبقية فى المعالجة وفى الاهتمام للقضايا ذات الإثارة، القادرة على استقطاب الجمهور، بغض النظر عن طبيعة وأهمية هذه القضايا التى نحا كثير منها إلى السطحية والابتذال والتفاهة. وفى أحسن الأحوال، فإن كثيرا من هذه الوسائل لا يزال مركزا على قضايا التسلية والترفيه. بيد أن أخرى لا تزال تحصر كل انشغالها فى قضايا الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التقليدية والمعهودة، وهى قضايا لا يمكن إنكار أهميتها، بل بوجوب الاهتمام بها أساسا، إلا أنها مع ذلك تتسبب فى هدر جهود كبيرة وكثيرة، كان يمكن أن تشمل قضايا أخرى لا تقل أهمية وراهنية من قبيل قضايا البيئة والمناخ.


يجب أن ننبه إلى أن قصور وسائل الإعلام العربية فى اهتمامها بقضايا البيئة والمناخ فى البلاد العربية تفسره أسباب كثيرة ومتعددة.
أولا: ضعف ثقافة الرأى العام العربى بقضايا البيئة، حيث يولى الجمهور العربى اهتماماته لقضايا أخرى. وفى كثير من الحالات يبدو منشغلا بقضايا ظرفية طارئة يخفت الاهتمام بها مع ظهور قضية طارئة جديدة.
ثانيا: ضعف وسائل الإعلام العربية فى مواجهة مطالب واهتمامات الجمهور، بحيث أضحت هذه الوسائل، أو لنقول كثيرا منها، تابعا للجمهور الذى يفرض محتوياتها. ولم تعد قادرة بذلك على التأثير فى توجهات وقناعات الرأى العام. ولذلك لا تبدو هذه الوسائل قادرة على المغامرة بالاهتمام بقضايا البيئة التى لا توجد ضمن اهتمامات الجمهور العربي.


ثالثا: مع الأسف، هناك من ينظر إلى قضية البيئة فى البلاد العربية كقضية سياسية ذات حساسية بالغة. ولذلك يحظر الإكثار من الاهتمام بها. وهذا البعض يخاف من تشكيل رأى عام واع بأهمية البيئة، عبر أحزاب وجمعيات أهلية كما هو عليه الحال فى العديد من التجارب الديموقراطية المتقدمة فى العالم. ولذلك لا يبدى هذا البعض حماسا يذكر فيما يتعلق بتحفيز وسائل الإعلام العربية على الاهتمام بهذه القضية المصيرية.
رابعا: حتى و إن أبدت وسائل الإعلام العربية استعدادا كاملا للاهتمام بقضايا البيئة والمناخ فى البلاد العربية، فإنها ستواجه صعوبات كثيرة ومتعددة، أهمها على الإطلاق الحصول على المعلومات المتعلقة بهذه القضية واستعمال هذه المعلومات فى تشكيل رأى عام واع ومدرك ومقتنع بالبيئة. فالمعلومة الاستراتيجية المتعلقة بمصير وحياة الأفراد والجماعات تعانى فى كثير من البلدان العربية تحديات وصعوبات كثيرة. وهى مصنفة ضمن المعلومات المرتبطة بـ(الأمن القومى ) ويذكر أن كثيرا من الدول العربية لا توجد بها قوانين الحق فى الحصول على المعلومة واستعمالها. وهكذا، فإنه من الصعب الحديث عن وجود إعلام بيئى قوى فى بنية إعلامية مختلة أصلا.


خامسا: عدم وجود إعلام بيئى ببنية قوية فى مختلف أرجاء الوطن العربي، يتجسد فى وجود قنوات إذاعية وتلفزية وجرائد ومواقع إلكترونية إخبارية متخصصة فى قضايا البيئة والمناخ فقط. ولا يكفى القول فى هذا الصدد بوجود صفحات وأركان و برامج إعلامية تهتم بقضايا البيئة فى كثير من وسائل الإعلام العربية، لأننا نقصد فى هذا الشأن وجود وسائل إعلام متخصصة فى البيئة والمناخ. وهنا لا يمكن التعويل على الاستثمارات الخاصة، لأن الاستثمار فى هذا القطاع غير مربح، ومن العبث المراهنة على القطاع الخاص فى الاستثمار فى قطاع مفلس اقتصاديا. لذلك لا بديل عن الاستثمارات العمومية. لأن الاستثمار فى الإعلام المتخصص النافع لا يقل أهمية عن الاستثمار فى التربية والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات الاستراتيجية.


سادسا: الافتقاد إلى وجود صحفيين متخصصين فى قضايا البيئة والمناخ. ففى كثير من التجارب العربية فإنه مطلوب من الصحفى أن ينتج فى مختلف فروع المعرفة. والأدهى من ذلك فإن التوجهات الحديثة فى مجال الإعلام الجديد تعطى الأفضلية والأسبقية لما يسمى بـ (الصحفى الشامل) الذى يحرر ويصور ويقوم بجميع الترتيبات الإدارية والتقنية المتعلقة بالمحتوى الإعلامي. وبالتالى فإن عدم وجود صحفيين متخصصين فى قضايا البيئة سبب من الأسباب المهمة فى قلة إنتاج المحتويات الإعلامية البيئية، وفى ضعف مضامين الموجود منها.


سابعا: وهو سبب مرتبط بسابقه، ويتعلق بتكوين الصحفيين فى مجال الإعلام البيئي. ونتحدث هنا عن غياب برامج التكوين والتكوين المستمر فى قطاع وفى تخصص يعرف تطورات متسارعة جدا، وتحولات عميقة وتغيرات فى اهتمامات الرأى العام. ومن الطبيعى أن يكون لذلك تأثيرات سلبية على جودة المحتويات الإعلامية المختصة فى قضايا البيئة والمناخ.


إننا فى أمس الحاجة إلى إيجاد وعى بيئى عربي، وتجذير وتعميق هذا الوعى بالنظر إلى الأخطار الكبيرة المحدقة بالأرض وبالبشر فى البلاد العربية، لأسباب ترتبط بالتداعيات السلبية للتطور والنمو الاقتصادي، وبطبيعة الأنشطة البشرية التى لا تعير أى اهتمام للمحيط الذى يعيش فيه نفس الإنسان الذى يقوم بأنشطة وبسلوكات مضرة. وهذا الوعى كفيل بتشكيل رأى عام عربى مهتم بقضية البيئة والمناخ، ممارس للضغوطات على الفاعلين، ومراقب للسياسات العمومية المتعلقة بهذا المجال.
نقيب الصحفيين المغاربة