أصل الحكاية

الدكتورة بنت الزبال

شكرى رشدى
شكرى رشدى

كنا عائلة مثل أى عائلة، نطبخ ونسهر ونضحك معاً.. ثلاثة أولاد وبنتان وأنا أكبرهم.. لم ينتبهوا لشطارتى وتفوقى فى المدرسة.. فقط لأنى «بنت الزبال».. فى الفصل، القليل منهم من كان يكلمنى والأغلبية كانوا يخجلون أن يجلسوا معى، أو يمكن كانوا يقرفون منى معتقدين أننا لا نتحمم وريحتى زبالة.. أبى كان عاملاً فى البلدية وكان بيتنا بسيطاً. لم نكن نأكل زبالة مثل ما كان يعتقدون.

تقول أستاذة طب الأعصاب الدكتورة رولا الأبيض «بنت الزبال»: هكذا كان اسمى بالمدرسة وشارع بيتنا وفى كل مكان.. نسوا اسمى وأصبحوا يطلقون علىّ «بنت الزبال».. عندما كنت صغيرة سألتنى المعلمة ما هو حلمك عندما تكبرين.. جاوبتها طالبة أخرى إحدى زميلاتى فى الفصل: «حلمها تلم الزبالة» وضحكوا كلهم علىّ ولكنى بكيت بحرقة.‏ ضمتنى معلمتى لصدرها وهمست بأذنى: لا تزعلى ‏ولا تخجلى من عمل والدك، ووالدى كان يعمل حارس عمارة ‏ويمسح سلالم البيت ويجمع الثياب القديمة ونلبسها ونفرح بيها كمان.. كونى قوية.. نعم سوف أكون قوية.. هكذا قررت. لن أضعف ولن أدع أحداً يضحك علىّ.. ‏علمت أخواتى أن يكونو أقوى منى.. علمتهم أنه يجب ألا نضعف ولا نسمح للزمن أن يكسرنا.. مرت سنون طويلة ونجحت بالمدرسة الثانوى وتفوقت ودخلت كلية الطب جامعة حلب.. تغير الوضع وأصبح الجميع ينادون: جاءت الدكتورة وذهبت الدكتورة.. شعرت أنى أطير فى السماء.. فرحت بنفسى وكأنى كسرت كل شىء.. جميع من ضحك علىّ، احتاجونى والله يعلم أنى لم أقصر بحق حدٍ منهم.. كبرت و كبر أخواتى. تغيرت الأحوال وأبى لم يعد فى حاجة إلى العمل: غيرنا منزلنا إلى منزل أكبر ونحن يد واحدة.. ‏أخوتى الشباب اثنان منهم مهندسان والثالث يدرس طب أسنان وأختى بكلية الصيدلة.. تزوجت وأصبحت أماً لولدين وأخواتى منهم من خاطب ومنهم المتزوج. الله يوفقهم ويسعدهم، ولكن مستحيل أن ننسى أنه بيوم من الأيام كان اسمنا «ولاد الزبال»!

كانت هذه الكلمة تذبح والدى أكثر منا ولكننا لم ننس فضله علينا وعمرنا ما خجلنا من عمله.. المهم ربانا على اللقمة الحلال.

علموا أولادكم الحب واحترام الغير وعدم التفرقه بين الغفير والوزير.