سُكر مُر| أطفال مرض السكري يحاربون آلام الوخز بسلاح الأمل

أطفال مدام إيمان
أطفال مدام إيمان

«طه» لا يجد أطباء غدد صماء في الوادي الجديد

«إيمان» لديها 4 فتيات تعانين من نوع نادر

 

وقف عبد الله أمام المرآة يسأل عن هويته، لم يعد هذا وجهه الذى ألفه طيلة 9 سنوات، وجسده صار نحيلًا لا يقوى على اللعب أو اللهو ولم يعتد على البكاء، تساؤلات امتزجت مع الإرهاق الذى أصبح ضيفًا غير مرحب به وعلى الرغم من ذلك مقيمًا لا يترك الصغير، الحال تبدلت على النقيض، فقد كان عبد الله لا يكل أو يمل من الاستيقاظ باكرًا للإلتحاق بمدرسته بنشاط ويستذكر دروسه وواجباته بكل تركيز، وبدلًا من ذلك تحول جدوله اليومى من المدرسة إلى المستشفى لأخذ عينات وإجراء تحاليل، حتى اكتشفت أسرته إصابته بمرض السكرى من النوع الأول.

عبد الله ليس الطفل الوحيد المصاب بالسكرى فى مصر، فهو واحد ضمن أكثر من 50 ألف طفل مسجل ضمن برنامج الرعاية الصحية للأطفال المصاحبين للسكرى حسب تصريحات الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة لعام 2022، وبحسب آخر إحصاء لاتحاد السكر الفيدرالى العالمي، فإن مصر تحتل المركز العاشر على مستوى دول العالم فى إصابة الأطفال والبالغين بمرض السكرى من النوع الأول ويوجد بها 175 ألف مصاب.


تخصص خارج الخدمة
طه بشندي، والد عبد الله، من مركز ومدينة بلاط محافظة الوادى الجديد، يبلغ من العمر 43 عامًا، لم يكن يعرف الكثير عن مرض السكرى لدى الأطفال من النوع الأول وكذلك عانى رحلة طويلة لإيجاد مستشفى أو طبيب لتشخيص حالة ابنه الأكبر.

خاصة مع عدم توفر تخصص السكر والغدد الصماء فى محافظته بأكملها بالإضافة إلى أن بين كل مستشفى والآخر مسافات كبيرة جدًا لا تقل عن ساعتين أو ثلاث ساعات بالسيارة والمستشفى المتواجد بمركز «بلاط» صغير للغاية ولا يوجد به الكثير من التخصصات، وأقرب محافظة يتواجد بها أطباء للسكر والغدد الصماء هى أسيوط أو لن يجد أمامه سوى الذهاب للقاهرة.


يقول طه بشندى والد عبد الله، إنه بمجرد ملاحظة أعراض الضعف وكثرة التبول وشحوب الوجه لدى ابنه وكذلك إصابته بالدوار وضعف التركيز أخذ يبحث عن مستشفى أو طبيب لتشخيص الحالة فاضطر للذهاب إلى المستشفى المركزى التى تبعد 35 كم عن منزله.

فالمتوافر فى قريته ومحافظته بأكملها أطباء «الباطنة» أما تخصص السكر والغدد الصماء فلا يوجد، ونصحه الأطباء بالذهاب إلى أسيوط أو القاهرة لمتابعة حالة ابنته، ففضل محافظة القاهرة خاصة لوجود بعض أقربائه فيها مما ساعده على الإقامة المؤقتة حتى يتم تشخيص حالة ابنه والتأكد من إصابته بالسكرى بالفعل من خلال إجراء تحليل السكر التراكمى والذى بدوره أكد ارتفاعه كثيرًا عن النسبة الطبيعية.


وفى مستشفى أبو الريش القابعة بمحافظة القاهرة لاقى عبد الله وذووه رعاية جيدة بل وتم حجزه مع والدته فى المستشفى لتلقى الرعاية وكذلك لتعليم الأم كيفية التعامل مع ابنها وقياس السكر والحقن المطلوبة فيقول طه: «كانت معاملة محترمة جدا نتمنى نلاقى زيها فى محافظتنا لأن فيه ناس بتتبهدل فى السفر هى وولادها عشان يلاقوا رعاية طبية خاصة المصابين بالسكر كبار وصغار».


وطالب طه أثناء حديثه ل «الأخبار» المسئولين فى الدولة بتوفير جهاز لقياس السكر بدون وخز خاصة أنه سيوفر الكثير من ثمن شرائط قياس السكر وكذلك فهو بمثابة رحمة للأطفال من آلام الوخز المستمرة وآثاره على جلودهم الناعمة التى لا تتحمل ما يقرب من (8-10) مرات خلال اليوم أو ما يزيد على ذلك إذا استدعى الأمر.

وكذلك يرى أن المضخات على الرغم من ارتفاع سعرها إلا أنها ضرورة ملحة لبعض الحالات المصابة والتى تعانى ارتفاعا وانخفاضا مستمرا وتدهورا وسوء حالتها الصحية نتيجة لذلك.


توابع مدمرة
أربع فتيات فى عمر الزهور أكبرهن مريم تبلغ من العمر 15 عامًا، وأصغرهن مى صاحبة الست سنوات، لم يكن هناك أى مؤشر على إصابتهن بأى مرض حتى مع ولادتهن أجرين الكثير من التحاليل التى أثبتت عدم إصابة أى منهم بأمراض مزمنة لكن الحال تبدلت عندما بدأت والدتهن مدام إيمان على ملاحظة بعض التغيرات على ابنتها الصغرى عندما بلغت عاما واحدا.


بدأت إيمان رحلة شاقة مع صغيراتها حين أصيبت «مي» بنزلة معوية حادة وهبوط وظهر عليها علامات واضحة لنزول الوزن، وشخصها فى البداية بعض الأطباء على أنها حالة جفاف أو ضعف لكن سرعان ما اكتشفت مع ظهور نتائج التحاليل إصابة ابنتها بالسكرى من النوع الأول.

وكتب لها الأطباء على جرعات من الأنسولين تناسب عمرها الصغير إلا أن نسبة السكر بدأت فى الانخفاض بشكل حاد فى الدم الأمر الذى وصل بها إلى الدخول فى غيبوبة سكر، وأصبحت تعانى نوبات من الارتفاع والانخفاض غير معلومة السبب حتى أوقفت الأنسولين تمامًا.

بعد عدة أشهر تكرر نفس الأمر مع ابنتها مرام صاحبة التسعة أعوام، ولكن فى هذه الأثناء عانت مريم تدهورًا كبيرًا فى عينيها بسبب نوبات الارتفاع والانخفاض للدرجة التى أجبرتها على إجراء 3 عمليات جراحية بالعينين، ونفس الأمر تكرر مع ابنتها منة البالغة من العمر 12 عامًا وكذلك الابنة الكبرى مريم.


تقول «إيمان علي» والدة الفتيات من محافظة الجيزة ل«الأخبار» إن الفتيات تم حجزهن فى مستشفى أبو الريش للأطفال ومن ثم مستشفى الدمرداش والذى يتابع حالة الفتيات لكن لم يتم تشخيصهن بعد.

وأرجع بعض الأطباء وجود خلل فى عمل البنكرياس وذلك لوجود خلل جيني، لكن لا يوجد حتى الآن تشخيص واضح يمكنهم من التعامل مع نوبات انخفاض وارتفاع نسبة السكر فى الدم والتى بدورها تؤدى مع التكرار إلى تدهور فى حالتهن الصحية.

لكن تلتزم والدتهن بنظام غذائى عبارة عن وجبة كل ثلاث ساعات وأنواع معينة من النشويات المعقدة، وكذلك قياس السكر بشكل منتظم.


وناشدت إيمان الدولة المصرية بتوفير جهاز القياس بدون وخز لتوفير استهلاك شرائط الأنسولين ورحمة للأطفال من معاناة الوخز المستمرة وحفاظًا على حياتهن من التدهور.
«بقالنا 5 سنين متبهدلين محدش عارف يشخص حالة بناتى والسكر بيأثر على الإدراك ومعدلات الذكاء» بصوت يملؤه الشجن خرجت تلك الكلمات من فم والدة الفتيات المصابات خاصة مع رؤيتها لهن فى حالة خمول وإجهاد تمنعهن من اللعب واللهو مثل زملائهن.

وكذلك عدم قدرتها على ملازمتهن جميعًا فى الدروس والتحركات المستمرة خاصة ابنتها الكبرى فى المرحلة الثانوية، ورغم ذلك تؤمن أن لكل شيء سببا، ونصف العلاج السليم يكمن فى التشخيص السليم، وتتمنى أن يتمكن أى طبيب من تشخيص حالة الفتيات لإعطائهن العلاج المناسب.


«حياتى كلها متعلقة برقم بينزل ويطلع على الشاشة» كلمات عبر بها ماريو مجدى صاحب الأربعة عشر عامًا عن الحالة التى يعيشها جميع الأطفال المصابين بمرض السكري، بدأ رحلة المعاناة منذ أن كان عمره 9 سنوات حين أصيب بجلطة فى الوريد البابى فى الكبد والتى كانت من توابعها بحسب ما أفاد الأطباء المعالجون أنها أثرت على عمل البنكرياس، لكنه تحلى بالقوة وأصبح يشجع غيره من الأطفال على التحلى بالصبر والإيمان والإلتزام بالعلاج حتى يتمكنوا من التعايش مع المرض.

وأضاف ماريو أن هناك نقصا عاما فى الوعى بمرض السكرى والمعرفة بأعراضه والتعامل معه ويروى مثال على ذلك أنه كان حاضرًا لإحدى الحفلات مع أصدقائه ولكنه ابتعد عن تناول الحلوى والسكريات وكذلك بعض المأكولات التى تحوى نسبة مرتفعة من النشويات إلا أنه اندهش من ردود أفعال أقرانه من ذلك الامتناع فهم لا يعرفون من الأساس ما هو مرض السكري.


وطالب ماريو بتوفير مضخة الأنسولين والتى تعمل على تحديد نسبة الارتفاع والهبوط للسكر فى الدم وضخ نسبة ملائمة منه بشكل فورى فهى بمثابة بنكرياس صناعى بالإضافة إلى جهاز القياس بدون وخز.


الإهمال خطر
تؤكد د. شيرين عبد الغفار، أستاذ طب الأطفال واستشارى السكر والغدد الصماء بجامعة القاهرة مستشفى أبو الريش، فتقول إن معظم أعراض مرض السكرى يمكن السيطرة عليها إذا تم الانتظام على نظام غذائى سليم وتناول العلاج المناسب والمتابعة المستمرة لقياس نسبة السكر فى الدم، وتكمن خطورته فى المضاعفات عند إهمال المصاب لذلك.


وتضيف أستاذ طب الأطفال واستشارى السكر أن عدم انتظام نسبة السكر فى الدم يصيب كل الأوعية الدموية فلو أصاب العين يصيبها بالعمى وكذلك قد يسبب القدم السكرى وكذلك قد يصيب بالفشل الكلوى والجلطات.

لذلك لابد من المتابعة الدورية والانتظام على العلاج الموصوف من الطبيب، مشيرة إلى أن النوع الأول من السكرى هو ما يصيب الأطفال أما النوع الثانى فيبدأ مع عمر المراهقة.
وتوضح د. شيرين أنه لابد من توفير قاعدة بيانات إلكترونية لجميع الأطفال والبالغين المصابين بمرض السكرى وليس المسجلين على التأمين الصحى فقط لأن ذلك ييسر التعامل مع الأعداد والتعرف على توابعه وتوفير الاحتياجات اللازمة للمرضى والتغلب على أى نقاط ضعف فى المنظومة الصحية بل وتسهيل إجراء دراسات للتعرف على أسباب انتشار الإصابات للتغلب عليها.


وتتراوح مستويات السكر فى الدم لدى الأطفال الأصحاء بين 70 و120 مجم : ديسيلتر، ومن الطبيعى أن تتقلب نسبة السكر فى دم طفلك فى هذا النطاق، يكون سكر الدم عادة أعلى بعد تناول الوجبة عن قبلها وقد ينخفض بعد التمارين حال القيام بها.


قرارات منتظرة
تقول شيماء العدوي، مؤسس مبادرة «أطفالنا والسكر- اسمعني»، إن التأمين الصحى يصرف جهاز قياس السكر فى الدم والشرائط مجانا، والأنسولين يتم توفير بعض من أنواعه بشكل مدعم وبعضها مجانًا، لكن كل هذا يكون من عمر يوم واحد وحتى 18 عامًا، وأن إدارة مجموعة أطفالنا والسكر.

سبق وتحدثت مع د. هالة زايد، وزيرة الصحة السابقة لتوفير بعض أنواع الأنسولين التى لم تكن متوافرة من قبل وكذلك توفير 4 علب شرائط قياس السكر للفرد الواحد بدلًا من واحدة وذلك عام 2019 وبالفعل تم توفيرها فى التأمين الصحي.

لكن هناك معاناة مع عدم انتظام مواعيد الصرف وهناك من ينتظر بضعة أشهر دون صرف لها خاصة فى الصعيد، فنحن أمام قرارات جيدة «على الورق».


وتضيف العدوى أن هناك مشكلة أخرى تقابل بعض المرضى وهى صرف نوع بديل للأنسولين الأصلى بالتالى يواجه المريض صعوبة لأن «الخرطوشة» غير مناسبة للقلم المستخدم للمريض فيضطر إلى استخدام السرنجة.

والتى تسبب ألما للأطفال وزرقة فى الجلد وتورما، فيضطر بعض أولياء الأمور على السوشيال ميديا تبديل بعض الأنواع بأنواع أخرى مناسبة لهم على نظام «المقايضة» المناسب لأبنائهم.

اقرأ ايضاً | برلماني يطالب الحكومة بالانتهاء من قانون الرعاية البديلة تنفيذاً للتكليفات الرئاسية

نقلا عن صحيفة الاخبار : 

202302012