العلاقات العربية السورية.. مصاعب تواجه الحوار والتطبيع

سلطان عمان هيثم بن طارق فى استقبال الرئيس السورى بشار الأسد
سلطان عمان هيثم بن طارق فى استقبال الرئيس السورى بشار الأسد

لعل مرور ١٢ عاماً على الأزمة السورية والتى بدأت فى مثل هذا الشهر وتداعياتها ونتائجها ساهم فى تعقيد غير مسبوق لها خاصة إذا أضيف لها  (كثرة الطهاة فى الطبخة) بمصالحهم المختلفة ومواقفهم المتباينة وصراعاتهم حيث وجدوا فى الساحة السورية والمواجهة بين الحكومة والمعارضة المسلحة  فرصة لهم فى تصفية حساباتهم، نحن نتحدث عن روسيا وإيران كداعمين للحكومة مقابل دول أخرى مثل أمريكا وأوروبا ودول الغرب فى الجانب الآخر .

وجاءت حرب أوكرانيا لتزيد من تعقيد المشهد كون التعامل مع سوريا كساحة مضافة لاستنزاف الحليفين الأكبر موسكو وطهران اضيف الى ذلك ظهور تنظيم داعش الذى استطاع بسط نفوذه والاستيلاء على ثلث سوريا والعراق.


توافق ذلك مع عالم عربى منقسم حول تحديد بوصلة تعامله مع الأزمة كل ذلك جعل من أى توجه لحل الأزمة أو حتى تبريرها مهمة صعبة وأعتقد ان نهاية فترة زخم التواصل العربى عبر الدعم الإنسانى والإغاثى الذى أعقب فترة زلزال فبراير الماضى لسوريا قد أعاد قضية عودة سوريا الى الساحة العربية حيث يمكن التمايز بين ثلاثة مواقف داخل المنظومة العربية وهى كالتالى :


أولا : دول عربية حسمت أمرها على فترات متفاوتة فى الإبقاء على علاقاتها مع سوريا منذ الأزمة  مثل الجزائر والعراق وسلطنة عمان أو تطورت بصورة كبيرة  فى السنوات الأخيرة مثل الإمارات والبحرين .
ثانيا : دول مازالت على موقفها دون أى تطوير مثل قطر والكويت .


ثالثا : دول اكثر واقعية مثل السعودية التى أعلن وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان فى نفس مؤتمر ميونيخ  بأن (الحوار مع سوريا مطلوب، ولا جدوى من حصارها) وأضاف (سترون أن إجماعا ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجى بل فى العالم العربى على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار) ومنها مصر، فرغم زيارة وزير الخارجية سامح شكرى إلى دمشق ولكنه اختار عباراته بدبلوماسية شديدة عندما سئل عن عودة العلاقات مع دمشق قال (إن الهدف من الزيارة إنسانى والإعراب عن التضامن).


ولعل القراءة المتأنية للواقع الحالى تكشف عن مؤشرات تشير إلى أن هناك عقبات امام التطبيع الكامل العربى السورى ومعظمها يتعلق بالوضع الإقليمى والدولى والذى سبق الإشارة عنه سريعا ونتوقف عند بعضها :
الموقف الأمريكى : وقد بدا تواجد واشنطن على الساحة السورية  منذ عام ٢٠١٤  .. ورغم رغبة الرئيس الأسبق ترامب الانسحاب فى عام ٢٠١٧ إلا أن الخطة فشلت نتيجة انتقادات من ترك فراغ يستفيد منه الروس والإيرانيون ومازال هناك وحدات صغيرة فى قاعدة التنف السورية فى منطقة تشرف على الحدود بين سوريا والأردن والعراق بالاضافة الى تواجد عسكرى فى مناطق متفرقة وفى الآونة الأخيرة وبعد الزلزال لم يتم تكليف القاعدة الأمريكية فى سوريا بأى مهمة إغاثية على عكس ماحدث مع تركيا وفى ضوء التطورات على صعيد التطور الحاصل فى العلاقات العربية السورية ابدت واشنطن رفضا كاملا لاى  تحرك بهذا الخصوص  بل شهد تصعيدا ملحوظا من دوائر صنع القرار فى واشنطن خاصة على صعيد الكونجرس  حيث وافق مجلس النواب الأمريكى بأغلبية ٤١٢  على قرار يدين الرئيس بشار الأسد باستغلال الكارثة الإنسانية للعودة إلى الساحة الدولية بعد سنوات من اعتباره منبوذا دوليا بالحصول على مساعدات دولية وتبنى الأعضاء فى كلماتهم موقف الرفض للتطبيع مع الأسد واتهموا الحكومة بمنع الأمم المتحدة من تقديم المساعدات عبر الحدود والمعابر بين تركيا وسوريا بل هدد السيناتور الجمهورى والعضو البارز فى لجنة العلاقات الخارجية فى الكونجرس جيم ريش بأن موجة التطبيع العربى مع رئيس النظام السورى ستفتح الطريق أمام عقوبات أمريكية محتملة ولن تفيد شركاؤنا العرب وقال يجب منع اعادة تأهيل النظام او اعادته للجامعة العربية وكانت وزارة الخزانة قد اصدرت  فى التاسع من فبراير الماضى ما اسمته( رخصة واسعة الانتشار) لمدة ستة اشهر وتسمح بعدم تطبيق قانون قيصر على المساعدات الإنسانية لسوريا هناك اعداد لقانون جديد يهدف الى  انشاء آلية رسمية أمريكية لضمان عدم استفادة الحكومة من المساعدات الإنسانية ومراقبة سلوك  الحكومة السورية فى كيفية استخدامها .    
ثانيا : استخدام كل من تل ابيب وطهران لسوريا على أنها ساحة صراع متقدمة بينهما خاصة أن إيران موجودة منذ وقت مبكر من الازمة وتحديدا فى عام ٢٠١٢ ونجحت فى دعم النظام فى مواجهة المعارضة المسلحة وقد استعانت بجماعات من العراق وافغانستان ناهيك عن حزب الله ومن جهتها ترفض  اسرائيل وجود ايران على حدودها سواء من سوريا او لبنان وكان آخر مظاهر ذلك الصراع  الاستهداف  الإسرائيلى الأخير لمنطقة كفر سوسة فى قلب دمشق  وبها مناطق امنية مهمة وتردد انها استهدفت اغتيال أحد المسئولين الإيرانيين وخبراء عسكريين من ايران وسوريا وحزب الله مسئولين عن انتاج الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة وسقط خلالها ١٥ قتيلا وقد حذرت تل ابيب مؤخرا بضرب حزب الله فى سوريا فى قاعدة تل الحارة فى جنوب سوريا وهى منطقة ذات طابع استراتيجى حيث تبعد عن الحدود السورية ب١٥ كيلو مترا  وقد اعلنت تل ابيب بعد الغارة الاخيرة  انها ستزود سوريا بصواريخ دفاع جوى ويلاحظ ان الخارجية الايرانية اعلنت  على لسان المتحدث الرسمى ناصر كنعانى ترحيبها الانفتاح الأخير فى علاقات سوريا مع العالم العربى خطوة ايجابية على طريق التضامن الاسلامى .


ثالثا : الموقف الروسى  وقد تدخلت  موسكو  فى الازمة منذ عام ٢٠١٥ من خلال قاعدة جوية وبحرية فى اللاذقية وساهمت فى تحسين وضع القوات السورية فى الصراع  ولها وجود فى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة مع انتشار الشرطة العسكرية فى مناطق مختلفة وهنا لابد ان نشير الى  روسيا تسعى لتبريد الساحة السورية وتشجع اى تقارب عربى سورى  بعد ان اكتشفت ان حربها فى اوكرانيا محاولة لاستنزافها وان الحرب ستطول وهى على ثقة بعدم تأثر مصالحها فى سوريا  بأى تقارب عربى مع دمشق .
رابعا : الموقف التركى  وهو  معنى بحكم الجوار الجغرافى بالوضع فى سوريا لدرجة قيامها بالتوغل عدة مرات فى الشمال مستهدفة تنظيم الدولة الاسلامية داعش ووحدات الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية وتعتبر انهما معا يمثلان تهديدا امنيا بسبب صلاتهم بحزب العمال التركى .
وبعد فإن مهمة تطبيع العلاقات العربية السورية صعبة وإن كانت ليست مستحيلة  .