البابا تواضروس الثاني يكتب: سنوات من المحبة لله والوطن

البابا تواضروس الثانى: سنوات من المحبة لله والوطن
البابا تواضروس الثانى: سنوات من المحبة لله والوطن

تفردت مصر بالكثير من الخصوصيات التى ميزتها عن غيرها، قد تجد بعض الفرضيات يمكن تطبيقها على عدة دول فى إقليم ما، تجمع سكانه تركيبة وطبيعة عرقية ودينية ولغوية واحدة، باستثناء مصر، تبقى وحدها حالة متفردة لا مثيل لها.

وباستثناء فى كل شىء ومن ذلك تركيبتها الدينية، التى توزعت فى القرون الأخيرة بين مسلمين ومسيحيين ويهود، ولأسباب ليس هذا وقت ذكرها لم يعد بيننا من المصريين من يدينون باليهودية إلا أقل من أصابع اليد الواحدة.

ورغم ذلك فلا أحد يعتبر مسيحيى مصر (أقلية)، ولا تستخدم هذه المفردة، سواء من قبل المسلمين أنفسهم أو من قبل المسيحيين الذين يتجاورون ويتعايشون، ويقتسمون الأحلام والأمانى ويواجهون نفس الصعوبات والتحديات مع أشقائهم المسلمين.

هذا واقع أمر نعيشه ويشعر به المسلم والمسيحى على السواء إلا قلة من المأفونين والمتعصبين أياً كان الدين الذى يتمترسون وراءه عن جهل، وحدة المسلم والمسيحى فى مصر لا تقال من قبيل المن والإحسان ولا فى المواسم والأزمات لكنها تقال انعكاساً للواقع الذى نعيشه، وللتاريخ المشترك الذى كتب صفحاته وصنعه المسلم والمسيحى، والدم الطاهر الذى سال دفاعا عن شرف وأمن هذا البلد.


ومن هذه الخصوصيات التى تتفرد بها مصر من جلسوا على كرسى الباباوية، الذين صك بعضهم كلمات كتبت بحروف من ذهب وكان آخرهم البابا تواضروس الثانى بابا الكنيسة الأرثوذكسية الذى قال جملة فاصلة ومفصلية ستبقى معبرة عن عظمة المصريين: مسلمين كانوا أم مسيحيين: وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن.

ومن هنا تتأتى أهمية أى كتاب حقيقى يقربنا من شخصية كشخصية البابا تواضروس، فهذا كتاب لا يهم المسيحيين بقدر ما يهم المسلمين على قدم المساواة، لأنه كتاب غير دينى، بل كتاب يعرفنا على أحد مكامن عظمة مصر التى تتجلى فى أبنائها الذين ينجحون وقت المحن والأزمات فى الاحتشاد لحماية الوطن، رأيت البابا متحدثا فى مناسبات عامة.

ومن بينها جملته الخالدة «كل دول العالم فى يد الله أما مصر فهى فى قلب الله»، وشاهدت بعضاً من عظاته، ولكن لم تكن لدى صورة وافية عن هذا الإنسان الذى اعتلى كرسى البابوية فى وقت حرج.

وجاء خلفاً لبابا استثنائى هو البابا شنودة الذى جلس على كرسى الباباوية لاربعة عقود وتميز ب «كاريزما» دينية لدى شعب الكنيسة، ولدى المصريين بصفة عامة.

وكان رجلا متفرداً فى كل شىء، كان حكاءً، طيب العشرة، طليق اللسان، ويتميز بعلاقات قوية ومنفتحة مع كل رجال الدولة المصرية، وحتى على مستوى العالم، كل هذه الشخصية الطاغية كانت بالتأكيد تمثل عبئاً كبيرا على من يخلفها.

ولكن البابا تواضروس كان عند حسن ظن الجميع.. لذلك يحسب للدار المصرية اللبنانية للنشر أنها تصدت لطبع ونشر أول كتاب شبه كامل يقدم لنا البابا تواضروس الثانى الإنسان والبابا عن قرب، الجميل فى الأمر أن الذى تصدى لكتابة الكتاب.

ليس مسيحيا، بل إعلامية مسلمة محجبة هى الإذاعية والإعلامية النابهة الكاتبة شيرين عبد الخالق، التى حققت انفراداً باجرائها سلسلة لقاءات فريدة مع البابا بثتها عبر أثيرميكرفون إذاعة الشرق الأوسط، ولما وجدت أن فى يدها كنزاً فريداً ومتكاملاً خرجت به الى النور فى صورة كتاب بديع يقدم لنا البابا عن قرب.

وقبل أن نتحدث عن ما حققته الزميلة شيرين فى الكتاب من أشياء تدخل فى نطاق الإنفرادات فانا أحتاج الى أن أقف أكثر عند المعنى والرسالة المتضمنة فى أن أول كتاب يقدم لنا البابا تواضروس الثانى تقدم عليه وتحرره مسلمة.

ويقدم له المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية الأسبق، كان من السهل على البابا ان يفتح خزائن أسراره لمسيحي، وما أكثر من يتمنون نيل هذا الشرف، ولن يكون فى الأمر أى شىء غريب.

ولكن لأن الرجل صاحب رسالة ويدرك أن رسالته ستصل بامان محملة بمزيد من المعانى الإيجابية التى تصب كلها فى مصلحة هذا الوطن انحاز لفكرة الزميلة شيرين التى اجتهدت ونالت شرف اللقاءات.

وخلال الحفل التقديمى للكتاب، أكد قداسة البابا تواضروس أنه «تحمس لفكرة إصدار الكتاب لتعم الفائدة وكحق أصيل لجموع المصريين فى أن يعرفوا ما حدث فى  هذه السنوات، فيستطيعون من خلال هذا الكتاب أن يكونوا على وعى بمرحلة مهمة  فى تاريخ مصر الحديث».. ولأهمية شهادة البابا التى جاءت بين دفتى الكتاب، ثمنه الرئيس عبد الفتاح السيسى.

وتحدث عنه وعما جاء به خلال أحد مؤتمراته الأخيرة، وهو أمر يحسب للدار المصرية اللبنانية ناشرة الكتاب، وللزميلة الإعلامية شيرين عبد الخالق.. وتُوج ذلك الأمر بندوة فى معرض الكتاب عقدت يوم الأحد الماضى فى قاعة «فكر وابداع».

 وخصصت لمناقشة الكتاب وتحدث فيها كل من: د.مصطفى الفقى المفكر السياسى الكبير ومحمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، كما تحدثت الزميلة الكاتبة شيرين عبد الخالق عن الظروف والملابسات التى أحاطت بتدوين الكتاب، وعن شخص البابا الذى أتاحت لها الظروف أن تقترب منه انسانيا، وتقف عن جوانب العظمة فى شخصيته.


 ووضع عنوان الكتاب البابا تواضروس الثانى، بنفسه ملخصاً تجربته خلال عشر سنوات بأنها «سنوات من المحبة لله والوطن».. ويتناول جانباً من مراحل حياته منذ أن كان وجيه ( اسم البابا قبل الرهبنة) صغيراً حتى أصبح بابا للكنيسة، ويروى خلاله رؤيته الوطنية للسنوات العشر الأصعب فى  تاريخ مصر الحديث منذ أن أصبح بابا للكنيسة حتى الآن.


ويقع الكتاب، فى  310 صفحات، وكتب مقدمته المستشار عدلى  منصور رئيس الجمهورية السابق، وصف فيها البابا بأنه «شخصية وطنية، جذورها ضاربة فى  أعماق الأرض المصرية، وأنه رغم ما واجهه من صعاب، كان رجلًا رابط الجأش، لا تهزه العواصف والنوائب مهما عظم.


محمد رشاد رئيس «المصرية اللبنانية» قال «إن الكتاب الذى  تفخر الدار بإصداره يمثل إضافة حقيقية لوعى  المثقف المصرى  والعربي، إذ يقدم قصة البطريرك رقم 118 فى تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

ويطرح رؤيته التنويرية ودوره المهم خلال السنوات الماضية ومواقفه الوطنية العظيمة فى  ثورة 30 يونيو وما بعدها وإصراره الدائم على دحض الصور المغلوطة عن مصر لدى الإعلام الغربي.


وعلى مدار ثلاث سنوات قامت الكاتبة  شيرين عبد الخالق بالاستماع الى قداسة البابا، وتدوين رؤية  الوطنية التى صاغتها بين دفتى هذا الكتاب والتى تؤكد بالدليل القاطع أن هذه الأمة عصية على التفريق ودليل دامغ على سماحة قداسة البابا وحسه الوطنى  الذى  يغلبه دائمًا.


يضم الكتاب اثنى  عشر فصلًا يروى  فيها قداسة البابا جانبًا من سيرته مُنذ مولده فى  مدينة المنصورة فى  4 نوفمبر سنة 1952، مرورًا بدراسته للصيدلة وتخرجه فيها، واختياره الرهبنة، وترسيمه أسقفًا، حتى اختياره بالقرعة وفق النظام الكنسى لمنصب البابا فى  4 نوفمبر سنة 2012.

كما يكشف قداسة البابا عبر صفحات الكتاب ولأول مرة تفاصيل لقائه بالرئيس السابق محمد مرسى  بعد توقيعه قرار ترسيمه، ومحاولات جماعة الإخوان التودد (الظاهرى) للكنيسة، فى مقابل تجاهلهم لشكاوى الأقباط ومخاوفهم.

ومن ثم تفاعل الكنيسة المصرية مع الشعب المصرى  ضد حكم الإخوان خلال ثورة يونيو، وكواليس مشاركة البابا لشيخ الأزهر فى  اجتماع الثالث من يوليو الشهير.


وكما يكشف الكتاب كيف واجهت الكنيسة حوادث الإرهاب والاستهداف الممنهج من جانب جماعة الإخوان وأنصارها، وكيف ردت على محاولات الفتنة والوقيعة بين المصريين، وكيف واجهت حملات التشويه المتعمد ضد مصر فى الإعلام الغربى.

وفى إطار ذلك صك قداسة البابا عبارته الخالدة التى  تناقلتها الألسن تقول «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن» مؤكدًا بها وحدة عنصرى  الأمة المصرية.


وتكشف صفحات الكتاب عن علاقة المحبة والتآخى التى ربطت البابا، بالرئيس عبد الفتاح السيسى، منذ أن كان وزيراً للدفاع وحتى انتخابه رئيساً للجمهورية، وكيف نمت وتطورت وعبرت عن اتفاق وتفان فى  خدمة الوطن وأهله.


ويحكى  قداسة البابا تفاصيل لقاءات عديدة له بمختلف القادة فى  العالم مثل الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث، والرئيس الفرنسى ماكرون، والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، والرئيس الروسى  بوتين، ورئيس سنغافورة تونى  تان. وعلى المستوى العربى الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين، والأمير محمد بن سلمان.

ولى  عهد المملكة، والملك عبد الله بن حسين، ملك الأردن، والأمير صباح الأحمد أمير الكويت الراحل، والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، والرئيس الفلسطينى محمود عباس، والرئيس العراقى  السابق فؤاد معصوم، والرئيس اللبنانى الأسبق ميشيل عون، والرئيس اللبنانى  الأسبق أمين الجميل ورئيس الوزراء اللبنانى  الأسبق سعد الحريري. فضلًا عن لقائه التاريخى بقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان.ويضم الكتاب ولأول مرة qr code  يضم حديثًا مطولًا لقداسة البابا يستطيع القارئ من خلال مسحه الاستمتاع بحديث قداسة البابا.

اقرأ ايضاً | مسعود شومان يكتب: ببليوجرافيا الشاعر الكبير سيد حجاب

نقلا عن مجلة الادب : 

202302012