إنها مصر

الطماع والنصاب

كرم جبر
كرم جبر

فى فيلم كركون فى الشارع، أصر بطل الفيلم "عادل إمام" أن يسلم أمواله إلى المقاول النصاب، الذى استولى على ملايين الجنيهات وهرب.. وقدم الفيلم المأساة بشكل كوميدي.


أما الكوميديا السوداء فقد حدثت فى منصة "هوج بول" وخلفت وراءها مآسى إنسانية تتكرر كثيرًا، ووراءها الطمع وغياب العقل.
فمن الذى يصدق أن ألف جنيه وديعة عند النصاب تعطى 4 دولارات كل يوم، أو أن 50 ألف جنيه تدر أبارحًا شهرية 6 آلاف جنيه؟
وأى تجارة فى الدنيا تمنح هذه الأرباح الهائلة، إلا إذا كانت المخدرات؟، ورغم ذلك يذهب الضحية بنفسه إلى النصاب ويعيطه أمواله طمعًا فى مكسب هو يعلم جيدًا أنه مستحيل أن يتحقق من التجارة.
مئات القضايا التى تتناولها وسائل الإعلام، والتحذيرات المستمرة من الوقوع فى شراك النصابين، وحتى الأفلام والمسلسلات عالجت الموضوع، ولم تترك صغيرة ولا كبيرة فى قصص الاحتيال والنصب إلا وكشفت عنها النقاب.
صراع بين طماع ونصاب، الأول يريد تحقيق عائد غير منطقى بدون عمل أو مجهود، والثانى يستثمر رغبة الطماع فى الكسب، ويسلب أمواله ويقدم له إغراءات فى البداية، حتى تحدث الكارثة.


والمشهد المعتاد هو الذهاب إلى أقسام الشرطة وتقديم البلاغات والبكاء المر على تحويشة العمر التى ضاعت، وأحيانًا يصاب الضحية بأزمة قلبية تؤدى إلى الوفاة، أو خراب البيوت والديون.
لم يتعظ أحد منذ شركات توظيف الأموال فى الثمانينيات التى مارست أكبر عملية نصب فى تاريخ المصريين، وخربت بيوتًا وأصابت ضحاياها بالشلل والأزمات القلبية، وضيعت شقى العمر والسنين، ويتكرر نفس السيناريو بأن يذهب الضحية إلى النصاب ويعطيه أمواله دون أى ضمانات أو مستندات.
ولن يكون "هوج بول" هو الأخير، وننتظر اليوم وغدًا وبعد غدٍ سقوط ضحايا آخرين، فى شباك نصابين يخترعون وسائل مختلفة ويقدمون إغراءات يسيل لها لعاب الطماعين وضعاف النفوس.
وقضايا النصب فى منتهى الصعوبة من حيث الإثبات وتعقب الجناة، خصوصًا إذا كانت الأعداد كبيرة والوسائل الاحتيالية مبتكرة وشديدة الدهاء، ولا ننسى أن تصفية أوضاع شركات توظيف الأموال استمرت أكثر من عشر سنوات، و"مات ناس وعاش ناس" من المودعين، وفى النهاية حصلوا على الفتات.
والسؤال هنا: كيف يستثمر الناس مدخراتهم البسيطة لتساعدهم فى تحمل تكاليف المعيشة؟


ليس أمامهم إلا البنوك التى تعطى فى الظروف الحالية فوائد معقولة، أفضل مليون مرة من ضياع الأموال، أما البورصة فلم تستطع حتى الآن أن تبتكر أوعية استثمارية تقدم أبارحًا معقولة وتجذب ملايين المودعين.


الطمع لن ينتهى والنصابون لن يتوبوا، وكل يوم نصاب جديد وضحايا جدد، وصراخ وبكاء وكوارث وأقسام شرطة ومحاكم ونيابات.
والحل: من يطمع فى كل شيء يخسر كل شيء.