الصوم الكبير.. الطريق إلى «الآلام» مفروش بأسابيع العبادات

البابا تواضروس
البابا تواضروس

حسن حافظ

بالصوم والصلوات والتراتيل والعبادات المكثفـــة، يســـتعد المسـيحيون المصــريون لاســــتقبال أســـبوع الآلام، أكـــبر الأعيــاد المســـيحية وأكــثرها قداســـة، إذ تحتفـــل الكنائس المصرية المختلفة بالصوم الكبير الذى انطلق فى 20 فبراير الماضى، ويستمر لمـــدة 55 يومًا، فى رحلة طويلة بحثا عن الاستعداد النفسى والروحانى للدخول فى أسبوع الآلام الذى ينتهى بعيد القيامة فى شهر أبريل، الذى يعد أكبر الأعياد المسيحية وأكثرها قداسة، فيتم الاقتصار على الأكل النباتى فقط فى تجربة روحانية مكثفة تشهد الكثير من العبادات والصلوات المختلفة طوال فترة الصوم.

ويعد الصوم الكبير من صوم الدرجة الأولى، أى يُمنع فيها أكل أى دسم من الحيوانات والطيور بما فى ذلك الأسماك، إذ تتميز أصوام الدرجة الأولى فى المسيحية بالامتناع الكامل عن تناول كل ما له روح، بينما يسمح فى أصوام الدرجة الثانية بتناول الأسماك، لذا يعد الصوم الكبير من أكثر أنواع الأصوام مشقة وتعبا، فهو تجربة روحية وجسمانية يخوضها المؤمن من أجل الوصول إلى مرحلة من الاستعداد النفسى لتفهم معاناة السيد المسيح وصولا إلى أسبوع الآلام ذروة الاحتفالات المسيحية، وتقسم فترة الصيام الممتدة إلى 55 يوما، إلى ثلاثة أقسام، الأسبوع الأول يعرف فى الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع الاستعداد، ثم يبدأ صيام الأربعين يوما، وبعدها أسبوع الآلام أو أسبوع الفصح الذى ينتهى بعيد القيامة.

7 أسابيع
ويتم تقسيم فترة الصوم الكبير إلى أسابيع وآحاد، فكل أسبوع يحمل اسما يعبر عن شكل الاحتفال وطقوسه خلال هذا الأسبوع، وتقسم الكنيسة الأرثوذكسية الصوم الكبير، بحسب كتاب (روحانية طقس القراءات فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية) للأنبا متاؤس، إلى سبعة أسابيع، بخلاف أسبوع البصخة (أسبوع الآلام)، ويبدأ كل أسبوع بيوم الاثنين وينتهى بيوم الأحد، وتدور قراءات الصوم الكبير على موضوع الجهاد الروحى، ويتم التركيز على هذه المعانى كل أسبوع من الاثنين إلى الجمعة وهى الأيام التى تصام انقطاعيا، بينما لا يصام السبت والأحد انقطاعيا لأنهما عيدان للرب، ولذلك تخصص قراءات تتعلق بالنعمة التى تفاض على المجاهد فى أيام السبوت والآحاد طوال فترة الصوم الكبير.
ويشير الأنبا متاؤس إلى أنه يطلق على كل أحد من آحاد الصوم الكبير اسم مخصوص بقراءات مخصوصة، ويأتى فى مقدمتها أحد الرفاع، الذى يعنى الترفع عن الشهوات الجسدية، ويتم التركيز فيه على شرح أركان العبادة المقبولة، من صدقة وصلاة وصوم، وتحرص الكنيسة على شرح أركان العبادة المقبولة وشروطها حتى تكون فترة الصوم قانونية ومقبولة، وهو يأتى فى أسبوع الاستعداد الذى تصومه الكنيسة الأرثوذكسية ولا تصومه الكنيسة الكاثوليكية.

الأحد الأول
ثم يبدأ الأحد الأول (أحد الكنوز)، الذى يركز على وصايا السيد المسيح بعدم الاكتناز، والتشجيع على الصدقة والعطاء والرأفة بالفقراء، ثم يأتى الأحد الثانى (أحد التجربة والنصرة)، الذى يتم فيه استعارة قصة انتصار السيد المسيح على إغواء إبليس، بشهوة الجسد وشهوة العيون، وتعظيم المعيشة، فكما انتصر السيد المسيح على أتباعه، الانتصار على شهوة النفس والجسد وكبح جماحها.
أما الأحد الثالث فيعرف باسم (أحد الابن الضال)، فيركز على موضوع التوبة، فكما ضل الابن وعرف الشقاء لما اتبع غواية الشيطان وعاش حياة نكدة، لكن لما رجع إلى نفسه وأناب قرر العودة إلى أبيه وقدم توبة صادقة، وهى قصة مذكورة فى إنجيل لوقا، فعلى كل مؤمن أن يتوب عن خطاياه ويحفظ لسانه ويعود إلى حظيرة الرب.

بينما يختص الأحد الرابع (أحد السامرية أو أحد النصف)، بتقديم نموذج أنثوى للتوبة، أما الأحد الخامس (أحد المخلع) فتدور قراءاته حول تشديد وتدعيم الإنجيل للمؤمن، وإنصاف الله للمظلومين، ثم يأتى الأحد السادس (أحد التناصير)، وسمى كذلك لأن الكنيسة اعتادت تعميد الموعوظين الداخلين إلى الإيمان فيه، ولا تزال هذه العادة جارية، إذ يفضل الكثيرون عمادة أبنائهم فى أحد التناصير، أما الأحد السابع فهو أحد الشعانين الذى يدخل ضمن أسبوع الآلام.
ومع انتهاء آحاد الصوم الكبير بأحد الشعانين، يبدأ الأخير أسبوع الآلام، فهو يوم الظفر الذى دخل فيه السيد المسيح أورشليم كملك مظفر وحوله التلاميذ والجموع، ثم يأتى يوم الاثنين (يوم السلطان) وهو اليوم الذى ظهر فيه سلطان السيد المسيح، ثم يوم الثلاثاء (يوم الصدام) وفيه بدأت احتكاكات اليهود بالسيد المسيح وتحفزهم ضده، لنصل إلى يوم الأربعاء (يوم التآمر)، وهو اليوم الذى تآمر فيه يهوذا مع اليهود لكى يسلم المسيح إليهم.
بعدها نصل إلى خميس العهد (يوم الوداع)، وفيه ألقى السيد المسيح بسر التناول على تلاميذه وألقى عليهم بخطابه الوداعى الأخير، لننتقل بعدها إلى الجمعة العظيمة (يوم الصلبوت)، الذى تتم فيه محاكمة السيد المسيح وصلبه بحسب الاعتقاد المسيحى، على جبل الجلجثة بالقرب من مدينة أورشليم، ثم يأتى سبت الفرح (سبت النور)، ثم نصل إلى عيد القيامة يوم الأحد نهاية أسبوع الآلام الذى تحتفل به كل الكنائس المسيحية وتعتبره أحد أكبر وأهم وأقدس أعيادها.

الخطة الأسبوعية
وألقى البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عظته الأسبوعية فى كنيسة السيدة العذراء والقديس الأنبا بيشوى بالمقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، الأربعاء الماضى، وركز فيها على أهمية فترة الصوم وقيمتها، وأشار البابا إلى أن الصوم الكبير يركز على «العين»، لذا سيتناول من خلاله سلسلة من العظات الأسبوعية تتحدث عن الأسرة المسيحية، بالتزامن مع أسابيع الصوم الكبير، يربط فيها بين «العين»، وموضوع كل أحد من آحاد الصوم وعلاقة هذا بالأسرة، وركز على معنى أن الأسرة هى كنز ممتلئ بكل المعانى والصفات التى يحتاجها الإنسان من النواحى الإنسانية والروحية، اتصالا بأحد الكنوز الأحد الأول فى الصوم الكبير، وأن الأسرة هى الدفء والشعور بالحماية والستر الدائم، وشدد على أن الأسرة هى نعمة يجب أن نصونها ونقدر قيمتها.

أيام مصرية
إذا أخذنا مفهوم البابا تواضروس عن الأسرة وطبقناه على مستوى الأسرة الأكبر، أى الأسرة المصرية، فسنجد سيمفونية بديعية إذ تتداخل فترات صيام المسلمين والمسيحيين هذا العام، فصيام شهر رمضان سيتزامن مع الجزء الأكبر من الصوم الكبير، وسنجد جميع البيوت المصرية تصوم معا فى مظاهر تعزز من حالة التضامن والتمازج بين عناصر الأمة، فالجميع بين صائم ومتعبد، يذهب المسيحى إلى الكنيسة لأداء طقوس وصلوات أيام الصوم الكبير، بينما يذهب أخوه المسلم إلى المسجد لأداء صلاة التراويح.
وستأتى على مصر أيام كلها أعياد، فالبداية ستكون مع عيد القيامة المجيد فى 16 أبريل المقبل، وبعده بيوم واحد يحل العيد القومى المصرى الذى يحتفل به جميع المصريين ألا وهو عيد شم النسيم، ثم بعدها بأيام قلائل يأتى الاحتفال بعيد الفطر المبارك فى 22 من الشهر ذاته، فى مشهد يرسم لوحة عن الخصوصية المصرية التى تكرسها هذه الأعياد المتلاحقة التى تشيع البهجة فى كل بيت بمصر، فيالها من أيام مباركة بروح المحبة تعيشها مصر وشعبها الطيب.