أبرزها «البرنامج القومي لأطفال وكبار بلا مأوى».. جهود حكومية لإنقاذ المشردين

المؤسسة نجحت فى إعادة ١٨٦١ مشرد لذويهم
المؤسسة نجحت فى إعادة ١٨٦١ مشرد لذويهم

أعد الملف: آية فؤاد - إيثار حمدي - ياسين صبري - ياسمين عبدالحميد - ندى البدوي 

لم تدخر الحكومة جهدًا في سبيل القضاء على ظاهرة التشرد، وتقديم يد العون لكل من تسببت ظروفه في ترك منزله واللجوء إلى الشارع، فقد وجهت القيادة السياسية بتوفير الدعم والحياة الكريمة لهم، ومن أهم البرامج التي وجهت لإنقاذهم «البرنامج القومى لأطفال وكبار بلا مأوى».

هذا البرنامج غير المسبوق الذى تنفذه وزارة التضامن الاجتماعي، جرى إطلاقه في عام 2017، ليكون أحد الجسور الهامة للحفاظ على الأطفال وكبار السن بلا مأوى، من خلال تمشيط الشوارع بحثًا عن المشردين، اعتمادًا على فرق إنقاذ كوَّنتها الوزارة للتعامل مع الحالات قبل إيداعهم مؤسسات الرعاية التي جُهِزت لاستقبال الأطفال والكبار ممن هم بلا مأوى.

وقد وضع البرنامج مجموعة من المحاور الرئيسية تقوم على تنسيق الجهود المتعلقة بالظاهرة على المستوى القومي، بحيث تأتى بنتائج إيجابية للحد من الظاهرة بتمويل قدره 164 مليون جنيه منها 114 مليون جنيه من «صندوق تحيا مصر»، و50 مليون جنيه من وزارة التضامن الاجتماعي.

«عاوزة أشوف بنتى»

لم تكن «ماما فريدة» تعلم أنها على موعد مع ابنتها عندما توجه إليها فريق الإنقاذ التابع لـ«معًا لإنقاذ الإنسان»، إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل تحت مظلة وزارة التضامن، حين كانت هذه السيدة بأحد شوارع وسط البلد، حيث اتخذت من أحد أرصفته ملاذًا لها لمدة 60 عامًا، حتى حاولت المؤسسة التدخل لإنقاذها وإقناعها بترك الشارع، إلا أنها كانت ترفض في كل مرة، مرددة عبارة واحدة: «عاوزة أشوف بنتي»، فلم يجد فريق الإنقاذ سوى حل واحد، هو إقناعها بأن ابنتها في انتظارها حتى توافق على الذهاب إلى المؤسسة، وتحظى بحياة أفضل كسيدة في العقد الثامن من عمرها.

وبالفعل، تمكّن الفريق من إنقاذ فريدة وإلحاقها بالمؤسسة التي وفرت لها كل أوجه الرعاية منذ اليوم الأول بداية من النظافة الشخصية، وإجراء التحاليل والكشف الطبي اللازم لها، إلى توفير الدعم النفسي والاستماع لها ولمشكلتها، حتى علمت الأخصائية النفسية أن «ماما فريدة» تعرضت لصدمة عندما قرّر زوجها الانفصال عنها وطردها وأخذ ابنتها الوحيدة منها، وحصلت منها على معلومات على أمل العثور على ابنتها. وبالتوجه لمكان سكنها القديم وجدوا فعلا ما لم يصدقوه.. وجدوا الابنة ولم تكن تصدق أن أمها على قيد الحياة، فقد كانت تظن أنها توفيت، وعند زيارتها لأمها لم يميز كل منهما ملامح الآخر، ولكن الأم ذكرت تفاصيل عائلية أعادت الذكريات بينهما، ونجحت المؤسسة في رجوع الحاجة فريدة لابنتها وأحفادها بعد 60 عامًا ليبدأوا حياة جديدة في أجواء يملؤها الدهشة والسعادة.

ولم تكن تلك هي الحالة الوحيدة التي نجحت المؤسسة في إنقاذها ورجوعها لعائلتها، حيث استهدف البرنامج منذ انطلاقه، جميع الأطفال والكبار بلا مأوى، من خلال 17 وحدة متنقلة تعمل على مستوى 14 محافظة هي الأكثر في ظاهرة التشرد، منها الجيزة والقاهرة والإسكندرية وأسيوط، بهدف الحد من ظاهرة الأطفال المشردين بالشوارع، في ظل تعاون الجهات الحكومية المختلفة لتحقيق ذلك، بجانب الدور الذى يلعبه القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.

ومن المقرر أن ينتقل البرنامج إلى إدارة الدفاع الاجتماعي داخل وزارة التضامن، لاستكمال جهود حماية الصغار والكبار بلا مأوى، والتعامل مع الحالات التي وصلت إلى 16617 طفلًا منذ عام 2017 وحتى 2021، منهم 5707 أطفال بلا مأوى، و8778 طفلًا عاملًا، و2134 طفلًا تم تأهيلهم داخل أسرهم، فقد أنقذت مؤسسة «معًا» بالتعاون مع الوزارة آلاف المشردين وأعادت 1861 منهم إلى ذويهم، بخلاف 300 مشردٍ يقيمون بفروع المؤسسة الخمسة، منها فرع الدقي الذى يضم 20 حالة تم إنقاذهم من الشارع وإلحاقهم بالمؤسسة لتوفير حياة آدمية لهم.

«مسنون بلا مأوى»
وزارت «آخر ساعة» نزلاء مؤسسة «معًا لإنقاذ إنسان» بمنطقة الدقي، حيث أكدوا أن المؤسسة هي منزلهم الأول، والعاملين بها هم عائلتهم بعدما فرقتهم الظروف عن ذويهم وحياتهم، ورغم أن معظمهم من كبار السن فإن البسمة لا تفارق وجوههم، وإن كانت تغيب للحظات عندما يتذكرون مأساتهم.. الغناء والمرح وتكوين الصداقات هي وسائلهم في التغلب على ما يشعرون به، والمضي قُدمًا في حياة جديدة أكثر دفئًا واستقرارًا عن حياة الشارع المليئة بالخوف والقلق والبرودة.
 
فاروق، رجل سبعيني، من أكثر النزلاء بشاشة، مصاب بمرض الزهايمر، كان يقيم بأحد المقاهي الشعبية في منطقة حدائق القبة. تم إنقاذه وإلحاقه بالمؤسسة بعد إقناعه ومحاولة السيطرة على شعوره الذى يتسم بالخوف، ونظرات القلق من الآخرين، وبعد استقراره بالمؤسسة حاولت الأخصائية الاجتماعية الوصول لأى معلومة تساعد في الوصول إلى ذويه، ولكن إصابته بالزهايمر حالت دون ذلك، لتحتضنه المؤسسة وتقدِّم له الرعاية اللازمة.

أما مدحت فكان يجلس ممسكًا بآلة العود.. يغنى وسط حماس زملائه نزلاء المؤسسة، فهو شاب في الأربعينيات من عمره، يحب الغناء وحباه الله بصوت جميل، صقله بدراسة الموسيقى، وكان ينعم بحياة هادئة، فهو الابن الوحيد بلا أشقاء، أحاطته أمه بالاهتمام والدلال فكان شديد التعلق بها، إلى أن توفاها الله  فأصيب بصدمة شديدة ترك على إثرها المنزل ولجأ إلى الشارع ليظل به 10 سنوات، حتى تدخل فريق «معًا» وتم إلحاقه بالمؤسسة وحظى برعاية كاملة، ومنها الجلسات النفسية التي ساعدت بشكل كبير في تحسن حالته، ومساعدته على تجاوز محنته.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ ٢٢/٢/٢٠٢٣

أقرأ أيضا: «التضامن»: 20 ألف طفل بلا مأوى يتركزون بـ10 محافظات| فيديو