رأس الإرهابي «سيف العدل» تساوي 5 ملايين دولار

الإرهابي سيف العدل
الإرهابي سيف العدل

عمرو فاروق

 على مدار السنوات الماضية لم تهدأ الأجواء داخل تنظيم «القاعدة»، بسبب الضربات المتلاحقة باستهداف الكثير من قياداته الفاعلين والمؤثرين، لاسيما الشخصيات التاريخية التي تمثل جزءًا من المرجعية الفكرية والتنظيمية للكيان القاعدي منذ تأسسه في نهاية ثمانينات القرن الماضي.
يدرك الكثير من المتابعين لملف الجماعات الإرهابية أن تنظيم «القاعدة» يدور في فلك حالة من التفكك والتراجع منذ سيطرة ايمن الظواهري على مفاصل التنظيم عقب مقتل اسامة بن لادن في 2011.

رغم مختلف المؤشرات التي توحي بقرب نهاية تنظيم «القاعدة» وانحداره بشكل كبير، يظل محمد صلاح زيدان، المكنى بـ»سيف العدل»، المولود في مصر عام 1963، أحد مكونات معادلة البقاء والتمدد لكونه يمثل المرجع والخبير العسكري المؤثر في قطاع وفروع التنظيم التي أصابتها الهشاشة والتفكك.
كان التنظيم قد تلقى مجموعة من الضربات التي أجضهت فاعليته أهمها مقتل زعيمه أيمن الظواهري، في العاصمة  الأفغانية كابول.
كانت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، قد  ذكرت أن «سيف العدل» مختبئ في إيران، وأنه تولى قيادة التنظيم خلفًا لأيمن الظواهري، ويقوم بإعداد «صيغة جديدة للتنظيم».
ارتبط «سيف العدل»، بتنظيم «الجهاد المصري»، وفقًا للمعلومات التي ذكرها برنامج مكافحة الاٍرهاب الأمريكي، وعمل خبيرًا لصناعة المتفجرات، ومسؤولًا عن «اللجنة الأمنية» لتنظيم بن لادن، وكان من المقربين من الملا عمر حاكم «طالبان» أثناء إقامته في قندهار.

في  مايو 1987، أُلقي القبض على «سيف العدل»، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ»إعادة احياء تنظيم الجهاد»، والتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري حسن أبو باشا، قبل أن يُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، ليهرب إلى السعودية، ومنها إلى السودان، ثم إلى أفغانستان عام 1989، ليقرر الانضمام إلى تنظيم «القاعدة».

لم يكن»سيف العدل» من المؤسسين الأوائل لتنظيم «القاعدة»، لكنه مارس دورًا أساسيًا في بناء القُدرات العسكرية والتأهيلية للتنظيم، بفضل خبراته العسكرية.
الكثير من الأسس والخبرات والتجارب للموسوعة العسكرية لتنظيم «القاعدة»، وضعها «سيف العدل»، والتي أصبحت فيما بعد مرجعًا للتنظيمات الإرهابية، مثل المداهمات الأمنية، وطرق تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات، والرصد والمتابعات، وطرق جمع المعلومات العسكرية والاستخباراتية، وكيفية استهداف العناصر المراد اغتيالها، وغيرها من القُدرات التأهيلية التي عززت من قوة تنظيم» القاعدة».
في بداية التسعينات من القرن الماضي، سافر «سيف العدل» إلى الصومال لإقامة معسكرات تدريبية للمسلحين، لاستهداف قوات حفظ السلام، لا سيما الأمريكيين منهم، وحينها وجهت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، التورط في قتل 18 مجندًا أمريكيًا، في مقديشو عام 1993.

عرضت واشنطن، مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، ووضعت اسمه على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لأبرز الإرهابيين المطلوبين.
خلال الاجتياح الأمريكي لأفغانستان بعد حوادث 11 سبتمبر 2001، اتجه «سيف العدل» برفقة عدد من قيادات «القاعدة» إلى إيران، في إطار تفاهمات بين الجانبين، ومنها تمكن من الإشراف على مجموعة من العمليات الإرهابية المنسوبة للتنظيم، وأدى دورًا مهمًا في تفجيرات الرياض في مايو 2003، ما دفع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة للضغط على طهران لسجنه، وبالفعل تم وضعه تحت الإقامة الجبرية.
وفي 19 سبتمبر 2015، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية، أن طهران أبرمت صفقة سرية مع تنظيم «القاعدة»، لإطلاق سراح (5) من قياداته، وضعتهم قيد الإقامة الجبرية، بعد غزو القوات الأمريكية معظم الأراضي الأفغانية، مقابل تحرير دبلوماسي إيراني كان مختطفًا في اليمن، وكان في مقدمهم «سيف العدل»، قائد الجناح العسكري.
الكثير من التقارير الأمريكية التي تناولت دور «سيف العدل»، في محاولة إحياء تنظيم «القاعدة»، وإعادته للتموضع الجغرافي، أشارت إلى سعيه في  هيكلة الفروع وضمان ولائها، وتحويلها إلى مرتكز من خلال إقامة تحالفات مع عدد من الحركات المسلحة التي تميل للمنحى الفكري «القاعدي»، فضلاً عن عرقلة محاولات تنظيم «داعش» في استمالة أفرادها وقياداتها.

تزوج «سيف العدل»، من ابنة التكفيري المصري، المدرج من قبل الخزانة الأمريكية على قائمة الإرهاب الدولي، مصطفى حامد الشهير بـ»أبو الوليد المصري»، الذي عمل مراسلاً لقناة «الجزيرة» في قندهار ما بين عامي 1998- 2001، وانتقل للإقامة في إيران عام 2002، وظل فيها حتى عاد إلى القاهرة عام 2011، ومنها إلى قطر عام 2013، ليستقر به الحال مرة أخرى في إيران منذ عام 2016.
كانت الخلافات قد اشتعلت داخل تنظيم «القاعدة»، خلال عام 2017، في ظل مطالبات القواعد التنظيمية بتنحي الظواهري عن المشهد  تمامًا، وإتاحة الفرصة لبعض القيادات لإدارة أوضاع التنظيم بعد انحساره عن الساحة سياسيًا وحركيًا، في الوقت الذي استحوذ فيه تنظيم «داعش» بشكل كامل.

اعتبرت قيادات التنظيم أن الظواهري فشل في احتلال مكانة أسامة بن لادن، وأن يكون امتدادًا لمشروعه الفكري والتنظيمي، نظرًا لضعف شخصيته وعدم تمتعه بالكاريزما الحركية المناسبة التي تمكنه من السيطرة على مفاصل وفروع التنظيم، وجذب المزيد من الأتباع والموالين للفكرة.
الكثير من أتباع تيارات الإسلام الحركي والسلفية الجهادية المسلحة يعتبرون أن الظواهري قبل مقتله قد قضى فعليا على مصير ومستقبل تنظيم «القاعدة»، وفشل في الحفاظ على تركة ومشروع أسامة بن لادن، التي تأسست نهاية ثمانينات القرن الماضي وأحدثت تغييرًا في الخريطة السياسية العالمية، لاسيما عقب أحداث 11 سبتمر عام 2001.

ومن ثم يرى المراقبون لتنظيمات السلفية الجهادية المسلحة، أن سيف العدل، سيكون أمامه الكثير من التحديات حول بقاء واستمرار الكيان القاعدي في ظل عدم مركزية القرار، وقوة الفروع وقياداتها في مقابل ضعف القيادة المسردبة المتحكمة في المشهد الداخلي، في الوقت الذي يشهد فيه التنظيم حالة من الصراع والمواجهة المباشرة مع تنظيم «داعش» على المستوى الفكري والتنظيمي والحركي والعقائدي ايضًا.
كان من المتوقع  أن يكون الرجل الثاني في تنظيم القاعدة «أبو محمد المصري»، بديلًا للظواهري في حالة وفاته، لكن في إطار جملة الخسائر التي نالت من تنظيم أسامة بن لادن، أكد مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية أن «أبو محمد المصري»، قتل في العاصمة الإيرانية طهران، برفقة ابنته مريم أرملة حمزة بن دلان، في أكتوبر  2020 على يد عملاء إسرائيليين، وفقًا لما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز».
ارتبط «أبو محمد المصري»، بعلاقة مصاهرة مع أسامة بن لادن، حيث تزوجت ابنته من «حمزة بن لادن»، كما ارتبط بعلاقة نسب، مع محمد عيد إبراهيم شرف، وكنيته «أبو الفرج اليمني»، مسؤول اللجنة الشرعية لتنظيم «الجهاد المصري»، الذي تسلمته الأجهزة الأمنية المصرية من السلطات الإماراتية، في أغسطس2002، بعد الحكم عليه غيابيًا، بالسجن 10 سنوات، في قضية «العائدون من ألبانيا».

اتهم «أبو محمد المصري»، بالاشراف المباشر على تفجيرات السفارات الأمريكية في إفريقيا 1998، والتي أسفرت عن مقتل 231 شخصًا، بينهم 12 أمريكيًا، كما ارتبط اسمه بـ»هجمات الرياض» 2003 ، والتي جاءت، حسب تقارير استخباراتية أمريكية، بأن أوامر صدرت من جنوب إيران من قبل قيادات «القاعدة الهاربة» من أفغانستان، إلى إيران على رأسهم القيادي أبومحمد المصري، و»سيف العدل» المسؤول العسكري للقاعدة، وارتباطهما بالوسيط علي عبدالرحمن الغامدي المكني بـ»أبي بكر الأزدي»، مسؤول خلية «القاعدة» في السعودية، أحد المطلوبين في قائمة الـ19 في «تفجيرات الرياض»، وحلقة الوصل بين قيادات «القاعدة» في إيران، والخلية المنفذة.
«تم إدراج «أبو محمد المصري»، على قائمة أخطر المطلوبين في العالم، والتي تشمل كبار قادة تنظيم «القاعدة» الذين تلاحقهم الولايات المتحدة الأمريكية.

في منتصف عام 2016 سربت قيادات من داخل التنظيم وثيقة عن خلفاء الظواهري في حال  مقتله أو وفاته، وضعها مجلس شوري التنظيم القاعدي، تجنبًا للصدامات والخلافات بين عناصر وأفراد التنظيم، لاسيما في ظل الحديث عن ترشيح حمزة بن لادن (قبل مقتله في سبتمبر 2019) ليكون خليفة للظواهري استكمالًا لمسيرة والده الذي يمثل حالة مهيمنة على الساحة التكفيرية المسلحة.  
الوثيقة خرجت بتجاهل تام لحمزة بن لادن، دون أن يكون في صفوف القيادات الإرهابية والفاعلة في المشهد القاعدي، والتي من المفترض أن يكون بديلًا للظواهري في حالة وفاته وفقًا تراتبية تنظيمية متوازنة.
كان في مقدمة الوثيقة المسرّبة من داخل الكيان التنظيمي، عبدالله محمد رجب عبدالرحمن، المكنى بـ»أبو الخير المصري»، والذي تم استهدافه في  فبراير 2017 بغارة أمريكية في سوريا، ويليه عبد الله أحمد عبد الله، الشهير بـ»أبو محمد المصري»، نائب الظواهري، الذي تم قتله في أكتوبر  2020 .

وتبعه «سيف العدل»، - الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة-،المرجح وجوده بالقرب من الحدود الإيرانية، فضلاً عن تأكيد بعض التقارير الاستخباراتية تنقّله في العمق الإفريقي، لترتيب المشهد «القاعدي» نظرًا لعلاقته المتشعبة بعدد من القبائل الصومالية تحديداً،وجاء في التراتبية التنظيمية، ناصر الوحيشي أو «أبو بصير»، الذي تم استهدافه في غارة لطائرة من دون طيار، في حضرموت شرق اليمن، في 12  يونيو  2015.
استهداف القيادات الإرهابية داخل تنظيم «القاعدة» لم يتوقف عند هذا الحد، لكن شمل  قاسم الريمي المكنى بـ»أبو هريرة الصنعاني»، الذي تولى قيادة فرع «القاعدة في اليمن» عام 2015، وتم قتله خلال غارة أمريكية في  يناير  2020، ليخلفه خالد بن عمر باطرفي.

وكذلك مقتل حسام عبدالرؤوف، المكنى بـ»أبو محسن المصري»، المسؤول الإعلامي داخل التنظيم، في أكتوبر  2020، على يد السلطات الأفغانية، واستهداف علي مايشو، المكنى بـ»أبو عبدالرحمن المغربي»، القيادي في «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة» بمنطقة الساحل والصحراء في إفريقيا في سبتمبر  2019.
 ومقتل جمال عكاشة المكنى بـ»يحيى أبو الهمام» أمير إمارة الصحراء، التابعة للتنظيم في «المغرب العربي» في فبراير  2019. فضلاً عن مقتل عبد المالك دروكدال، المكنى بـ»أبو مصعب عبدالودود»، زعيم تنظيم «القاعدة في المغرب العربي»، في عملية للقوات الفرنسية بمالي في  يونيو  2020، ومقتل أبو محمد السوداني، أحد قيادات تنظيم «حراس الدين» الموالي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، وكان من الشخصيات المقربة من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، في أكتوبر 2020.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 9/3/2023

أقرأ أيضأ : مرصد الأزهر يحذر من استغلال التنظيمات الإرهابية لتقنيات الذكاء الاصطناعي