خارج النص

«مهنة» فى خطر.. تترقب وتنتظر!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

«الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر بداية الشفاء» هذه المقولة للعالم الطبيب، ابن سينا، لا تصلح فقط لتطبيقها على الأمور العلاجية التى نبغ فيها «الشيخ الرئيس»، ولكنها جديرة بالاستخدام فى تفسير العديد من المجالات، ومن بينها واقع مهنة الصحافة، التى تتحول إلى مهنة محفوفة بالمخاطر والتحديات، سواء الاقتصادية، أو المهنية، وتحتاج إلى الاطمئنان.

«الوهم» هو آخر ما تحتاجه مهنة الصحافة اليوم، فبينما تكابد «صاحبة الجلالة» للبقاء فى مكانها، والحفاظ على مكانتها، «يتوهم» البعض أن الأمر هين، وأن الجمهور لم يتغير، وأن أدوات ممارسة المهنة المستخدمة منذ عقود يمكن أن تستمر، بينما مهنة وصناعة الصحافة تعيش تحولات تعصف بكل ما عرفته على مدى قرون، وليس مجرد عقود.

الاطمئنان الذى تحتاجه مهنة وصناعة الصحافة اليوم، يعتمد على أبعاد متشابكة، بعضها سياسي، وأغلبها اقتصادى ومهنى بالأساس، فالمهنة والصناعة تحتاج إلى تضافر كل الجهود، لإعادة بناء منهج قائم على فكر علمى وإدراك للحقائق، يعرف كيف يعيد النظر فى رسالة الصحافة ودورها بما يتوافق مع متغيرات العصر، ويعين العاملين فيها على امتلاك أدوات جديدة تمكنهم من تحقيق هذه الرسالة وذلك الدور.

إحدى أدوات الإصلاح التى أراها ضرورية وواجبة فى هذه المرحلة الفارقة، هى اختيار كيان نقابى قوي، قادر على التعامل الفعال مع التحديات، والمواجهة الجادة لعوامل التراجع والانكماش التى باتت تضغط ومنذ سنوات عديدة على مهنة وصناعة الصحافة.

وبينما نخوض حاليا سباقا انتخابيا محتدما لاختيار نقيب جديد، ونصف أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، فإن «بلاط صاحبة الجلالة» يحتاج من جميع أبنائه جدية حقيقية فى دعم ومساندة البيت، الذى يُخشى أن تتداعى أركانه، بينما العديد من الصحفيين يخوض قتالا مريرا حول «تشطيب الواجهة»!!

نقابة الصحفيين، لا يهم أمرها فقط من يحملون بطاقتها، أو تتزين أوراقهم الرسمية بلقب «صحفي»، بل هى واحدة من أهم مؤسسات الدولة بمعناها الشامل..

الدولة التى تحمى وتصون الوطن، وتدافع عن مصالح الشعب، وبالتالى فإن الاختيار هنا وإن قام به الصحفيون، لكن تأثير الاختيار يهم -دون ريب- دوائر أوسع من الجمهور والنخب.

ما بعد 17 مارس، لن يكون كما قبله، فالاختيار هذه المرة يتعلق بتحديد جزء من مصير المهنة والصناعة، ولا أعتقد أن أسلوب «الألتراس» – مع كامل الاحترام لهم- هو ما نحتاجه فى هذه المرحلة الدقيقة!

من حق كل تيار سياسى وفكرى أن ينحاز لمن يمثله، لكن نقابة الصحفيين، كيان مهنى فى المقام الأول، رسالتها الدفاع عن أبناء المهنة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الفكرية، والتحديات التى تواجه المهنة لا تفرق بين يمين أو يسار، بل تعصف بالجميع، لذا ينبغى أن تكون المواجهة جماعية والاختيار مهنيا، يمنح الفرصة للمتعقلين من أصحاب المواقف المسئولة، لا أصحاب الشعارات والمواقف الجوفاء التى تسعى إلى كسب رضا صفحات السوشيال ميديا وتجار «اللايك والشير».

المسئولية كبيرة، والحمل ثقيل، وربما سننشغل يوم 17 مارس فى الاقتراع، وتهنئة من يفوز بثقة جموع الصحفيين، وأثق أن جميع المتنافسين لديهم رصيد وافر من الرغبة فى خدمة مهنتهم، لكن من سيحظى باختيار الجمعية العمومية، وبخاصة على مقعد النقيب، وفى مقدمة المترشحين له، الكاتب الصحفى خالد ميري، رئيس تحرير «الأخبار»، وصاحب العطاء النقابى المحمود، لن يكون أمامه وقت طويل للاحتفال، ففى اليوم التالى سيبدأ معركة بلا هوادة من أجل إنقاذ مهنة تستند إلى تاريخ عريق، لكنها تواجه حاضرا قاسيا، ومستقبلا تتنازعه الأنواء.

نعم .. المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، والبداية بأن نُحسن الاختيار.