«البنتاجون» يصارع «التنين» في 2025

أوكرانيا البداية.. والهيمنة للأقوى
أوكرانيا البداية.. والهيمنة للأقوى

دينا توفيق

كان رد فعل واشنطن هستيريًا على صعود بكين ومنافستها على قيادة العالم، ويمكن الآن أن يذهب الأمر إلى إشعال الولايات المتحدة حربا عالمية لمحاولة إنقاذ إمبراطوريتها فى جنوب شرق آسيا، كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكى السابق «فرانكلين روزفلت» بإعلانه الحرب على اليابان عقب الهجوم على قاعدة «بيرل هاربور» العسكرية، المقر الرئيسى للأسطول الأمريكى فى المحيط الهادى. ومؤخرًا، أعلن جنرال أمريكى كبير أن الحرب على تايوان يمكن أن تندلع فى غضون عامين؛ هل سيجد العالم نفسه فى مواجهة بؤرة اشتعال ثانية فى آسيا بعد أوكرانيا؟

خلال ثلاثة عقود، حققت الصين نموًا عشرة أضعاف فى الدخل وإنتاجية العمل، وزيادة ثلاثة عشر ضعفًا فى الناتج المحلى الإجمالى، ويرجع ذلك إلى السياسات الاقتصادية الكبيرة؛ حيث وضعت الحكومة الصينية الأسبقية للاقتصاد والتكنولوجيا لإنشاء اقتصاد شرق آسيا وربما كتلة أمنية لسحب الدول الآسيوية من اعتمادها على الغرب؛ كانت أولى خطواتها إنشاء البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية (AIIB)، الذى قدم قروضًا لدول جنوب شرق آسيا الأخرى غير الشروط التى وضعها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. وفى عام 2013، بدأت مبادرة الحزام والطريق (BRI)، التى استثمرت بشكل كبير فى مشاريع تطوير البنية التحتية فى العديد من البلدان لربط اقتصاداتها باقتصاد الصين، ما جعل الأخيرة تتفوق على الولايات المتحدة فى قدراتها العسكرية والتكنولوجية وزرع الحلفاء الإقليميين من خلال نهج القوة الناعمة ومبادرة الحزام والطريق.

ومنذ عام 2014، قامت الولايات المتحدة بمناورات عسكرية استفزازية، استعدادًا للحرب مع الصين، بينما بدأت فى محاولة حصار اقتصادى لمضيق ملقا ومن ثم تصعيد الحرب الاقتصادية. تعتمد الولايات المتحدة على شكل واحد من أشكال «التصدير» وهو «الحرب». ولعقود من الزمان، استخدم الغرب بقيادة الولايات المتحدة الحروب بالوكالة لإيذاء خصومه الجيوسياسيين. وفى حين أن معظم الخصوم لم يكونوا تهديدًا وجوديًا مباشرًا للولايات المتحدة وكانوا محدودى النطاق نسبيًا، إلا أن السنوات الأخيرة أحدثت تحولًا كبيرًا فى هذا النهج الاستراتيجى. لقد أصبحت واشنطن العاصمة الأكثر عدوانية من أى وقت مضى فى تاريخها، حيث هاجمت معاقل خصومها بشدة. وفى حالة روسيا والصين، فإن السبب الوحيد وراء عدم قيام واشنطن بمهاجمة أىٍ من القوتين العظميين بشكل مباشر هو قدرتهما على الرد الفورى.

ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة تأجيج الصراعات التى تدفع العالم أكثر نحو صراع عالمى آخر. أوكرانيا وتايوان هما المثالان الأبرز على استراتيجية الولايات المتحدة «للتصعيد المتسارع»، المصممة بوضوح للتسبب فى «اتخاذ قرارات غير عقلانية» فى كلٍ من موسكو وبكين، وفقًا لمؤسسة «راند» الأمريكية والممولة من البنتاجون. ومع وصول أوكرانيا إلى نقطة الغليان وإجبار روسيا على التدخل، فإن واشنطن مصممة على أن تفعل الشيء نفسه مع الصين فى تايوان. فى السنوات الأخيرة، حذر كبار المسئولين الأمريكيين، بمن فيهم العديد من القادة العسكريين، من «حتمية الحرب مع الصين»؛ وإذا لم ينتهِ الصراع فى أوكرانيا بالجنون النووى، فإن تايوان قد تفعل ذلك، وفقًا لموقع «إنفوبريكس».

ومع البيان الأخير الذى صدر فى شكل مذكرة من قبل جنرال «مايكل مينيهان» قائد قيادة الحركة الجوية الأمريكية، الذى توقع الحرب مع الصين عام 2025، وفقًا لوكالة NBC الإخبارية الأمريكية، لقد حدد أهدافه للتحضير، بما فى ذلك بناء «فريق مناورة قوة مشتركة محصن ومتكامل وجاهز للقتال والفوز داخل سلسلة الجزر الأولى.» المذكرة الموقعة موجهة إلى قادة العمليات فى القوات الجوية، وتطلب منهم إبلاغ مينيهان بحلول 28 فبراير الحالى عن جميع الجهود الرئيسية للتحضير للقتال الصينى. وقال مينيهان فى المذكرة إنه نظرًا لأن كلًا من تايوان والولايات المتحدة ستجريان انتخابات رئاسية فى عام 2024، فإن واشنطن ستكون «مشتتة»، وستتاح للرئيس الصينى «شى جين بينج» فرصة للتحرك فى تايوان.
ويوضح مينيهان السبب فى تصريحاته أن الصين «تصر على اتخاذ خطوة» ضد تايوان خلال العامين المقبلين، وأن هذا من شأنه أن يؤدى إلى رد عسكرى أمريكى مباشر.

فقد أمضت الصين عقودًا فى محاولة حل قضية تايوان سلميًا، لا سيما من خلال العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع الجزيرة، لكن الولايات المتحدة كانت تقوض هذه الجهود، خاصة فى السنوات الأخيرة. وتعرضت محاولات بكين لتحقيق إعادة توحيد سياسى سلمى مع تايوان لخطر شديد بسبب شحنات الأسلحة الأمريكية، حيث أنفقت تايبيه عشرات المليارات على الأسلحة، التى لم يتم تسليم معظمها حتى بسبب التركيز الأمريكى الحالى على أوكرانيا، وفقًا صحيفة «ذا هيل» الأمريكية. هذا بالإضافة إلى تشجيع واشنطن السياسيين الانفصاليين والعسكريين الأكثر تهورًا فى تايوان، تظهر الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس «جو بايدن» كما لو أنها تريد تحقيق نبوءتها بأن الحرب مع الصين أمر لا مفر منه. كما يبدو أن القادة فى واشنطن يستعدون لهذا الصراع ويضغطون على الحلفاء للانضمام إليها. فيما تحذر الصين واشنطن من إثارة طموحات استقلال إقليمها الجزيرة المنفصل. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لم تتجاهل هذا فقط، ولكن يبدو أنها تخطط بالفعل لحرب أخرى مع قوة عظمى أخرى؛ فمع تخصيص الكونجرس 858 مليار دولار للبنتاجون، فإنه وضع روسيا والصين فى مرمى النيران، وفقًا لتصريحات إدارة بايدن. توضح وثيقتان استراتيجيتان أمريكيتان هذا وتشرحان كيف تخطط واشنطن للتعامل معه؛ هما استراتيجية الأمن القومى 2022 ومراجعة الوضع النووى 2022، تذكران بلغة عدائية أن للولايات المتحدة الحق فى استخدام قنبلة نووية لغرض «ردع الهجمات الاستراتيجية»، أى ليس فقط الهجمات النووية، وفقًا للصحفى البلجيكى «ديرك نيميجيرس» وعضو جمعية الصداقة البلجيكية الصينية.
ومع تحديث واشنطن لترسانتها النووية، وانسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، يعنى القلق من قبل الصين وروسيا. هذا بالإضافة إلى اتفاقية «أوكوس» الأمنية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وانضمام الهند واليابان للاتفاقية موخرًا الذى وصفته بكين بأنه أمر غير مقبول وسيؤثر على الأوضاع بالمنطقة.

وتسير هذه الاستراتيجية العسكرية جنبًا إلى جنب مع الحرب الاقتصادية. حيث شن بايدن حربًا حقيقية على الصين؛ مع القيود على الصادرات كمحاولة لعرقلة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية للصين. فيما تنضم تايبيه أيضًا إلى التصعيد، مع إنشاء الشركات الكبرى مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة «TSMC» مصانع فى الولايات المتحدة فى محاولة لقطع التعاون بين جانبى مضيق تايوان.
وتبدو واشنطن مصممة على استخدام تايوان ضد الصين لأنها تستخدم أوكرانيا ضد روسيا، مهما كانت الاختلافات كبيرة بين الحرب التى تشن بالفعل وتلك التى يبدو أنها قيد الإعداد. يريد البيت الأبيض الاستثمار فى «المناورات الحربية والتدريبات واستمرار الوجود العسكرى الأمريكى». دعا مجلس النواب البحرية الأمريكية إلى دعوة تايوان إلى تدريبات عسكرية فى  المحيط الهادى 2024.

وفى ضوء مخاوفه بشأن الصين، وفقًا لما ذكره الكاتب الأمريكى «دان لاموث» بصحيفة «واشنطن بوست» سعى البنتاجون إلى توسيع الشراكات العسكرية مع شركاء راغبين فى جميع أنحاء المحيط الهادى؛ حيث كشفت الحكومتان الأمريكية واليابانية مؤخرًا عن أن وحدة مشاة البحرية فى جزيرة أوكيناوا اليابانية ستتم إعادة تشكيلها لتصبح قوة قادرة على مهاجمة الجزر فى المنطقة وتوجيه الصواريخ بعيدة المدى ضد الخصوم.
وفى عام 2022، نشرت وسائل الإعلام الدعائية الحربية للشركات تحذيرات من غزو وشيك لتايوان. مثل مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية التى كان عنوانها فى أغسطس الماضى مثيرا للقلق «على أمريكا أن تستعد للحرب على تايوان». وتزامن معها عنوان الصحيفة الأمريكية «وول ستريت جورنال» الذى جاء «الحرب القادمة على تايوان». وفى أبريل من نفس العام، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية «كيفية ردع الصين عن مهاجمة تايوان»، واقترحت أن تايوان يمكن أن تتعلم دروسًا من أوكرانيا كما لو أن نظام الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكي» يربح الحرب.

ومع تصعيد واشنطن وتايبيه استعداداتهما للحرب، ستبذل بكين قصارى جهدها لعدم الوقوع فى فخ سباق التسلح. ومع ذلك، لن تتخلى الصين أبدًا عن طموحها فى إعادة توحيد تايوان وستختار ممارسة الضغط على تايوان باستخدام مجموعة من الأساليب لتعزيز هذا التوحيد، وقد تطلق المزيد من السياسات التفضيلية وتحاول بدء مناقشة حول إطار عمل «دولة واحدة ونظامان» مع الأحزاب الحاكمة والمعارضة فى تايوان». ووفقًا للصحفى البلجيكى نيميجيرس «على المجتمع الدولى تجنب مثل هذه الحرب بأى ثمن؛ فالحرب فى أوكرانيا، مهما كانت مروعة، فهى لعبة مقارنة بما قد ينتظر العالم فى حرب على تايوان»

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ ٨ /٢ /٢٠٢٣

أقرأ أيضأ : بعد واقعة المنطاد.. واشنطن تفرض قيودًا على 6 شركات صينية