محمود الوردانى يكتب: الفاجومى ونوارة «4» بجوار رئيس دولة المظلومين

محمود الوردانى
محمود الوردانى

أختتم هنا ماسبق أن بدأته على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية مقتربا من الكتاب الفاتن «إنت السبب يابا».
ياحوش آدم يادارنا
ياساكن حٌضن جارنا
سيدنا الحسين تبارك
شهيد الإنسانية
على مرمى حجر- كما يقال- من مقام سيد شباب أهل الجنة ورئيس دولة الفقراء والمظلومين إبن فاطمة الزهراء مولانا الحسين، عاش أبو النجوم حياته كلها فى حوش آدم، طبعا باستثناء الفترة القصيرة التى أمضاها فى مساكن الزلزال بهضبة المقطم. ومن مسجده خرج إلى مستقره الأخير وودّعه عدة مئات، لم يكن ضروريا أن يعرفوه شخصيا.

ومن اقتربوا من نجم- ليست نوارة وحدها- يعرفون جيدا العلاقة الخاصة والشخصية التى ربطت بين سيدنا الحسين وأبو النجوم. وحسبما كتبت» فى كل خروج ودخول إلى غرفته بحوش آدم، يمرّ على الإمام، إما دخولا أو مرورا من الخارج، ليسلم عليه:» حبيبى يامولاناإزيك؟ ».

وتتذكر بغضب ولوعة « كيف هاج الإسلاميون وماجوا» ولوّثوا لحظة مغادرته الدنيا، يأمرون الناس ألا يترحموا على الشيوعى الشيعى الملحد ناكر الصلاة ومؤلّه الحسين . كانت نوارة حاملا فى شهرها التاسع عندما مات أبوها، وراحوا ينشرون صورتها وهى تبكى ويسخرون منها. تكتب: «وهذا أمر لم أتمكن من التسامح معه حتى الآن. وعموما لا أظن أن الإسلاميين يستحقون التسامح عن مجمل أعمالهم».

وكثيرا ما كان نجم يسأل سيدنا الحسين «مبسوط منى يامولانا». وفى إحدى المرات كان يواجه خطرا ما. كتبت نوارة أنه «دخل المقام ونظر إليه وقال غاضبا «إنتو تقّلتوا إيديكو علىً أوى، يتمتونى وفقرتونى ومشتونى على كعوبى وحبستونى وشردتونى وما اشتكتش ولا اتكلمت وقلت بييجوا عليّ محبة وانا راضى بالوصال ودا من العشم.

بس كده كتير بقى! هو مفيش غير» ... «أمى فى البلد». ثم يضيف- الكلام مازال لنوارة- أنه نظر حوله فوجد المريض والمسن والنساء الباكيات الفقيرات والأمهات اللاتى يحملن أطفالا يعانون، فعاود النظر إليه: «لا، معاك حق، كان الله فى عونك إنت فى إيه ولاّ فى إيه، يلاّ سلام يامولانا».

وهذه الحكاية التى ترويها نوارة عن نجم تلّخص جوهر العلاقة بين سيدنا الحسين وبين أبو النجوم. والأخير شأنه شأن أغلب المصريين الذين احتضنوا آل البيت وعشقوهم باعتبارهم مظلومين ومقهورين وتماهوا معهم. وزاد هو وأسرّ له بآلامه، لكنه اكتشف أنه ليس وحده وأن سيدنا الحسين مسئول عن دولة المظاليم.

التفاصيل الصغيرة والمشاعر واللمسات واللحظات الخاطفة هى مايميّز كتاب نوارة، إلى جانب خفة دم نجم وفاجوميته. فعلى سبيل المثال تذكر نوارة أن أبو النجوم حلم قبل وفاته بشهر بالسادات ووجهه ممسوح يقول له» إصحى يانجم، بقينا يوم القيامة العصر» وتعلّق هى أنه» رايح مستقصد السادات ياخد منه حقه».

وعندما خرجت الجنازة بعد صلاة الظهر، وعرف الناس أن نجم هو المتوفى، ترك الباعة فرشاتهم ومحالهم وخرجوا يرددون» لا إله إلا الله .. مع السلامة ياعم أحمد» وكتّر خيرك يانوارة على كل هذه الكتابة الجميلة الفاتنة. وبقدر ما كتبتِ عن نجم، كتبتِ عن نفسك وعن تلك اللحظة من حياة بلد كامل: لحظة نجم فى حياتنا. كتّر خيرك.

اقرأ أيضاً| محمود الورداني يكتب: الفاجومي ونوارة (3) عن زينب والسيدة أم زينب

نقلا عن مجلة الادب : 

2023-3-18