مواجهة مصانع بير السلم.. تقنين أم غلق؟!

مصانع بير السلم
مصانع بير السلم

محمد طلعت

  انهيار عقارين في دمنهور ومصرع وإصابة العشرات خبر يمكن مر على كثير منا خلال الأيام الماضية، لكن أغلبنا لم يتوقف أمامه كثيرا، فالسبب أصبح واضح وضوح الشمس؛ وهو مصانع بير السلم التي أصبحت المصدر الأساسي لكل الكوارث والمآسي التي صارت ظاهرة خلال الفترة الأخيرة، فإذا لم يتسبب المصنع في حريق مدمر لوجوده في أماكن سكنية كما حدث، يسبب أمراضًا لمستهلكي منتجاته فهو يستخدم خامات رديئة لاتصلح للاستخدام الآدمي من الأساس، ولدينا في الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لمصنع بير سلم استخدم بودرة سيراميك في تصنيع أكياس النسكافيه لسنوات طويلة.

اكتشفنا أن تلك المصانع منتشرة بصورة كبيرة في أماكن كثيرة فلم يقتصر الأمر على مصنع أو اثنين من مصانع بير السلم بل أصبح أمرًا واقعًا على الأرض؛ فأكثر من ٤٠% من الاقتصاد المصري غير رسمي ولم يتم تقنينه رغم تحركات الدولة في الفترة الأخيرة لتقنين تلك المصانع من خلال موافقة مجلس الشيوخ على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تقنين أوضاع المنشآت الصناعية غير المرخص لها وهو الأمر الذي فتح الباب للحديث حول أهمية ذلك التقنين وهل سيحد من الحوادث والحرائق التي تسببها تلك المنشآت غير المرخصة ام سيصطدم ذلك القانون بالواقع على الأرض من انتشار منشآت بير السلم وعدم رغبة أصحابها في التقنين، في السطور التالية حاولنا مناقشة تلك المشكلة وسماع آراء الخبراء في حلها.

يقول الدكتور محمد عبد الخالق استاذ الاقتصاد إلى أن الدولة تحتاج حاليًا مع الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تؤثر علينا إلى كل ايدى عاملة تستطيع أن تنتج وتصنع، لذلك في مسألة المصانع العشوائية وغير المرخصة يجب أن يتم تقنينها ودمجها في الاقتصاد الرسمي لأسباب كثيرة أهمها؛ أن هذه المصانع غير الرسمية أو بير السلم كما يقال عليها وغيرها من الاستثمار غير الرسمي في الاقتصاد نسبتها كبيرة جدا وهذا يعتبر هدر لموارد الدولة إن ظلت بعيدا عن التقنين.
ويشير استاذ الاقتصاد؛ إلى أن نسبة الاقتصاد غير الرسمي الذي تمثله هذه المصانع وفقًا لتقديرات حكومية ما بين ٣٥- ٤٠% من الاقتصاد المصري ككل، أي أنه يدر تقريبًا حوالي 2,5 تريليون جنيه سنويا، وهذا يكون بعيدا عن رقابة وتقنين الدولة، لذلك إذا تم تقنين كل هذه المصانع والأعمال التي تمثل الاقتصاد غير الرسمي فإن ذلك سيسهم في انتعاش الاقتصاد المصري والأهم هو تقنين ذلك الأمر.
واكد استاذ الاقتصاد أن تصريح وزير الصناعة المهندس احمد سمير في مجلس الشيوخ قبل عدة أيام كان موفقًا وجيدا جدا عندما قال: إنهم محتاجين مراجعة اشتراطات التراخيص الخاصة بالمنشآت الصناعية معتبرا أنها ليست قرآن او انجيل بل يجب مراجعتها وتيسيير الاشتراطات الخاصة بها، فكلام الوزير يقول اننا سنعدل من بعض الاشياء التي كان بها بعض التزمت والبيروقراطية في تراخيص تلك المنشآت بما يسهم في عودتها مرة أخرى للاقتصاد الرسمي، فما نحتاج إليه في تلك الفترة هى المرونة الكافية التي تسهم في استمرار الأعمال وتنميتها لتعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع ككل.

أما احمد عبد الحميد الباحث الاقتصادي فيرى؛ أن تلك المنشآت الصناعية من الجيد أن يتم دمجها في الاقتصاد من خلال تعديل إجراءات الترخيص لكن لايجب أن يكون ذلك على حساب معايير السلامة والأمان أو الجودة فكثير من المصانع غير المرخصة أو بير السلم تعمل باستخدام خامات رديئة وتنتشر بصورة كبيرة في الأسواق وهم يكسبون بتلك الطريقة، فإذا دعتهم الدولة للتقنين، كيف ستكون معايير الجودة بين الطرفين فهذه المصانع تكسب من خلال الخامة الأقل جودة التي يستخدمونها فإذا كانت اشتراطات التراخيص اللازمة أعلى من قدرتهم لن يرخصوا، وعلى الناحية الأخرى إذا كانت مرونة اشتراطات التراخيص أكثر تساهلا سيعطي ذلك مؤشرًا سيئًا لأنهم سيستخدمون تلك الأنواع الرديئة في الخامات وبالتالي يمكن أن يقلدهم آخرون من المصانع المقننة، فإذا تساهلت بصورة كاملة قد تكون النتائج مضرة.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أنه يجب أن يتم مراعاة المرونة بالجودة أثناء تعديل تلك التراخيص لكن عاد وأكد أن الخطوة مهمة جدا لأنه وفقًا لإحصائيات غير رسمية؛ يصل الاقتصاد غير الرسمي ما بين ٥٥-٦٠% وهذه نسبة ضخمة يجب أن تصب في الاقتصاد الرسمي للدولة ولا يجب أن تترك بتلك الصورة.

عنصر الآمان
أما هشام محمود خبير الدفاع المدني والأمن الصناعي فيرى؛ أن كثيرًا من الحرائق التي وقعت وتقع في المنشآت الصناعية غير المرخصة أمر طبيعي؛ فهذه المصانع غير المرخصة ليس لديها أي عنصر أمان فليس هناك رقابة على مثل هذه الأماكن والتي تعمل أغلبها في أماكن سكنية لايجوز أن يتم ترخيصها لوجود تلك المنشآت داخل عمارات سكنية، أو أماكن يصعب السيطرة على حريق إذا نشب، وتؤدي لكوارث في نهاية الأمر؛ فاشتراطات الامان في مصانع بير السلم غير موجودة ولا اعرف كيف سيتم وضع اشتراطات جديدة لكي يتم تقنينها في الفترة المقبلة.

ونوه خبير الأمن الصناعي؛ إلى أن الدولة تعمل على نقل الاماكن الصناعية في أماكن بعيدة عن المناطق السكنية بالإضافة إلى زيادة إجراءات الامان الصناعي ومراجعتها كل فترة حتى لا يحدث شيء لكن تلك المنشآت غير المرخصة هى قنابل موقوتة وإذا استمر وجودها ستستمر الحرائق القاتلة، وفي حادث دمنهور الذي وقع من عدة أيام وادى لمصرع 6 أشخاص السبب فيه هو وجود مخزن لتعبئة أنابيب البوتاجاز داخل إحدى الشقق ولذلك عندما انفجرت أنبوبة كانت الكارثة التي أسقطت عمارتين وأدت لتشريد العشرات من الأهالي والسبب انتفاء عنصر الامان في المكان.

وأشار خبير الأمن الصناعي؛ إلى اننا حتى الآن لا توجد لدينا ثقافة مكافحة الحريق والوقاية منه علمًا بأن معظمها يقع بسبب الإهمال الشديد في إجراءات الأمن الصناعي والحماية المدنية، فكثير من الحرائق التي وقعت بسبب المصانع غير المرخصة وجدت قوات الحماية المدنية والمطافئ صعوبة بالغة في الوصول لمكان الحريق بسبب وجود المصنع أو المنشأة داخل أماكن لاتصلح لإقامة تلك المنشآت، فكثير منها مناطق عشوائية أو شعبية قديمة، لكن أصحاب تلك الأماكن يفتحون هناك حتى يكونوا بعيدا عن أعين الجهات المختصة، وفي تلك الأماكن لاتخبرني عن إجراءات امن صناعى أو حماية مدنية فلن تجد لديهم حتى طفاية حريق وإن وجدت لن تجدها صالحة للعمل.

مشكلة أخرى لا تشارك بها المنشآت غير المرخصة فقط ولكن ايضا المصانع والمنشآت الصناعية المرخصة كما يقول خبير الأمن الصناعي؛ ألا وهى الإهمال في صيانة أجهزة الإطفاء الموجودة في المنشآت الصناعية السليمة وهو خطأ قاتل، فبعض من أصحاب هذه المنشآت يفضلون عدم صيانة أجهزة الإطفاء لتوفير النفقات التي قد يتكلفها عمل الصيانة خاصة أنه يكلف أموالا كثيرة كل فترة من أجل إجراءات السلامة، وهؤلاء يقولون إنه إذا ما تم تحرير محضر لهم لعدم صيانة أجهزة الحماية المدنية الموجودة في المنشأة فسيكون مبلغ أقل بكثير من المبلغ الذي سيدفعوه إذا ما قاموا بعملية صيانة شاملة وبالتالي لا يفعلون شيئا ويتركون الإهمال يستمر ويشتد حتى يحدث ما لا تحمد عقباه.

ويضيف خبير الدفاع المدني والأمن الصناعي؛ أن هذه المنشآت تستغل عدم التفتيش المستمر من الجهات المعنية على أجهزة الحماية المدنية فيتجاهلون الأمر حتى تحدث الكارثة والخسائر تكون بالملايين في أوقات كثيرة، فيندم صاحب المنشأة ولكن بعد فوات الآوان، وقد يتعرض للسجن والغرامات المالية الضخمة إذا ما ثبت أنه مهمل، ومن الأمثلة المهمة التي لا يجب نسيانها هو عقار فيصل الذي روع أهالي المطنقة وعابرون للطريق الدائري أكثر من أسبوعين، فقد استمر في الاحتراق طوال هذه المدة حتى صدر القرار بهدم العقار، والذي كان هدمه حدثًا مشهودًا في ذلك الوقت، فقد أضاع شخص مهمل استغل بعض شقق العقار بالمخالفة للقانون مستقبل أكثر من 100 أسرة كانت تقيم في العقار.
كان الوضع كما تابعناه جميعًا مأساوي فالحريق الذي كان يسبب الرعب لكل من كان يقود على الدائري أو حتى للعقارات القريبة من العمارة المشتعلة لايحدث في أي مكان إلا هنا، فصاحب ذلك العقار استغل المكان اسوأ استغلال يمكن أن يفعله شخص لذلك كان جزاؤه صدور حكم بحبسه ٣ سنوات وغرامة ٨٠ مليون جنيه لاتهامه بتعريض حياة سكان ذلك العقار للخطر وإنشاء عقار دون الحصول على التراخيص اللازمة.

أضرار صحية
أما خبير السلامة والصحة المهنية مصطفى عبد الفتاح فيرى؛ أن العاملين في تلك المصانع غير الآدمية- من وجهة نظره- يعانون من عدم توفر اي اجراءات حماية ويعملون في بيئة أقل ما يقال عليها غير آدمية، فصاحب العمل يستطيع أن ينكل بالعامل ويطرده من العمل دون أن يكون هناك من يدافع عنه، فتلك المصانع تعمل بالمخالفة للقانون وبالتالي ليس هناك اي تأمين لذلك العامل وإذا حصل وأصيب أو حدث له أي مكروه يكون مصيره الشارع دون أي تعويض، فكيف سيتم إثبات عمل ذلك الشخص لدي صاحب ذلك المصنع أو المنشأة غير المرخصة لذلك يجب ترخيص تلك المنشآت كما تحاول أن تفعل الدولة حاليًا سيعود بالنفع الكامل على العاملين في تلك المنشآت حيث سيوفر لهم سندا قانونيا فأي عامل يحب أن يتم التأمين عليه ويعامل بصورة أفضل مما يعاملون في تلك الأماكن.

ويضيف خبير السلامة والصحة المهنية؛ أن الظروف التي يعمل فيها مثل هؤلاء العمال تكون غاية في السوء؛ فبعض تلك الأعمال تسبب أمراضًا لهم لأنهم يعملون في مواد رخيصة ودون وجود أي اشتراطات أمان أو صحية وهو الأمر الذي يصيب هؤلاء الأشخاص بأمراض، وليس العاملين فقط في تلك الأماكن غير الادمية من يصابون، ولكن ايضا المقيمين بجوار تلك المصانع في المنطقة السكنية التي يعملون فيها يمكن أن يصابوا بأمراض مختلفة مع اختلاف المواد الخام المستخدمة في تلك الصناعة وليس ذلك فقط بل يمكن أن تحدث حرائق كما نسمع ونشاهد كل فترة ويسقط ضحايا وخير دليل على ذلك ماحدث في دمنهور وسقوط ضحايا بسبب إقامتهم بجانب منشأة بئر سلم انفجرت فيها أنبوبة بوتاجاز فسببت كوارث ضخمة.

ويؤكد خبير السلامة والصحة المهنية أن كثيرا من مصانع بير السلم تنتج بضائع غير صالحة للاستخدام من الأساس وإذا عدنا للذاكرة قليلا قبل سنتين كانت هناك أزمة كبيرة في طفايات الحريق التالفة التي تباع في الاسواق وهى مغشوشة وتمت مناقشة الأمر على أعلى المستويات وفي مجلس النواب لنكتشف في النهاية أن تلك الطفايات كان يتم إنتاجها في بعض مصانع بير السلم تستخدم فيها بودرة مغشوشة مستغلين غياب الرقابة ويتم بيعها وهى غير مطابقة للمواصفات من الاساس بل في أحيان كثيرة تكون تالفة ومغشوشة وهى التي تسبب كوارث أكثر مما تفعله الحرائق، فرأينا في الأسواق نسبة كبيرة من طفايات الحريق المغشوشة التي صادرتها الأجهزة الأمنية من خلال حملاتها، وهو رقم كبير جدا في ذلك الوقت، وهو ما يخبرنا بكارثة وجود مصانع تغش السلع خاصة في ذلك الوقت وهو الأمر الذي يستلزم تدخل الدولة بكل قوة، لذلك مسألة تقنين تلك المصانع سيعمل على التزامهم بالحد الأدنى من الخامات الجيدة وسيكون هناك رقابة عليهم وهو الأمر المهم حفاظا على صحة المستهلكين لتلك السلع التي يتم إنتاجها في تلك المصانع، وسيكون على الدولة وهى تناقش الاشتراطات التي على أساسها سيتم تقنين هذه المنشآت الصناعية أن تضع في اعتبارها المستهلك أنه يجب أن يحصل على منتج جيد حتى ولو كانت هناك مرونة في أي إجراء لتقنين تلك المصانع.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ ٢/٣/٢٠٢٣

أقرأ أيضأ : «صناعة النواب» تستدعي هيئة سلامة الغذاء لمناقشة أزمة مصانع بير السلم