خطر الزلزال المدمر يهدد 10 دول.. تقرير

محاولة إنقاذ طفلة من تحت أنقاض مبنى منهار إثر الزلزال فى ريف حلب
محاولة إنقاذ طفلة من تحت أنقاض مبنى منهار إثر الزلزال فى ريف حلب

دينا توفيق

هزات أرضية عنيفة استيقظت عليها تركيا وسوريا، وأعقبتها هزات ارتدادية قوية أخرى كان لها عواقب وخيمة، حيث قُتل الآلاف وأصيب آخرون جراء الزلزال المدمر، وتُرك كثيرون تحت الحطام والأنقاض ينتظرون مصيرهم.

أدى الزلزال والتوابع إلى إتلاف الطرق والمعابر الحدودية والبنية التحتية الحيوية، مما أعاق بشدة جهود الإغاثة، اختفت أحياء بعد أن دُمرت بالكامل وأخرى تصدعت وصمد القليل، أظهر الدمار الأخير فى تركيا وسوريا، أن الزلازل هى من بين أكثر الكوارث الطبيعية فتكًا ولا يمكن التنبؤ بها.

كان الزلزال الذى بلغت شدته 7.8 درجة بمقياس ريختر، الذى وقع بالقرب من مدينة غازى عنتاب، أحد أقوى الزلازل منذ قرن فى هذه المنطقة، وأعقبه العديد من الهزات الارتدادية؛ بما فى ذلك زلزال كان بقوة الأول تقريبًا. وتوضح هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية (USGS) أن ثلاثة زلازل فقط بمقياس أكبر من 6 درجات حدثت فى نطاق 250 كيلومترًا من هذا الموقع منذ عام 1970، لذا يعد حدث 6 فبراير أكبر بكثير من تلك التى شهدتها المنطقة من قبل. وفى تصريحاتها لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، قالت الدكتورة "كارمن سولانا"، خبيرة فى علم البراكين والتواصل بشأن المخاطر فى جامعة "بورتسموث" البريطانية إن هذه المنطقة لم يحدث بها زلزال كبير منذ أكثر من 200 عام أو لم تجد أى علامات تحذيرية عن احتمالية وقوع مثل هذه الهزات العنيفة، وبالتالى فإن مستوى التأهب كان أقل من المناطق التى كانت أكثر اعتيادًا على التعامل مع الهزات الأرضية.

ووفقًا لموقع "ناشيونال جيوجرافيك"، يصعب تخيل حدوث آلاف الزلازل كل يوم حول العالم، وعادة ما تكون فى شكل هزات صغيرة لا يشعر بها البشر. لكن فى كثير من الأحيان، يضرب زلزال كبير- مثل الذى ضرب جنوب تركيا وسوريا مؤخرًا - حيث أوضح العلماء لرويترز إنه من المرجح أن يكون أحد أكثر الزلازل دموية فى هذا العقد. وكان قد وقع فى 26 ديسمبر عام 2004، أحد أكبر الزلازل التى تم تسجيلها قبالة سواحل إندونيسيا، مما تسبب فى حدوث موجات مد عاتية اجتاحت مناطق بأكملها حول المحيط الهندى.

وأودى الزلزال حينها الذى بلغت قوته 9,1 درجة بحياة ما يقرب من 228 ألف شخص. كما تسبب زلزال آخر قوته 9 درجات قبالة سواحل اليابان عام 2011 فى أضرار واسعة النطاق وأعقبه موجات تسونامى. ما أدى إلى وقوع حادث كبير فى محطة فوكوشيما النووية على طول الساحل. وكان أقوى زلزال تم تسجيله هو الزلزال الذى بلغت قوته 9,5 درجة على مقياس ريختر الذى ضرب جنوب تشيلى عام 1960، وقتل زلزال فالديفيا - الذى سمى على اسم المدينة التى تعرضت لأكبر قدر من الضرر- ما يقرب من 1655 شخصًا وترك مليونى شخص بلا مأوى.

كما تسبب فى حدوث تسونامى بالمحيط الهادى وغمر السواحل فى اليابان وهاواى ونيوزيلندا. وفى المتوسط كل عام، يضرب زلزال قوته 8 درجات فى مكان ما، ويموت حوالى 10 آلاف شخص فى الزلازل سنويًا بسبب انهيار المبانى عليهم، ولكن غالبًا ما يتضاعف الدمار بسبب الانزلاقات الطينية أو الحرائق أو الفيضانات أو أمواج تسونامي. ويمكن أن تؤدى الهزات الصغيرة التى تحدث عادةً فى الأيام التالية لزلزال كبير إلى تعقيد جهود الإنقاذ وتسبب المزيد من الموت والدمار.

فيما أوضحت عالمة جيولوجيا الزلازل التركية التى تعيش فى كولورادو "إزجى كاراسوزين"، فى تصريحاتها لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قائلة "إن معظم علماء الزلازل يمتلكون قائمة مختصرة بالنقاط الساخنة فى العالم، التى يقلقون بشأنها".

هذه المخاوف صحيحة بشكل خاص فيما يسمى بـ"الفجوات الزلزالية"، وهى أجزاء نشطة تقع على امتداد الفالق لم تتعرض لزلازل كبيرة فى فترة طويلة من الزمن، لدرجة أن الناس ربما يكونون قد تخلوا عن حذرهم. بالنسبة لعلماء الأرض، فإن الكثير من الموت والدمار الناجمين عن الزلازل الكبيرة يمكن منعها من خلال ممارسات بناء أفضل. فيما يرى عالم الزلازل فى جامعة واشنطن "هارولد توبين" أن الميل البشرى للرغبة فى توقع مخاطر معينة قد يضع الآخرين عن غير قصد فى نقطة عمياء؛ لسنوات، كان العلماء يتنبأون بـ "هزة عنيفة" فى مكان ما على طول فالق "سان أندرياس" فى كاليفورنيا، وكانت هناك عدة زلازل بقوة 7 درجات فى ولاية كاليفورنيا منذ التسعينيات، ولكن ليس بسبب هذا الفالق.

وتُعد تركيا منطقة ساخنة نشطة زلزاليًا، ولسنوات كان حصل "فالق شمال الأناضول" على نصيب الأسد من الاهتمام العلمى؛ حيث وقعت الزلازل الكبيرة غربًا على طول الفالق، تاركة فجوة زلزالية واضحة تحت بحر مرمرة، بالقرب من إسطنبول، واحدة من أكثر المدن اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض. وبحساب العلماء عن احتمالية حدوث زلزال هائل هناك فى العقود القليلة القادمة، غالبًا ما يقولون إنها ستقع الكارثة.

ولكن على النقيض من ذلك، شهد "فالق شرق الأناضول" بعض الهزات التى بلغت قوتها 6 درجات خلال حقبة قصيرة نسبيًا من المراقبة الزلزالية الحديثة، التى بدأت فى الستينيات. وفى عام 2020، نشرت كاراسوزين وفريق من العلماء دراسة تفصيلية لزلزال قوته 6,8 درجة ناجم عن شق فى الفالق، كما سلطوا الضوء على الزلازل التاريخية على طولها فى أواخر القرن التاسع عشر. ويؤكد عالم الجيوفيزياء "مايكل ستيكلر" فى مرصد "لامونت دوهرتى الأرضى"  التابع لمدرسة كولومبيا للمناخ، على أن "بعض الأحيان يكون الزلزال أكبر مما تتوقع". وأشار إلى أنه فى "توهوكو" اليابانية، كان هناك توقع لزلزال بقوة 7 إلى 7,5 درجة، ولكن فى عام 2011 تسبب زلزال مميت بقوة 9 درجات فى حدوث تسونامى ودمار كبير.

وفى حين أن النشاط الزلزالى يمكن أن يضرب أى مكان فى العالم، فإن هذه البلدان تواجه عددًا غير متناسب من الزلازل. تواجه إيران، مثل جارتها الشمالية، تركيا، مخاطر التعرض متناسبة للزلازل، بأكثر من 600 هزة فى يناير وحده، وفقًا لصحيفة «US News»، حيث شهدت نهاية يناير زلزالا ضرب مدينة خوى الشمالية الغربية بلغت قوته 5,9 درجة، أدى إلى مقتل ثلاثة على الأقل وإصابة 816 شخصًا. كما تتقاطع باكستان مع مجموعة من خطوط الصدع الجيولوجى، ما يجعل البلاد عرضة للنشاط الزلزالى الأكثر خطورة. فيما تقع نيبال موطن جبال الهيمالايا، فى واحدة من أكثر المناطق نشاطًا لزلازل فى العالم. فى عام 2015، تسبب زلزال بقوة 7,8 درجة فى مقتل ما يقرب من 9 آلاف شخص.

ومع موقعها عند تقاطع الصفائح التكتونية الأوروبية الآسيوية والفلبينية والهندية، فإن الصين بها نشاط زلزالى عنيف، حيث يقع حوالى ثلث الزلازل المدمرة فى العالم فى البلاد، وفقًا للمرفق العالمى للحد من الكوارث والتعافى منها. وتسجل اليابان أكثر الزلازل عن أى مكان آخر فى العالم بسبب نشاطها الزلزالى العالى وشبكة الكشف الزلزالى الكثيفة، وفقًا للمسح الجيولوجى الأمريكى.

ومنذ بداية عام 2023، ضرب الفلبين ما يزيد عن 10 زلازل بقوة 5 درجات أو أعلى، وفقًا للمعهد الفلبينى لعلم البراكين والزلازل. ونظرًا لموقعها على الجزيرة، فإن الفلبين، مثل اليابان، تواجه خطرًا إضافيًا يتمثل فى موجات المد الناجمة عن الزلازل.

فيما شهدت الأشهر القليلة الماضية نشاطا زلزاليا ودمارا فى جميع أنحاء إندونيسيا. كل عام، تشهد الإكوادور ما يزيد عن 70 زلزالًا، معظمها على طول الساحل الغربى للبلاد، ما يجعلها تشكل تهديدًا كبيرًا بسبب الكثافة السكانية هناك مقارنة بالشرق.

وتختلف المناطق فى العالم التى يقلق العلماء بشأنها؛ مثل عالم جيولوجيا الزلازل "ويندى بوهون" فى ولاية ماريلاند، يولى اهتمامًا خاصًا لهايتى، حيث يمكن أن يكون للكثافة السكانية ومخاطر الزلازل والبناء الضعيف عواقب وخيمة، فقد تعرضت البلاد مرتين لزلزال كبير منذ عام 2010 وما زالت تتعافى. فيما يشعر ستيكلر بالقلق من وقوع زلزال كبير فى بنجلاديش المكتظة بالسكان.

وعلى الرغم من أن العلماء لا يستطيعون التنبؤ بالزلازل أو منعها، إلا أنهم يعرفون كيفية منع الوفيات؛ وهو ما يجعل رؤية هذه الأحداث فى أجزاء مختلفة من العالم أمرًا مؤلمًا للغاية. يمكن تجنب الخسائر فى الأرواح من خلال التخطيط للطوارئ والتعليم وبناء المبانى التى تتأرجح بدلاً من الانهيار تحت ضغط الزلزال.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ ١٥/٢/٢٠٢٣

اقرأ أيضا | «الوزراء»: لا صحة لتعرض مصر لموجة «تسونامي» وزلازل مدمرة الأيام المقبلة