من موقع استشهاده..

«الشهيد الحي» يروي تفاصيل عملية الثأر للبطل الفريق عبدالمنعم رياض| فيديو

البطل عبدالجواد سويلم
البطل عبدالجواد سويلم

فتحي البيومي 

من قال إن الدم فداء للوطن يذهب هباء، فالدم لا يذهب إلا بالدم، والنار لا تطفئ إلا بالثأر.

هكذا كانت ومازالت عقيدة القوات المسلحة المصرية، فروح كل شهيد يقابلها العديد من أرواح الأعداء، وحفنة التراب ثمنها الآلاف من أرواح الأعداء.

في التاسع من مارس كل عام نحتفل بيوم الشهيد، وفي كل قصة عبرة وفخر، وفي كل رواية زهو وانتصار، فكيف لا نفتخر ونحن نحمل من الإرث أعظمه، ومن التاريخ أجمله، ومن البطولة أكبرها.

بأحرف من نور، يكتب الشهيد رسالته الأخيرة، ويدخل رأس سلاحه في دمه، ويكتب كلمات لا تمحى عن الوطن مهما تغير الزمن.

رجال كانوا يعلمون جيدا أن الموت بجانبهم، في كل ضحكة يطلقونها، في كل شربة ماء يشربونها، في كل خطوة يخطونها، الاستشهاد كان حافظهم السري وصديقهم الأقرب، وهدفهم الأوحد الاستشهاد في سبيل الوطن .

كان لسان حال الشهيد ينطق بحقيقة واحدة "يال سعادتنا بما نحن مقبلون عليه".

«أخبار اليوم» هنا في هذا المكان الذي استشهد فيه قائد الشهداء الفريق "عبدالمنعم رياض" وفي لقاء حصري مع أحد الأبطال الذين قاموا بعملية الثأر للشهيد البطل وقبل أن يمر على استشهاده 48 ساعة، يروي لنا تفاصيل عملية الثأر للشهيد عبدالمنعم رياض.

   

اسمي عبدالجواد محمد سويلم ولكن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان له رأيا آخر فقد أطلق عليّ لقب "الشهيد الحي عبدالجواد سويلم" ويرجع ذلك إلى وجودي في أحد العمليات التى قمنا بها خلف خطو العدو  وأذكرها تحديدا في 20 يوليو 69 حيث كان العدو قد قام بقصف عدد من المدارس مثل مدرسة بحر البقر وقد كان العدو حينها يملك من الغطرسة ويظن بأنه لديه من القوة ما يجعله متفوقا ويرجع ذلك إلى الإمدادات المستمرة التى كانت تأتيه من دول أوروبا الغربية، فبعد هذه الخسيسية كان رد الرئيس عبدالناصر لمجموعات الصاعقة التى كنت أحد أفرادها بتدمير بعض المخازن الأساسية للعدو في قلب سيناء، وقد كانت تبلغ هذه العملية قدرا كبيرا من الخطورة وذلك لشدة حراستها من قوات العدو وبعدها عن قناة السويس بمسافة 35 كيلومتر داخل سيناء، وبالفعل تم تكليف مجموعتنا للقيام بهذا الشرف بقيادة ملازم اول عزت إبراهيم وقد كان لي شرف أن فقدت قدماي وبدى وإحدى عيناي في هذا العملية وعند زيارة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لي في المشفى أطلق على هذا اللقب .

وعن استشهاد قائد الشهداء الفريق عبدالمنعم رياض قال عبدالجواد سويلم: في يوم التاسع من مارس 1969 الساعة الثانية عشر ظهرا  وبعد أن وصل خبر إنشاء إسرائيل عدد من الحصون على ضفة قناة السويس، أمر الشهيد عبدالمنعم رياض المدفعية بضرب هذه الحصون وبالفعل قد تم تدميرها، ثم انتقل الشهيد عبدالمنعم رياض وقد كان رئيس أركان القوات المسلحة حينها لتفقد الجبهة ورؤية نتيجة  هذا الأمر عن قرب وقد كان يملك قلبا فدائيا وروحا لا تخاف العدو حيث تقدم حتى وصل إلى حافة قناة السويس في الجهة المقابلة لقوات العدو مما تسبب في رصده من قوات استطلاع العدو على خط بارليف واستهدافه بدانة مدفع تسببت إصابته ومع محاولات الإخلاء ونقله للإسعاف صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها أمام مبنى محافظة الإسماعيلية القديم حاليا في شارع محمد على.

   

وعن عملية الثأر للشهيد البطل عبدالمنعم رياض قال "سويلم" لم تقم بالثأر للشهيد مرة واحدة بل قمنا بعمليتين ثأر ، فلم يكن رحمة الله عليه ضابطا عاديا فقد كان مختلفا قويا مما حدا ببعض الدول كروسيا وغيرها بوصفه ب"الجنرال الذهبي" فكيف لنا أن نرضى بثأر عادى في استشهاد جنرال ذهبي؟!

وأضاف "سويلم" إن عملية الثأر لم تكن فردية قام بها أفراد الصاعقة بل تضافرت فيها جهود أجهزة عديدة كالمخابرات الحربية وقوات الاستطلاع حيث توصلوا إلى كبد المعلومة بزيارة ثلاثة من كبار قادة العدو موقع استهداف الفريق عبدالمنعم رياض لتكريم من قاموا بهذه العملية وتقليدهم الأوسمة والنياشين مكافأة لهم، وبعد وصول المعلومة كلفت القوات المسلحة بأختيار القناص الأول ابن محافظة الجيزة نقيب محمد صالح أبو رابية  وقد كان "نقيب احتياط" حينها وتم تكليفه من قائد الجيش الثانى باستهداف القادة الإسرائيليين أثناء تكريمهم لجنودهم وقد كلفنا نحن بعملية تأمين القناص أبو رابية حتى لا يتم استهدافه من قبل قوات العدو.

    

وعن وصف عملية الثأر قال "سويلم " لقد تم تكليف مجموعة الصاعقة التى كنت أحد أفرادها والمكونة من ثلاثين جنديا وقائد المجموعة وكانت مهمتنا الوحيدة والتى لا تنازل عن نجاحها تأمين القناص نقيب أبو رابية  ونظرا للرصد الدقيق للمنطقة فقد قمنا بالزحف لمسافة كبيرة من مكان مبنى ارشاد قناة السويس حاليا وحتى ضفة قناة السويس مكان تنفيذ عملية الثأر، وبالفعل قمنا بحرف خنادق بشكل هلالي حول خندق القناص وكل منا يقوم بحراسة زاوية لتأمينه.

وعن الخطة التى كانت موضوعة حينها قال "سويلم" أنه كان على النقيب أبورابية أن يتمركز في منتصف مسافة ثلاثين مترا من مياه قناة السويس في حفرة برميلية قامت مجموعة الصاعقة بالتمركز حولها في حفر على شكل هلالي لإنجاح عملية تأمين القناص، وقد بدأنا ذلك بالفعل قبل موعد وصول القادة الإسرائيليين بـ24 ساعة وفقا لمعلومات المخابرات الحربية وقوات الاستطلاع، وبالفعل في تمام الثانية عشر ظهرا لاحظنا قدوم ثلاث مدرعات إسرائيلية للموقع الذي استهدف من خلاله الشهيد عبدالمنعم رياض وبين كل منها مسافة 200 متر تقريبا كنوع من الاحتياط وبمجرد نزول أحد القادة الإسرائيليين من المدرعة الأولى نجح القناص نقيب أبورابية من اصتياده في منتصف جبهته وقد نجح أيضا في استهداف الثانى في نفس الإصابة والقائد الثالث في منتصف صدره، ومن الغريب أننا لاحظنا استياء نقيب أبورابية رغم مقتل القادة الإسرائيليين الثلاثة وعدم شعوره بالتوفيق مما جعلنى أسأله بعد نجاح الإخلاء عن السبب فقال لي إننى أسعر بعده التوفيق فقد كنت اود إصابة القائد الثالث في منتصف جبهته أيضا.

وعن عملية الإخلاء بعد الثأر يقول سويلم بعد استهداف القادة الإسرائيليين فتحت علينا النيران من المدفعية الإسرائيلية لمدة 12 ساعة مما جعلنا نمكث في مخابئنا حتى أمر الإخلاء بعد توقف المدفعية الإسرائيلية عن الضرب وبالفعل قمنا بالزحف للرجوع إلى نقطة الانطلاق عند مبنى ارشاد قناة السويس حاليا كما قلت سابقا.

عملية الثأر الثانية 

لقد كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمة الله عليه ذو عقلية متفردة وقلب ثائر فلم يرض حينها ولم يكتفي بهذه العملية ، فثلاثة من القادة الإسرائيليين لم يكونوا أبدا قبالة روح لشهيد من القوات المسلحة المصرية فكيف وان كانت هذه الروح روح الفريق عبدالمنعم رياض، وقبل مرور أربعين يوما أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أمرا بإزالة الموقع الذي استهدف من خلاله الفريق عبدالمنعم رياض نهائيا وبالفعل تم تكليف المجموعة 39 قتال بقيادة الشهيد البطل إبراهيم الرفاعي  بـ6 قوارب بكل قارب 10 جنود وعبروا بحيرة التمساح وقاموا باقتحام الموقع والقضاء عليه بكل من فيه وتكبدت القوات الإسرائيلية في هذه العملية 43 جنديا وضابطتين وانزال العلم الإسرائيلي ورفع العلم المصري على الموقع وكانت هناك رغبة شديدة من أفراد المجموعة بعدم العودة والأمل بالسماح لهم بالتوغل في قلب معسكرات العدو وتكبيده المزيد من الخسائر ولكنهم طاعة للأوامر قاموا بالرجوع سالمين دون أى خسائر أو إصابات، وبذلك تم الثأر للشهيد البطل عبدالمنعم رياض مرتان في عمليتين منظمتين بينها مدة 40 يوما .

     

وعن وقع خبر الثأر للشهيد عبدالمنعم رياض على القادة بالقوات المسلحة والشعب المصري قال "عبدالجواد سويلم" إنه من أهم نتائج عملية الثأر للشهيد عبدالمنعم رياض تحويل عيد العدو واحتفاله لحزن ونجيب على خسائره وخلق حالة ثقة بين القادة بالقوات المسلحة المصرية وأبنائهم من الأبطال أفرادا وضباط وكذلك رسالة قوية للشعب المصري خلقت لديهم حالة من الفرح ويقينا بأن دم شهدائنا لم يذهب هباء وأن الأرض عرض ستعود يوما لأصحابها وبالفعل توالت العمليات حتى يوم العبور العظيم .