يوميات الأخبار

د. محمود عطية يكتب: لماذا نمرض نفسيًا ؟!

د. محمود عطية
د. محمود عطية

«ولا يعنيه أننا نتبوأ ومنذ فترة طويلة مقعد عواجيز الفرح فى عصر تدفق المعلومات»

السبت:

مثالية ممرضة
أسهل طريقة تمرضنا نفسيا وتبعدنا عن الاستمتاع بحياتنا وعن تحقيق أهدافنا.. هى طريقة تفكيرنا المثالية المتخيلة.. فمنذ الصغر نتعلم كيف نأكل ونشرب ونلبس ولا نتعلم كيف نفكر بطريقة واقعية تبعد عن المثاليات المتخيلة وتتناغم مع الحياة.. فنجد من تعشش فى رأسه مثاليات تعرقل حياته وتصدمه مع المجتمع.. من تلك الأفكار المثالية أنه من الضرورى أن تكون محبوبًا ومؤيدًا من الجميع وتُرضى كل من حولك.. وهذا لن يحدث أبدًا.. وإذا حاولت فلا تلمن إلا نفسك!.

وفكرة أن بعض تصرفات الناس خاطئة أو شريرة، ويجب عقابهم عقابًا شديدًا بدلًا من تخيل أن بعض التصرفات غير الملائمة ربما تصدر عنهم لأنهم أغبياء أو مضطربون انفعاليًا.. وهناك من يتصور أنها كارثة أو مأساة عندما لا تسير الأشياء كما نريد، أو نتوقع لها، وينسى أن علينا المحاولة بكل جهدنا لتغيير الظروف أو ضبطها بحيث تكون الأشياء مقبولة.. ومن يتصور أن شقاءنا بسبب أشياء خارجية عنا أو بفعل آخرين.. مع أن جزءًا كبيرًا من مصيرنا نحكمه نحن بآرائنا وتصرفاتنا.. وفكرة أنه من السهل والأحسن أن نواجه مصاعب الحياة ومسئولياتها بالتجنب والانسحاب متخيلين أن المواجهة السريعة تؤدى إلى آثار سيئة.

وفكرة أنه لابد أن نكون قادرين على التحدى والمنافسة والتفوق والذكاء فى كل الجوانب الممكنة بدلًا من أنه يكون ممتعًا للنفس أن يكون الإنسان متمكنًا من شيء ما يتقنه ويستمد منه الإشباع وتحقيق الذات.. وتصور أننا نتصرف بطريقةٍ معينةٍ بسبب آثار سيئة فى تربيتنا فى الماضى، وإن الماضى قدرٌ لا فكاكا منه.. مع أننا مسئولون عما يصدر منا من تصرفات وأن الماضى يمكن تجنب آثاره السيئة إذا ما عدلنا وجهات نظرنا وتصرفاتنا.. وفكرة أن يشعر الإنسان بالتعاسة وبالحزن عندما يشعر الآخرون بذلك عندما تحيق بهم مشكلة أو كارثة، بدلا من أن يتمالك الإنسان نفسه إزاء مصائب الآخرين لأنه سيكون أكثر فائدة لهم مما كان لو كان كئيبًا أو مهزومًا مثلهم.. وتصور أن السعادة البشرية والنجاح أشياء يمكن الوصول إليها دون جهد بدلا من أنه على الإنسان أن يفعل شيئًا وأن يجاهد نفسه لخلق مصادر خاصة لسعادته وأنه بمقدار الجهد المبذول بمقدار ما تتحدد غاياته.. وتخيل أن هناك مصدرًا واحدًا للسعادة وأنها كارثة إذا ما أغلق هذا المصدر أو فقد بدلا من الفكرة أن الإنسان يستطيع أن يحقق سعادته من مصادر مختلفة وأن يبدل أهدافه بأهدافٍ أخرى إذا ما تطلب الأمر ذلك.

كارثة الأفكار المثالية السابقة أنها تُصبح إحدى سمات رؤيتنا للأشياء دون التفات حقيقى لزيفها ومجافاتها للحقيقة ولطبيعة الحياة.. ونستمر فيها فنقع فى الاختلالات النفسية، وإذا ترسخت فينا فمحال أن ننجو من اعتلال نفسياتنا وتتكدر حياتنا.. فلا سبيل من تغير العالم سوى بتغيير أنفسنا أولا حتى نكسب حياتنا ونتقدم خطوات للأمام ونتمتع بصحة نفسية وبسعادة حقيقية.

الخميس:

«المحبون فى نعيم»..!
ولا أغرب من تعبيرنا الشعبى القديم للدلالة على الحب واستعداد المحب للتضحية بنفسه لإثبات حبه حين يطلب من حبيبه طواعية وبالفم المليان: (أطعنى حتت.. وارمينى فى الزيت) أنها تضحية غالية لإظهار طاعة المحب لحبيبه واستعداده للبرهنة على حبه لمحبوبه بطلبه (بعضمة لسانه) أن يقطعه حتت ويرميه فى الزيت.. وبالطبع الزيت المغلى..! ولا أعرف لماذا ضاقت كل السبل أمام أعين الحبيب لإظهار مدى حبه وإخلاصه ولم يتبق أمامه غير هذه الطريقة المازوشية الأصلية التى تحمل فى طياتها تدريبا على ممارسة الإرهاب وتحمل أفظع أنواع العذاب وبيد من يحب..! ومع ذلك يطارحنى سؤال بالمناسبة.. هل يمكن أن يردد حبيبة أيامنا هذه نفس التعابير الشعبية الأصيلة بتاعة (أطعنى حتت.. وارمينى فى الزيت) للبرهنة والدلالة على طاعة المحب واستعداده للتضحية بنفسه فى سبيل الحب وبيد الحبيب..؟! أظن أن الكثيرين يشكون فى ذلك.. ويتسرب لهم عدم اليقين لو سمعوا حاليا من يردد التعبير الشعبى السابق وهو فى حالة حب وهيام لأنه سيحمل العديد من التفسيرات الخبيثة.. منها أن محب هذه الأيام يحاول خراب بيت حبيبه.. حيث وصلت أسعار الزيت أرقاما فلكية بالمقارنة إلى أسعارها وقت تدشين المحب القديم ذلك التعبير وإطلاقه للدلالة على طاعته للحبيب وتحمله أقسى ألوان العذاب فى سبيل رضاء المحب عنه..!

وبات معروفًا حاليًا وبالضرورة أنه لا يمكن للحبيب اختبار المحب بوضعه فى الزيت.. لأنه ببساطة سيكلفه ذلك أموالًا طائلًة بأسعار الزيت الحالية.. خاصة إذا كان المحب سمين حبتين يعنى من الأحجام الكبيرة.. معنى ذلك أنه سيحتاج إلى كميات وفيرة من الزيت.. وأكاد أجزم أن القدرة المالية والشرائية لأى حبيب (من بتوع اليومين دول) لا تسعفه لشراء كل هذا الكميات من الزيت لاختبار صدق المحب.. وإن كان البعض يرى فى حكاية (ارمينى فى الزيت) شذوذًا نفسيًا مما يطلق عليه فى الطب النفسى المازوشية.. وبالمناسبة المازوشية تعنى حب تعذيب النفس أو محاولة دفع الحبيب لتعذيب محبه بدنيا ونفسيا.. والغريب فعلا أن المحب يتلذذ بهذا التعذيب.. ولكن حاليا لا نقول مازوشية لدى الحبيب.. إنما نقول خبثا لدى المحب ويريد إفلاس حبيبه حتى لا يذهب لغيره..!

الاثنين:

عيش اللحظة
مازال البعض منا يعيش فى غيبوبة ويظن أننا نحيا فى العصور الوسطى.. فنراه بلا أدنى خجل مازال يبرطع فى أفكار تلك العصور وتخيلاتها ضاربا عرض الحائط بكل ما حدث من تقدم فى الأشياء والأفكار.. ويشكك وبلا أدنى تأنيب من ضمير فى أننا نحيا عصر العلم وإنجازاته التى تكاد تبهرنا يوميا ولا يعنيه أننا نتبوأ ومنذ فترة طويلة مقعد عواجيز الفرح فى عصر تدفق المعلومات.. ويتغافل عن التعامل الذكى مع التكنولوجيات الحديثة وزمن إلغاء المسافات بطريقة تدير الرءوس الثكلى بالتوهمات..!
ويصر هؤلاء البعض -وهم أصحاب أصوات عالية - على تبنى أفكار من عصور «ما قبل التفكير».. أفكار تعين على التأخر وتثبت أقدامنا فى ميدان التخلف.. فيبرهنون بلا معطيات على أن «عمل المرأة» وشغلها «حرام فى حرام» وأنها فكرة غربية شيطانية تحاول تحطيم الأسرة وتلهى المرأة عن أهم دور فى حياتها.. وظهورها فى الشوارع كبيرة من الكبائر.. وهذا ليس من عاداتنا الشرقية الأصيلة التى تصون المرأة فى المنزل وتبعدها عن كل شيطان رجيم..!

وكأن ما حدث فى الحياة من تطور وما تحاول أن تزرعه الأديان من عفة وما تستحث به الرجل من غض للبصر وإعلاء للفضيلة ليس له مردود مادامت المرأة تتبدى أمامه فى زينتها جهاراً نهاراً.. وكأن العفة مطلب لا يتحقق إلا بحبس المرأة فى المنزل.. لأنه ليس فى مقدرة الرجل التحكم فى انفعالاته وشهواته.. مع أنها صفات تتجلى فى المؤمن الصالح وكل إنسان متحضر.. وبذلك يكابرون فى قدرة الرجل على العفة ويؤكدون أن خروج المرأة للعمل هو ثالثة الأسافى ويتحايلون فى خطابهم المتلون المراوغ حسب الظروف والمتطلبات.

طب قل لى كيف نتعامل مع أفكارهم العجيبة مع ما أثبتته بعض الدراسات وقرأنا نتائجها على صفحات الجرائد توضح بكل شفافية أن 57% من الأسر التى تعيش فى المناطق الفقيرة تعتمد فى حياتها اليومية على المرأة من أجل العيش أى أن المرأة هى العائل الوحيد لمثل هذه الأسر.. أى لم تخرج المرأة فى مثل هذه الأسر من أجل فتنة الرجل.. ولا تملك رفاهية الجلوس بالمنزل حيث يأمرون وكأننا نعيش فى فراغ دون ظروف اجتماعية قاهرة تضطر المرأة للعمل فترتين وربما أكثر..! أظن أن هذه الدراسة التى تثبت أن عمل المرأة ليس للرفاهية ولا من باب التسرية عن النفس ليست الأولى كما أنها ليست الأخيرة التى تظهر أن المرأة تعول الكثير من الأسر لظروف متباينة أقلها ارتفاع أسعار كل شيء مما يضعف من قدرة الرجل فى إعاشة الأسرة بمفردة.. وحالات أخرى عديدة تدفع المرأة للعمل حتى تستطيع أن تأكل هى وأسرتها.. مثل حالات فقدان رب الأسرة الرجل أو غيابه لأى سبب وتركه كومة العيال فى رقبة زوجته التى تعمل من أجل إعاشة الأسرة.

نحن نفقد الكثير من مجهوداتنا الذهنية والعصبية فى قضايا تبدو لنا أنها ذات أهمية.. وهى فى الحقيقة قضايا عاشت فى أزمنة سحيقة وباتت قضايا من مخلفات الحضارة.. فتبدو صورتنا وكأننا محارب من العصور الوسطى يقف شاهرا سيفه فى وجه ترسانات نووية تسيطر على ساحة المعركة.. صدقنى ليس لنا مجال سوى العلم والعيش على أرض الواقع.. وشلها من دماغك وعيش اللحظة ربنا يسترها معانا ومعاك...!

من عجائبنا:
• المتسولون والباعة الجائلون بالمترو أكثر من مستقليه.
• شارع الجلاء ومستشفاه تم تضفيرهما بكل ما هو مخالف.
• عسكرى المرور لا يمثل سوى هيبة الدولة واحترام قوانينها.