الطريق الوحيد لـ «العلاج بالفن»

التشكيل بالطين من أنواع العلاج بالفن
التشكيل بالطين من أنواع العلاج بالفن

العلاج بالفن واحد من أهم العلاجات التكميلية، ويدخل ضمن نطاق العلاج النفسى ليساعد الأشخاص على التعبير عمّا بداخلهم بحرية وبإبداع، فالفن لغة فريدة يتيح للإنسان إسقاط ما بداخله من مشاعر قد لا يستطيع التعبير عنها لفظيا، ووفقاً للجمعية الأمريكية للعلاج بالفن فإن هذا العلاج يستخدم التواصل غير اللفظى للتعبير عن المشاعر والأفكار.
وقد استطاعت جامعة حلوان أن تطرق أبواب العلاج بالفن الذى يعد واحدا من أحدث الأساليب العلاجية على مستوى العالم، خاصة بعد أن بدأ ينتشر فى مصر على عدة مستويات، ما يخلق مجالا لوجود العديد من المدعين للقيام بهذا النوع من العلاج، وللحد من ذلك يكون الحل الوحيد هو اعتماد شهادة رسمية للمعالجين عن طريق الالتحاق بدبلوم العلاج بالفن.
وتحدثت «آخرساعة» مع عدد من المختصين فى مجال علم النفس والعلاج بالنفس وعلى رأسهم عميد كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، لشرح كل ما يخص تقنيات العلاج بالفن وما يقدمه من طرق جديدة فى عالم العلاج النفسى.

يوضح الدكتور محمود حامد، عميد كلية التربية الفنية جامعة حلوان، أن دبلوم العلاج بالفن هو الطريق الرسمى الوحيد الموجود فى مصر بكليتنا للحصول على شهادة معتمدة للعلاج بالفن من المجلس الأعلى للجامعات، بشرط حضور الطلاب لمدة عام دراسى كامل وأن يكونوا من خريجى الكليات الفنية أو أقسام علم النفس بالكليات المختلفة وكذلك المتخصصين فى علم النفس من الأطباء، ويتم خلال الدبلوم دراسة المقررات التربوية الخاصة بعلم النفس المرتبط بالعلاج والتأهيل بالفن للفئات ذوى الاحتياجات النفسية الخاصة وكبار السن والفئات الأخرى التى تعانى من حالات أمراض نفسية محددة كالأطفال المشردين أو ممن يعانون من اكتئاب حاد وأيضا التوحد وكثير من الحالات المرتبطة بالمشاكل النفسية.

كما يتم الحصول على مقررات فنية تساعد المختصين على التعامل مع الفئات الخاصة حتى يكونوا على دراية كاملة بكيفية تشخيص القدرات الفنية التى تُنفذ ليساعدهم ذلك على تحديد المرض وطرق علاجه بدقة، وأشار إلى أن فئة المعالجين بالفن موجودة فى مصر منذ سنوات، لكنها فئة تعتمد على الممارسة بدون دراسة، لذا استطاع الدبلوم تحقيق المعادلة الصعبة وأصبح الخريجون مؤهلين لكيفية استخدام الفن بشكل صحيح، مؤكدا أن الكلية تقدمه منذ ما يقرب من 8 سنوات لكنه لم يكن يحظى بالشعبية الكافية، فكان الفصل الدراسى لا يتخطى الـ6 طلاب وحاليا أصبح لا يقل عن 50 طالبا مع تزايد الإقبال عليه سنويا، منوها إلى أن شهادة الدبلوم معتمدة بشكل أساسى من المجلس الأعلى للجامعات وتمنح الطالب تعريف «إخصائى علاج بالفن» أو إخصائى تأهيل بالفن.
وأكد د. محمود أنه للأسف الشديد انتشرت مجالات العلاج بالفن فى كثير من المراكز والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى توهم بأهمية الالتحاق بها للحصول على شهادة العلاج بالفن والعمل فورا بالمراكز والمستشفيات، لكنها شهادة غير معلوم مصدرها وغير معتمدة من جهات رسمية، لذا أحذر من الانخداع والانسياق وراء هذه الدعاية والتأكد أولا من الجهة التى تقدم الخدمة، وعلى المراكز التخصصية أيضا عدم قبول توظيف أى شخص متقدم للعمل بشهادة غير معتمدة وغير مختومة من المجلس الأعلى للجامعات حتى لا يقع فى فخ «النصب» ويتسبب فى أذى للمرضى.

أول خطوة
من جانبها توضح الدكتورة حنان الشهاوى، أستاذة علم النفس والمنسق المسئول عن برنامج دبلوم العلاج بالفن بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، أن العلاج بالفن بدأ منذ أربعينيات القرن الماضى على يد مارجريت نامبروج التى تعد أول سيدة لاحظت مدى أهمية الفن فى حياة الأطفال الذى بدوره يجعلهم يعبرون عن كل ما بداخلهم ببساطة، حينها بدأت تتعامل مع الفن على أنه ليس مجرد منتج إبداعى وإنما لغة ووسيلة تنفيسية للأطفال للتعبير عما يشعرون به، ولا يمكن أيضا أن نغفل الدور الفنى للمصرى القديم على مر العصور، فقد كان الفن والرسم والنقش من أهم اللغات التى يدوِّن بها أسرار حياته على الجدران والمعابد، وأيضا فى العصور الحجرية استطاع الإنسان أن يتحدث بلغة الرسم على الكهوف والأحجار، وكذلك فى أوقات الشدة والصعاب ظهر الرسم كوسيلة توثيقية لمراحل الانتصارات والهزيمة.

محطات!
وأوضحت أن ما سبق جعل التعامل مع الفن يحدث فى شكل لغة غير لفظية تناسب فئة كبيرة من الأشخاص، والعلاج به يكون شفاء للروح والجسد، فهو يمر بعدة مراحل أولها المرحلة التنفيسية ثم التحليل والتشخيص حتى يأتى دور العلاج، حيث يقوم المريض فى المرحلة الأولى بالتنفيس عن المكنونات الداخلية التى يشعر بها من خلال أنواع مختلفة من الفن، ثم يقوم المعالج بتحليل هذه الرموز عن طريق قرءاتها وفهمها وتحليلها مستعينا ببعض العناصر التى تم استخدامها مثل طريقة توزيع الألوان والعناصر والرموز المستخدمة فى التعبير ومعانى كلٍ منها وكذلك نوعية الألوان والمساحة التى تم تنفيذ العمل بها، وغيرها من العناصر الأخرى الذى يضع كلٌ منها مدلولا محددا يصل بالمعالج للتشخيص الصحيح ثم العلاج، مع العلم بأن المعالج يكون لديه دراية سابقة بحالة المريض عن طريق التقارير الطبية والتاريخ المرضى الذى يوضحه الطبيب النفسى المعالج للحالة، وبذلك تكون جميع جوانب الحالة مكتملة وبناء عليها يتم تحديد الجلسات العلاجية التى تصنع نوعا من القرب تجاه المريض تجعله يفصح بحرية عما يشعر به، مما يساعد على العلاج بشكل أسرع وأكثر فاعليه فضلا عن أنه يحد بنسبة كبيرة من الأدوية والعقاقير التى تؤخذ لتحسين الحالة النفسية.

ولأن الجسد والنفس مرتبطان ارتباطا شديدا، ففى أحيان كثيرة عندما يمرض الجسد تمرض معه النفس، وقد يحدث العكس، لذا فإن العلاج بالفن يدخل فى أشكال علاج أخرى تعرف باسم «العلاج الوظيفى بالفن» للمساعدة فى علاج كثير من الأمراض العضوية والوصول بها لنتائج جيدة، أو على الأقل يساهم فى تحسينها، فمن الناحية العلمية عندما تتحسن الصحة النفسية بالجسم يعمل ذلك على تقوية المناعة التى تقوم بدورها بمحاربة الأمراض والتسريع من عملية الشفاء.
كما يمكن أن يكون له دور فعلى فى العلاج، فعلى سبيل المثال: فى حالة المعاناة من ثِقل فى مفصل اليد أو الكتف، ولابد من ممارسة بعض التمارين بجانب جلسات علاج طبيعى، فيمكن ببساطة ممارسة الحركة بالرسم فى اتجاهات معينة لتقوية مفاصل اليد أولا ثم التركيز على تقوية أعصاب اليد من خلال القيام بأشياء أكثر دقة من خلال القص والتلوين وصنع المشغولات اليدوية والنحت.

الألوان.. دواء!
وكذلك العلاج بالألوان له دور كبير فى تقديم العلاج لكثير من الأمراض العضوية، فيعد اللونان الأخضر والأزرق من الألوان التى تعمل على تخفيض ضغط الدم وتخفيف حدة الاكتئاب والقلق والتوتر، نتيجة لإعطائهما إحساسا بالهدوء والراحة بمجرد النظر إليهما، بعكس اللون الأحمر الذى يعمل على ارتفاع ضغط الدم، وقد تم بالفعل مراعاة ذلك مؤخرا عند توزيع الألوان داخل المراكز الصحية والمستشفيات، فيلاحظ ارتداء بعض الأطباء البالطو باللون الأخضر بدلا من الأبيض، وخاصة فى أقسام القلب لما له من تأثير إيجابى على صحة المرضى.
كما يساعد العلاج بالفن والألوان على تقوية الذاكرة من خلال الرسم وتحديد تفاصيل بعينها، أو عن طريق إجراء برنامج مكون من عدة صور يتم عرضها ثم إخفاؤها والسؤال عنها فيما بعد لتنشيط الذاكرة.

الفئات المستهدفة
وتوضح د. حنان أن العلاج بالفن يتيح التعامل مع مختلف الفئات بدءا من الطفل الصغير والطفل ذى الإعاقة، المراهق، المسن، المريض النفسى فى المستفيات وأيضا المطلقات وكل من يعانى من مشكلة نفسية، وليس ذلك فحسب بل يمكن استخدامه أيضا فى شكل اختبار لتحليل قياس نسبة الذكاء للأطفال من عمر 3 ـ 15 عاما، من خلال عدة معايير تحدد بناءً على ما يُطلب من الطفل تنفيذه سواء كان ذلك من خلال الرسم أو التلوين أو القيام بأعمال فنية أخرى. هذا بالإضافة لإمكانية علاج العديد من المشكلات التى تواجه الأطفال مثل الانطواء والتوحد، حيث إن العلاج بالفن يساعدهم على المشاركة فى الأعمال الفنية المحببة لهم، وكذلك يعد علاجا هاما للمسنين الذين تراودهم كثيرا أفكار مزعجة عند الكبر كالخوف من الوحدة والانعزال والاكتئاب، فمن خلال الأعمال الفنية المتنوعة يمكن إخراجهم من حالة الاكتئاب وإشعارهم بأنهم مازلوا منتجين ويمكنهم العمل مرة أخرى، وقد يكون ذلك بداية مشروع صغير لهم يجعلهم يندمجون بشكل أو بآخر فى المجتمع.

مجالات العلاج
فى السياق، تقول الدكتورة هبة الضوى، استشارى الصحة النفسية والعلاج بالفن، إن أساس نجاح العلاج بالفن هو الاعتماد على تحليل الاختبارات النفسية والإسقاطية، حيث إنه يُستخدم لعلاج 5 فئات من المرضى، وهم مرضى أمراض الذهان «المرضى العقليون»، العُصاب «المرض العقلى والنفسي»، ذوو الاحتياجات الخاصة، المضادون للمجتمع وجنح الأحداث، الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية، ويتم القيام بالعلاج من خلال أنشطة فنية داخل الجلسة العلاجية لتغير من طبيعتها التقليدية فى شكل السؤال والجواب، ولا تشمل الأنشطة الرسم فقط، إنما تتنوع فى كثير من المجالات منها الموسيقى والسيكودراما والرقص والحركة والإيقاع ومسرحيات علاجية، بالإضافة للعديد من الخامات الفنية الأخرى التى تحتاج للعمل اليدوى كالنسيج والتصوير والرسم بالزيت والألوان المائية والطين الأسوانى والصلصال الملون والنحت والخزف وأيضا أعمال الجلود والخرز والحُلى.
ويتم من خلال الجلسة العمل بأىٍ من العناصر السابقة حسب ما تعانى منه الحالة كما يتم التنقل من مرحلة لأخرى لتفريغ الطاقة واكتشاف الحالة بشكل أوضح، لذا لابد أن يكون المعالج متخصصا فى علاج علم نفس بجانب التربية الفنية ليستطيع تحليل الشخصية بدقة خاصة أن أغلب الحالات تكون فى السن الصغيرة للأطفال.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 1/3/2023

اقرأ أيضا: «أنت مش لوحدك».. قافلة ثقافية لدعم أطفال 57357