مهند عدلي يكتب| الاستثمار الأجنبي المباشر.. رؤية استراتيجية

مهند عدلي 
مهند عدلي 

من المسلم به أن الإعلان عن بدء تنفيذ الطروحات الحكومية بتوقيتات محددة وشركات محددة هو جزء من عمليات الانقاذ السريع التي تستهدف تحقيق جذب مباشر للاستثمارات الأجنبية لتحقيق وفورات دولاريه من ناحية ولتنفيذ سياسة تخارج الدولة من قطاعات معينة وفق الوثيقة المعلنة بشأن سياسة ملكية الدولة السابق اعلانه.

ومن المؤكد أن تنفيذ هذا البرنامج بالشكل المناسب وفي التوقيتات المناسبة سيحقق بالفعل الكثير من الأهداف ويخلق حالة من الانتعاش وضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد المصري.

لكن ذلك لا يعني الوصول لنهاية المطاف بل بالعكس يجب ان نفهم انها مجرد عملية انعاش او ان شئت الدقة فإنها عملية تكتيكية تحتاج إلى ان يصاحبها خطة استراتيجية طويلة الاجل لجذب استثمارات اجنبية فاعلة خاصة ويجب ان يكون لدينا رؤية بشأن نوعية هذه الاستثمارات المباشرة المطلوبة وأعتقد ان هذه الرؤية تتضمن عدة محاور.
 
أولا: أن تستهدف هذه الاستثمارات قطاعات تغطي احتياجات محلية لوقف نزيف العملة على العمليات الاستيرادية.

ثانيا: ان تتجه هذه الاستثمارات إلى القطاعات التي تمتلك فيها مصر ميزات نسبية مؤهلة للتصدير سواء الموقع الجغرافي او الموارد البشرية او مميزات قانونية وتشريعية.

ثالثا: أن تحقق عملية توطين تكنولوجي وتقني للعمليات التصنيعية بما يؤدي لزيادة القيمة المضافة من ناحية ويضمن تحقيق عناصر الاستدامة من ناحية ثانية. 

رابعا: المحور الرابع محور مهم ولكنه يظل تاليا لما سبق وهو تفضيل الصناعات والمشروعات كثيفة العمالة بما يساهم في توفير فرص عمل مستدامة بأجور مجزية لأن ذلك من شأنه ان يحقق توزيع جيد وغير مباشر لعوائد التنمية ويضمن في الوقت نفسه بيئة اجتماعية مناسبة وداعمة لهذا التوجه.

هذا النوع من الاستثمار الأجنبي المباشر هو المطلوب استراتيجيا لأنه الحل الوحيد المستدام لعلاج الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري وأهمها زيادة الفجوة بين الاستيراد والتصدير فمهما تعاظمت الموارد لن تستطيع القضاء على هذه الفجوة بالشكل الكافي وكافة القطاعات غير التصديرية يمكن ان تساهم بدرجة ما لكن الانتاج والتصدير هو الحل الحاسم والمستدام لهذا الاختلال الهيكلي والذي يعتبر أصل كل المشكلات التالية من ارتفاع أسعار الدولار إلى التضخم إلى البطالة إلى كافة المشكلات الاقتصادية الأخرى.

واعتقد أن نظرة مقارنة على أرقام الصادرات المصرية ستثبت بما لا يدع مجالا للشك صحة هذا التوجه بل أنه يكاد يكون هو الحل الوحيد والفعال فالصادرات المصرية ارتفعت بنسبة تقترب من 18% خلال 2022 حيث حققت 53.8 مليار دولار في مقابل 45.2 مليار دولار 2021 وذلك رغم كافة الظروف والتحديات الجارية في محيط الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي.

وبدراسة نسبة الزيادة نجد ان تحسن البيئة الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على الأسواق الخارجية ومردودها على الاقتصاد المصري من شأنه ان يرفع من معدلات زيادة الصادرات هذا بالإضافة إلى الهيكلية السريعة للبيئة التشريعية والقانونية  الحاكمة لمنظومة التصدير والجمارك هذان العنصران فقط يمكن ان يحققا وبشكل سريع قفزات هائلة في معدل نمو الصادرات وزيادة الحصيلة الدولارية بما يساهم في علاج الفجوة الدولارية بشكل مستدام ودون ضغوط هيكلية على الموازنة العامة.

ومع تنفيذ استراتيجية جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الصناعية الموجهة للتصدير من المأمول ان تودع مصر عصر العجز الدولاري للابد خاصة وان مقومات وإمكانيات الاقتصادي التصنيعي يمكن مع توافر العناصر الملائمة ان تضاعف صادرات مصر علي مدار السنوات الخمس القادمة وذلك بقياس مقارن لاقتصاديات متماثلة شكلا وموضوعا.