بدون تردد

تعدد الآراء ووجهات النظر

محمد بركات
محمد بركات

لا نملك غير إبداء الدهشة الشديدة، تجاه تلك الظاهرة الغريبة التى استشرت فى الآونة الأخيرة لدى البعض منا، وطفحت على السطح بصورة لافتة ومثيرة للانتباه، خلال تناول بعض القضايا أو الموضوعات المطروحة للنقاش وإبداء الآراء.

وأحسب أنه كان ولا يزال من الراسخ فى المفهوم لدينا جميعا، أن المعمول به والمتعارف عليه هو أن إبداء الرأى وتداول الرؤى فى القضايا والموضوعات المتعلقة بالشأن العام بالتأييد أو المعارضة تخضع بالضرورة لتوافر عدة شروط، فى مقدمتها الإيمان بحقوق كل من يشارك فى إبداء رأيه، وإيضاح ما هو مقتنع أو مؤمن به بكل حرية، دون مصادرة على آراء الآخرين.

وأن يتواكب مع ذلك بالضرورة أيضا الالتزام بآداب الحوار وضرورة الاحترام الكامل لكل الآراء الأخرى المعارضة أو المتفقة، مع رأيه، إيمانا واقتناعا وعملا بالمبدأ الذى أرساه الإمام مالك، «رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».

ومن هنا كانت الدهشة، وكان العجب تجاه الظاهرة التى طفحت على السطح، والمتمثلة فى جنوح البعض لإعطاء أنفسهم الحق فى الادعاء، بأن ما يقولون به هو الصواب وهو تعبير عن المجتمع فى عمومه وأنه رأى جموع المواطنين على شمولهم، ورغم تعدد واختلاف وتنوع مستوياتهم الاجتماعية والفكرية والثقافية.

وفى ظل هذا الادعاء يعطون أنفسهم الحق فى إصدار أحكام تجيز أو تمنع أو توقف عملاً من الأعمال أو عرضا من العروض الأدبية أو الفكرية أو الثقافية أو الفنية لشخصية من الشخصيات العامة، بحجة أو تحت ذريعة أن ذلك يتعارض مع الرغبة المجتمعية الشعبية العامة، أو أنه يتنافر مع الذائقة الجماهيرية العامة ولا يتوافق مع طبيعة المجتمع، أو يتنافى مع الاتجاه التنويرى ويتناقض مع قيم عموم المصريين.

والمثير للعجب والمدهش فى ذلك أن يعطوا أنفسهم وحدهم الحق فى الكلام الصحيح وإبداء الرأى الصواب- «من وجهة نظرهم»- باسم المجتمع كله وجموع الأمة كلها وباسم كل المثقفين والمفكرين والمتنورين فى مصر كلها، متناسين ومتجاهلين أنهم مجرد مواطنين مثل غيرهم من المواطنين ولهم كل الحق مثل غيرهم من المواطنين فى إبداء رأيهم، ولكنهم فى ذات الوقت ليس لهم أى حق فى المصادرة على آراء الآخرين، أو الادعاء بأنهم وحدهم يملكون ناصية الصواب، والتحدث باسم المجتمع كله وجموع الأمة كلها، وأنهم وحدهم من يملكون إجازة ما يجاز أو منع ما يمنع من أعمال أو عروض أدبية أو فنية أو منتجات ثقافية أو فكرية.

يا سادة يجب أن نؤمن جميعا بفضيلة التنوع والاختلاف فى الرأى ووجهات النظر، مع الإيمان بضرورة وصحة تعدد وتنوع الآراء واحترام الرأى الآخر ووجهات النظر الأخرى.