معرض القاهرة نقطة الانطلاق للتشخيص والعلاج

«أخبار الأدب» تناقش مستقبل صناعة النشر فى مصر

جانب من ندوة مستقبل صناعة النشر في مصر
جانب من ندوة مستقبل صناعة النشر في مصر

شهدت سوق النشر فى مصر ارتباكا كبيرا قبيل الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب. كانت جل التوقعات تؤكد أنها ستكون دورة صعبة بكل المقاييس على مستوى النشر والمبيعات أيضا فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والارتفاع الملحوظ فى أسعار الورق وبالتالى الكتب. لكن جاء الإقبال الكبير من الجماهير وكثرة المعروض من قبل الناشرين ليعكس كل التوقعات ويزيد الموقف إرباكا.

حسب البيانات الرسمية لهيئة الكتاب المنظمة للمعرض فقد اقترب عدد الزوار فى الأسبوع الأول فقط من 2 مليون زائر، وتجاوز الثلاثة ملايين مع الأيام الأخيرة، كما حرصت الهيئة فى بياناتها المتتالية على الإشارة لحضور الجمهور للشراء أيضا وليس لإثبات التواجد فقط، فقالت إن الحضور انعكس بوضوحٍ على نسب مبيعات أغلب الناشرين المصريين والعرب والأجانب، والتى تضاعفت، بل إن هناك بعض الطبعات قد نفدت بالكامل لدى أجنحة قطاعات الوزارة، ولدى الناشرين.

لكن للأسف دون أى أرقام لا يمكن تكوين رأى قاطع فى أى شيء، ويصعب مهمة التحضير للمستقبل أيضا، فإن أكد الحضور الكبير لمعرض الكتاب وجود القارئ فماذا اقتنى؟ وماذا يقرأ؟ وكيف أثر ارتفاع الأسعار على نسبة الكتب المبيعة ونوعيتها؟ وما الذى يجب أن يقدم للقارئ حاليا؟ وهل أثرت التطبيقات الإلكترونية على نسبة الكتب المبيعة؟ والأهم كيف يمكن إنقاذ الصناعة نفسها فى ظل غياب توصيف حقيقى لأزمتها الحالية؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها فتحت «أخبار الأدب» ملف قضية النشر فى ندوة موسعة عقدت فى المبنى التاريخى لمؤسسة أخبار اليوم، وشارك فيها مجموعة من الناشرين والخبراء المهتمين بالصناعة منهم: أحمد بدير مدير النشر بدار الشروق، ومحمد عبد المنعم مدير دار سما وأمين عام اتحاد الناشرين المصريين، ومحمود عبد النبى مدير دار إبييدى، وشريف بكر مدير دار العربى، وخبير النشر الإلكترونى على عبد المنعم، وياسر الزهار من تطبيق أبجد، وعمرو أحمد من مكتبة الميكرفون.

افتتح الكاتب الصحفى علاء عبد الهادى رئيس تحرير أخبار الأدب أعمال الندوة بالتأكيد على أنه تم تخصيص موضوعها لمناقشة مستقبل صناعة النشر فى ضوء النتائج الإيجابية التى خلفتها الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، مشيراً إلى أهمية أن تبقى صناعة النشر فى مصر قوية.

وتتغلب على كل معوقاتها لأن قوتها تنعكس إيجاباً فى وجود حركة إبداعية قوية ونشطة وفاعلة. وقال إن أول خطوة يمكن أن نبنى عليها هى الاستماع لرؤية الناشرين أنفسهم لنتائج الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وتفسيرهم للإقبال الذى شهدته والذى فاق توقعات أكثر المتفائلين.

أحمد بدير: للأمانة نحن فى دور النشر لا نعرف على وجه الدقة حقيقة ماحدث فى الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب هذا العام، لسبب بسيط ولكنه جوهرى، وهو أنه ليس لدينا إحصائيات عن عدد الزوار، أو حجم المبيعات، ولا أرقام يمكن أن نقارنها بالدورة السابقة، لكن الانطباع العام لدى كل دور النشر إيجابى، أما لو أردت أن تقيسه علميا فلن تستطيع بسبب غياب الأرقام الفعلية. المؤكد أن الجمهور حضر بكثافة، وفى رأيى الخاص كان فى مثل عدد جمهور الدورة السابقة.

ولكن الظروف الاقتصادية الدولية، وانعكاساتها على الظروف الاقتصادية المحلية، هى ما جعلت هذا الحضور متميزا، وهذا يؤكد ضرورة وجود إحصائيات واضحة وصريحة، تعلن عن عدد زوار المعرض، وحجم المبيعات، وهذا أمل لدى كل العاملين فى صناعة النشر.

 

 

ولكن كما قلت، فما رأيناه فى النهاية كان إيجابيا، وفتح شهية الناشرين وظهر ذلك فى الإصدارات الجديدة التى طُرحت، وفى المؤلفين الجدد الذين دخلوا، وفى العناوين التى تم إعادة طبعها، ورغم ذلك تبقى هذه المؤشرات الإيجابية رمادية، ورؤية شخصية لا نستطيع قياسها لغياب الإحصاءات.

والرهان على شهية القارئ كان فيه مخاطرة كبيرة هذه الدورة، لأن الإخفاق كان سيكون خطيراً للغاية على صناعة النشر فى مصر، ولكن الوعى كان حاضراً بقوة، مدعوماً بالرغبة فى الخروج من الأزمة والتغلب عليها، لذلك حضر الناس وأقبلوا على شراء الكتب واقتنائها رغم الارتفاع فى الأسعار الذى حاولنا كدور نشر تجنبه قدر المستطاع لكن لم يكن هناك مفر منه.

شريف بكر: خالف معرض الكتاب هذا العام ظنوننا، لأننا دخلنا المعرض بلا أمل لسببين جوهريين: ارتفاع الأسعار، وعدم وجود سيولة مع المواطنين، فى وقت يعتبر فيه الكتاب لدى كثيرين مجرد سلعة كمالية وليست ضرورية، إضافة إلى عدم وجود أى دعم من أية جهة.

ولكن الناس كانت مستعدة ومؤهلة مسبقا لوجود ارتفاعات ضرورية فى الأسعار، وللأمانة لابد أن أسجل أن بعض الناشرين للأسف بالغوا فى رفع الأسعار، وكان الأمر لافتا للنظر.

وتكررت فى معرض هذا العام ظاهرة كانت تحدث على استحياء فى دورات سابقة، ولكنها بلغت ذروتها هذا العام، والتى نتجت عن انخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، وهذا أدى بالتبعية إلى وجود تجار يأتون خصيصا من الخارج لشراء الكتب بأسعار أرخص.

وهو ما أتاح لهؤلاء التجار، مع الخصومات التى قدمتها دور النشر أثناء المعرض شراء كميات كبيرة من الكتب، كما استفادت دور النشر العربية من تخفيض العملة، لأنها حتى بعد التخفيض الذى قامت به، تبقى مشاركتها فى معرض القاهرة رابحة فى كل الأحوال.

وهناك رأى شخصى يفسر ما حدث، وهو أن الناس كان لديها خوف وهاجس أن يكون هذا آخر معرض يشترون فيه الكتب التى يريدونها بأسعار معقولة، كما أنه كانت هناك عناوين لأسماء كبيرة مغرية للقراءة لاشك.. كما ظهرت فى هذه الدورة قوة تأثير التسويق الإلكترونى، الذى أوجد طلبا على الكتاب قبل المعرض فأصبح القارئ فى حالة شغف، ومنتظر للمعرض كى يقتنى الكتب التى تابع التسويق لها.

محمد عبد المنعم: الأمر بالنسبة لى مختلف، أنا كنت أتوقع أن أعداد الجمهور ستكون أكثر مقارنة بالعام الماضى، ولكن كنت أتوقع أيضا أن يكون البيع أقل، وذلك لسبب جوهرى هو قرار وزارة التربية والتعليم، بأن تتزامن بداية إجازة نصف العام الدراسى مع افتتاح المعرض بعكس ماحدث العام الماضى، حيث قامت بمد امتحانات نصف العام الدراسى، مما أضر ضررا بالغا بالمبيعات.

ولم يعمل المعرض فعليا إلا فى آخر ثلاثة أيام، ناهيك عن وجود زخم وتغطية إعلامية لم نرها ولم نشهدها من قبل للمعرض وفعالياته وأنشطته، حتى أنه لم يكن هناك برنامج واحد إلا ويتحدث عن معرض القاهرة الدولى للكتاب، وهذا أثر بالتاكيد إيجاباً على المعرض، وحجم ونوعية الزيارة.

وكل هذا تجاوبت معه دور النشر أو لنقل أغلبها، وقامت بعمل خصومات كبيرة، وبعضها استغل الإقبال وتخلص من مخزون الكتب القديمة التى لديه بخصومات غير مسبوقة.. كما دخلت «السوشيال ميديا» بقوة، فى التسويق وفى بث رسائل طمأنينة عن المعرض.

ولكن علينا أن نفرق بين أمرين: أمر يتمثل فى علاقة وثيقة وأبدية بين القارىئ والمعرض باعتباره فرصة للحصول على مايريده من كتب، ولكن بخصم جيد لن يجده فى المكتبات بقية السنة، وبين إقبال الناس هذا العام رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

وما أستطيع أن أؤكده هو أن المبيعات فى الحقيقة قلت عن السنوات السابقة، لأن مرتاد المعرض اشترى بالمبلغ الذى رصده مسبقاً للمعرض عدداً أقل من الكتب مقارنة بالأعوام السابقة بسبب ارتفاع الأسعارالذى اتفقنا جميعا على أنه لم يكن هناك مفر منه.

ونحن إذن أمام جمهور وفى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب يتراوح عدده بين 3 إلى 4 ملايين زائر، وهذا يضع على عاتق الدولة مسئولية تجاه صناعة النشر للحفاظ عليها وتقويتها، وأول هذه المسئوليات أن تعترف بها كصناعة.

ياسر الزهار: فى رأيى البسيط تمثل «السوشيال ميديا» البطل الحقيقى فى إقبال الناس على معرض الكتاب هذا العام، ولا يوجد شىء اسمه دعاية سلبية، تبقى الدعاية دعاية، بل إن حملات مقاطعة المعرض التى أطلقها البعض أتت بنتيجة عكسية، وخلقت حالة وعى، وحركت العاطفة لدى البعض وتحديداً من الشباب الذى قرروا زيارة المعرض كنوع من الدعم، وأطلقوا دعوات للذهاب للمعرض، ساهم فى ذلك أيضا وجود أسماء كثيرة شابة لها إصدارتها لأول مرة فى المعرض.

وكل شخص كان له كتاب فى المعرض وقع على عاتقه الترويج للمعرض ككل وليس لكتابه فقط.. كما شهدنا حملات من المؤثرين على السوشيال ميديا لدفع المتابعين أو الجمهور الخاص بهم للزيارة، كما توسعت دور النشر فى هذا العام فى استغلال السوشيال ميديا فى التسويق والترويج بصورة رائعة.

وكانت هناك للأمانة خصومات حقيقية، وفى رأيى أن «السوشيال ميديا» هى البطل الحقيقى، وليس برامج التليفزيون كما يعتقد البعض، فأنا ابن جيل لم يعد يجلس أمام شاشة التليفزيون، يكفى أن أقول إننى ليس لدىّ أو أحد من أصدقائى «ريسيفر» أصلا، ولا أتابع البرامج إلا ما يهمنى عبر حساباتها على السوشيال ميديا، وخاصة ما يثير اللغط.

وبالتالى كان يمكن توظيف «السوشيال ميديا» أكثر لخدمة المعرض، بعض الدول العربية معارضها لا تقارن بمعرضنا تستغل هذه الأداة بكفاءة أكبر منا، ويصنعون أغنية خصيصا للمعرض مثلا، أما هنا ورغم أننى أعمل فى مجال النشر إلا أننى لا أجد المعلومة السليمة والمدققة عن المعرض بسهولة، ستجد صفحات كثيرة قديمة.

وأخرى غير مفعلة باسم معرض القاهرة الدولى للكتاب، وفى تصورى أن ما تحقق كان يمكن نحقق أضعافه لو أننا سوقنا للمعرض جيداً.. بقى أن نقول إن مكان المعرض الحالى فى التجمع الخامس لم يعد عقبة، بل أصبح رحلة جميلة تحرص عليها الأسرة المصرية وسط الخدمات التى أصبحت متاحة ومتوافرة فى المكان الجديد، من ساحات انتظار وقاعات مكيفة، وأماكن للمطاعم والاستمتاع بالعروض الفنية.

محمود عبد النبي: فى رأيى أن الجمهور هو البطل الحقيقى فى نجاح المعرض، لأنه شعر أن صناعة النشر مهددة، وكل دور النشر ذهبت إلى المعرض خائفة، وكانت مترددة فى الدفع بعناوين جديدة فى ظل أزمة ارتفاع تكاليف الإنتاج وما استتبعها من ارتفاع للأسعار.

ولكن عدة عوامل أتت بنتائج إيجابية كان على رأسها تزامن بدء إجازة نصف العام الدراسى هذا العام مع بداية المعرض، عكس العام الماضى، أضف إلى ذلك الكُتّاب الذين لم يترددوا وطرحوا أعمالهم الجديدة فى المعرض.

كنا قبل انطلاق المعرض نعانى من حالة ضبابية طرح فيها كل ناشر سؤالا على نفسه: هل يُنتج ويطبع فى أضيق نطاق كرد فعل لكل العوامل الاقتصادية التى تدفع فى هذا الاتجاه، أم يطبع ويتوسع انتظاراً للجمهور الذى قد لا يأتي؟ وللأمانة من أول يوم اكتشفنا أن الجمهور واعٍ جداً ولم يخذلنا وجاء بكثافة من كل مكان فى مصر.

وشهدنا ظاهرة الرحلات من قرى ومن مراكز المحافظات بكثافة لم نرها ولم نعهدها من قبل، وكان له صدى إيجابى على «السوشيال ميديا» مما شجع الآخرين على الذهاب إلى المعرض وعدم التردد.

على عبد المنعم: إذا أردنا أن نتحدث عن معرض الكتاب، يجب أن نقول إن معارض الكتاب فى العالم لم تعد مجرد سوق للكتاب، وعندما نقيم أى معرض، فلا يجب أن نقيمه على أساس الكتاب فقط، ولا حتى صناعة نشر فقط، بل لابد أن ننظر إليه باعتباره تظاهرة ثقافية كاملة تمثل تقريبا كل الصناعات الإبداعية، فهدف أى معرض للكتب لم يعد فقط مقتصراً على بيع الكتب، ولا إقامة ندوة أو حتى حفل توقيع لكاتب، ولكن أصبح يقع على عاتق أى معرض للكتاب الحفاظ على التراث الثقافى للدولة.

وأصبحت كل الدول حاليا تحرص على تأكيد وتقديم هويتها من خلال تلك المعارض، وكما كان جمهور المعرض يتزاحم على مخيم الإبداع فى المعرض فى مقره التاريخى لكى يستمع ويستمتع بغناء الريس متقال، ذهب جمهور المعرض هذا العام لكى يستمتع أيضا بالشيخ ياسين التهامى.

من هنا يمكن القول إن من يذهب إلى المعرض يكون من أجل عدة أسباب: شراء كتب، حضور حفلات فنية، حضور ندوة ثقافية أو حفل توقيع، فالمعرض يرضى كل الأذواق على اختلافها، فعندما تدخل صالة 4 سوف تعتقد أن كل زوار المعرض اشتروا كتب تراث.

وتعتقد أن الناس لا تقرأ غير الكتب الدينية، والبعض رأى أن صالة 5 المخصصة للأطفال استحوذت على اهتمام الزوار بسبب الزحام الشديد الذى شهدته، وكذلك الأمر بالنسبة للقاعات العربية فى صالة 3، وعندما تخرج للساحات سوف تعتقد أن الناس ذهبت فقط للاستماع إلى الأغانى.

وفي نفس الأمر عندما تذهب إلى منطقة المطاعم والكافيهات.. ويبقى السر فى كل هذا أولا وأخيرا هو وعى المواطن، الذى يظهر ويتجلى فى أوقات مثل هذه، ولكن للأسف لا نقيس الأمر أو نخضعه للدراسة العلمية.

وللأسف لا توجد إحصاءات دقيقة أو غير دقيقة عن صناعة النشر، فما حدث على أرض الواقع أن الناس ذهبت إلى المعرض بكثافة عكس ما كان يتم الترويج له فى الواقع الافتراضى قبل المعرض بسبب غلاء الأسعار فى كل شيء.. هيئة الكتاب تتحدث عن 3,5 مليون وربما أكثر زاروا المعرض، ولكن نريد إحصاءات مدققة نبنى عليها، وتصنيفا لنوعية الكتب، وأكثرها مبيعا، لكى نعرف بصورة علمية اتجاهات القراءة فى مصر.

وبحكم أن دار الكتب هى التى تمنح أرقام الإيداع فلماذا لا يصدر عنها بيانات رسمية علمية تقول ببساطة مثلا عدد الكتب التى صدرت ونوعية أو تصنيف الكتب: رواية، قصة قصيرة، أدب رحلات.. إلخ.

عمرو أحمد: لست ناشراً، ولكن عينى بحكم عملى دائما على القارئ الذى تستهدفه كل الحلقات، وأرى بداية أن معدلات القراءة فى مصر فى تزايد مستمر وتحديداً من ثورة يناير وحتى يومنا هذا، لذلك من الطبيعى أن نرى ما رأيناه فى معرض هذا العام، وبحكم خبرتى فى مجل المكتبات أستطيع أن أقول أن الكتب لا تبيع إلا اذا كان هناك حالة أو خلطة.. مكان مثلا لشرب القهوة، موسيقى فى الخلفية.  

لا أتصور أن القارئ سوف يتوقف عن اقتاء الكتاب لأن سعره زاد، فالأسعار والتكاليف عندما تزيد يجب علينا أن نضعها فى سياقها الاقتصادى، وليس سياقا آخر، فالقارئ يمكن أن يتجه للكتاب الإلكترونى لكنه لن يتوقف عن القراءة فى النهاية، الناس ممكن تقلل من استهلاك اللحوم والدجاج مع ازدياد أسعارها، لكن من يقرأ لن يتوقف عن القراءة لارتفاع الأسعار.

الخروج من النفق

أخبار الأدب: كيف ننتقل من الحالة الضبابية التى نعيش فيها لنخرج من الأزمات التى تعانى منها صناعة النشر، ويكون لدينا ما نستطيع أن نبنى عليه وتحديدا فى مسألة غياب الإحصاءات؟

محمد عبد المنعم: لابد بداية أن يكون لدينا نظام أو (سيستم) لإدارة المعرض، ولدينا نموذج يحتذى بالفعل فى معرض الرياض، فهذا النظام الذى أنشئ فى عز أزمة كورونا، يتحكم فى كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بالكتب داخل المعرض، حتى البيع يتم من خلاله، هو الذى يتقاضى -كنظام- ثمن الكتاب ثم يحاسب الناشر، وبهذا النظام أصبح لديه بالأرقام الدقيقة عدد الكتب المشاركة فى المعرض، والتى بيعت وفى أى فرع من فروع المعرفة، حيث يكون لديك بيانات دقيقة يمكن أن تحللها.

وتخرج بقرارات، وتصل دقة هذه المنظومة إلى حد أن المؤلف السعودى مثلا إذا كان له نسخ مجانية لا يستطيع أن يخرج بها من المعرض، وإلا دخل ناشره فى قضية تهرب ضريبي!.. وللأمانة أكثر من معرض حاول أن يخوض هذه التجربة وفشل، وليس عيبا أن ندرس هذه التجربة وندرس تطبيق منظومة دقيقة مشابهة عن طريق الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ولو أن لدينا بيانات دقيقة ومحكمة نستطيع أن نعرف اتجاهات القراءة، وفى أى فرع من فروع الفكر، وفى اتحاد الناشرين نقوم بتطوير الموقع الخاص، حيث يقوم الناشر سنويا برفع إصداراته وعناوينه الجديدة لكى يكون لدينا سنويا إحصاءات عن عدد الكتب التى صدرت وفى أى تصنيف، وسوف نطوره ونعممه، وسوف نشعر كناشرين بوجوده الحقيقى وتأثيره مع معرض العام القادم بإذن الله، حيث سنرفع 95% من أعمال الناشرين على المنصة، وتتبقى نسبة ال5% التى تخص المؤلفين، أما أرقام المبيعات فالأمر يحتاج إلى خطوة كبيرة من هيئة الكتاب لأن لديها منصة بيع.. لابد من تفعيل التعاون بين اتحاد الناشرين وهيئة الكتاب لكى يكون لدينا نظام محكم ولا يحدث كما حدث هذا العام، أقصد ظاهرة وجود كتب فيها تلاعب فى أرقام الإيداع.

شريف بكر: هذه المشكلة فى رأيى تتعلق بدار الكتب التى ترفض أن تعطى أى بيانات تحت يدها.

على عبد المنعم: ريادة مصر الثقافية تمثل جانبا مهما من الأمن القومى المصرى، وإذا وجدت الإرادة سيتم حل مشكلات النشر، بدليل أنه عندما توافرت هذه الإرادة فى ملفات أكثر تعقيدا وصعوبة، تم إيجاد الحل وبنجاح، مثلما حدث على سبيل المثال لا الحصر فى ملف علاج فيروس الكبد الوبائي.. وكل ما نطلبه ببساطة شديدة أن يمنح النشر أولوية، فمصر ببساطة تمتلك كل مقومات الريادة والنجاح، فقط رؤية شاملة تأتى من أعلى الهرم، ويتم تعميمها وتنفيذها فى كل فروع الثقافة، وحتى فى دعم الترجمة والنشر الإلكترونى.

الأمر يحتاج فى إحدى صوره، إلى وجود شكل وهوية لمعارض الكتاب فى مصر ولا يكون الأمر عشوائياً، ففى الوقت الذى أدركت فيه الدول العربية الجارة أهمية معارض الكتاب أصبحت تنظم بدلا من المعرض أربعة معارض على مدار العام، فى الوقت الذى قام فيه مجلس الوزراء فى مصر بإلغاء المعارض التى كانت تنظمها هيئة الكتاب على مدار العام فى المحافظات تحت دعاوى تخفيض النفقات!

محمود عبد النبى: فى رأيى أن البداية من دار الكتب التى تملك الأرقام والإحصاءات، لأنها الجهة الوحيدة التى بحكم القانون تعطى رقم الإيداع وبحسب بطاقة الفهرسة، يمكن أن تتيح للناشرين إحصائيات شبه دقيقة، يمكن أن نبنى عليها، عن عدد الكتب التى صدرت، وفى أى فرع من الفروع.

ياسر الزهار: لأول مرة منذ أن عرف الإنسان القراءة وأمسك فى يده كتابا، أتاحت لنا التكنولوجيا وتطبيقات القراءة الإلكترونية أن نعرف كل شىء عن القارئ وسلوكياته: ماذا يقرأ، ومدة القراءة، وفى أى فرع، ولد أم بنت، سنه، بلده، قرأ كم صفحة من الكتاب، وتصل دقة المعرفة عن سلوكيات القارئ إلى حد أننا نستطيع أن نعرف حتى الصفحات التى لفتت نظره فى الكتاب أكثر من غيرها، لأن البعض يشترى الكتاب فقط ليتباهى به ويضعه فى المكتبة أو ليقرأه فى وقت لاحق.

أحمد بدير: ثمة عوائد كثيرة للدولة حين تنظر للنشر كصناعة تتمثل في: العائد المادى مثل الضرائب، توفير فرص العمل، تصدير المنتج الثقافى للخارج بما يوفر العملة الصعبة، أما العائد الثقافى فالنشر هو قوة مصر الناعمة، خاصة أن مصر مازالت مؤثرة فى الثقافة بل وأكبر من دول عظمى كثيرة، فالقوة الناعمة تحقق حماية التراث والريادة الثقافية، ويجب على الناشرين فى الوقت نفسه التعرف على رغبات القراء المتغيرة باستمرار، فالقراءة أيضا فيها ما يمكن أن نطلق عليه «موضة».

صناعة النشر تواجه تحديات، من أهمها: القرصنة، والتزوير، ومشكلات وصعوبات التوزيع، وارتفاع تكاليف المنتج، وكلها أمور تؤثر سلبا على حجم المبيعات. وصناعة النشر، كأى صناعة وطنية، تحتاج لحماية، خصوصا محاربة التزوير وحماية المنافسة، لكى تكون المنافسة عادلة، ولا يحصل أى ناشر عن ميزة لا يحصل عليها غيره، وهذا مع الأسف ما يحدث فى الهيئات الحكومية، بالإضافة إلى ضرورة دعم الدولة للنشر كصناعة مثل الصناعات الأخرى لكى تكون قادرة على جلب المزيد من العملة الأجنبية.

شريف بكر: للأسف الناشر فى مصر ليس لديه مميزات حقيقية، على عكس الناشر فى الخارج، فالهيئة العامة للكتاب تنافس الناشرين وتحصل على مستلزمات الإنتاج بأسعار أقل، ويتم دعم الجهات الحكومية إلا أن الدعم يذهب فى غالبيته لمرتبات الموظفين، وأغلبهم غير مؤهلين، وهنا لابد من إحياء مكتبة الأسرة ولو عبر تطبيق إلكترونى لجذب أجيال جديدة للقراءة، فهناك أجيال تعانى من قطيعة نفسية مع القراءة بسبب كرهها للكتاب المدرسى.

وأخيرا قال حسام نادر، أحد شباب التقنيين المشاركين فى الندوة إن ثمة مصادر كثيرة يمكن منها استخلاص معلومات تفصيلية عن المشاهدين للمحتوى المتعلق بالكتب على «يوتيوب»، ضاربا المثل بوجود 10 آلاف فيديو عن كتب حققت ملايين المشاهدات خلال 5 سنوات، على منصة واحدة، وهذا يعنى ببساطة أن الناس مازالت تقرأ.

اقرأ أيضاً | «كاروناتيلاكا» يكتب : لم نتعلم من أخطاء الماضى بعد

 نقلا عن مجلة الأدب : 

2023-3-12