عاجل

طارق حنفى يكتب: الثقب الأسود

صور أرشيفية
صور أرشيفية

ربما ألف الخاطر. بات يقتحم مهجع قلبه أنَّى شاء، فعلها مرة أخرى، وعلى نحو أقوى، تُلازم حضوره - كالعادة- صور، يراها فى عينيه المغمضتين ، كأن باطن جفونه تحول إلى شاشة عرض سينمائي.

يرى هذه المرة عقلاً ما يغوص فى ضباب رقيق، رابطاً هلامياً يخرج منه ويمتد ليلتحم بكتلة ضباب قاتمة، ورابطاً آخر أشد قتامة وغلظة يغادرها ويمتد بعيدًا، والخاطر يخبره بوجوب قطع الرابط، كررها عدة مرات.

ويتعقب الرابط الآخر، الصورة تتسارع، يشعر بقوة هائلة تجذبه إلى.. إلى.. شهق بقوة وفتح عينه، طفق يلهث، رحل الخاطر وتركه لعقله المجهد. 

وتذكر أول مرة جاءه ، حين أخبره بأمر كتلة الضباب التى تلازمه فى كل أحواله منذ انعقدت فوق رأسه، فى سكناته وحله وترحاله، مما جعله يواصل النظر إلى أعلى حائراً، يترقب رؤيتها، لكنها كما أخبره لا تُرى.. 

وكانت تبدو صورتها فى عينيه كغمامة فاحمة، تصيبه بوابل من قطرات داكنة ترهق صدره، وتشوش رؤيته، وتجهد عقله وتضعف ذاكرته، أو تُلقى بالعتمة عليه، حتى صار لا يُرى ظله. 

وجالت فكرة بعقله: «ربما صار هو نفسه ظلاً، يحيى فى عالم الظلال حيث توارى جسده المنهك»، لكنها مجرد فكرة وليست خاطرًا.. يتسائل بينه وبين نفسه عن ماهية الرابط وكنه الغيمة وكينونة ذلك الشىء الذى أصابه بالهلع..

وانقبض صدره عندما تذكر صورته، دائرة غبرة هائلة الحجم، ودوامة حالكة السواد تَموُج بداخلها.. علا صوته: - لكن أى رابط منهما يجب أن أقطعه، كيف؟

وكان يسير شارد الذهن فى طريق خال، يشعر بالضعف، يجر قدميه جراً، يتطلع إلى أعلى كعادته، لربما يراها، أو يرى الرابط، لربما يعلم كيف يقطعه و.. أخيرًا، يرى رابطاً يخرج من رأسه يلتحم بغمامة، ورابطاً أغلظ منه يغادر الغمامة ويمتد إلى العدم.

يرمى بصره بعيدًا محاولًا رؤية الدائرة، أصابته الدهشة؛ هناك روابط عديدة تنتشر هنا وهناك، وتمتد هى الأخرى إلى العدم..و فجأة، اقتحم أحد ما المشهد، يحمل فى يده سيفًا عظيمًا، كانت المرة الأولى التى يراه فيها، لكنه عرفه، إنه خاطره..

وطوح الخاطرُ السيف وقطع الرابط الذى يربط بين رأسه والغيمة، وزال الأمر كأنه لم يكن..وانقشعت الغيمة، انشرح صدره وصفا عقله، وتعافى جسده.

واضطجع فى فراشه، أغمض عينيه فلم ير شيئاً ولم يأته الخاطر، مما جعله يشعر بالسرور، تذكر أمرًأ ما، تفصيلة صغيرة.. وفى تلك الصورة، حيث كان العقل يغوص فى الضباب، لقد كان الضباب نفسه يخرج من العقل، ثم يُكوِّن الرابط، ويصعد ليكون الغمامة التى تلتحم بأحد الروابط الغليظة الممتدة إلى دائرة العدم السوداء.

وعقد ما بين حاجبيه لحظات، ثم ما لبث أن تهللت أساريره وطرد الأمر من رأسه، محدثًاً نفسه بأن الأمر قد انتهى وعَادَتِ الأَوضاع إِلَى ما كَانت علْيه سابِقًا.

اقرأ ايضاً | عمر الجضعى يكتب: لا يسمعونني

نقلا عن مجلة الادب : 

2023-3-11