حكايات| جريمة غامضة.. «شاهد ماشافش حاجة.. لكن أنفه دليله»

جثة - صورة أرشيفية
جثة - صورة أرشيفية

هل تتذكرون مسرحية شاهد ماشافش حاجة، الشهيرة التي قدمها الزعيم عادل إمام على المسرح في أوائل الثمانينيات؛ ودارت أحداثها حول شاهد إثبات في جريمة قتل لم يشاهد تفاصيلها، وكان مضطرا للمثول أمام المحكمة رغم أنه «ماشافش حاجة» ومن هنا جاء عنوان المسرحية «شاهد ما شافش حاجة»، من كان يصدق أن بعد أكثر من ٣٠ عاما ستتحول أحداث هذه المسرحية إلى قصة حقيقية مع اختلاف بعض التفاصيل، عندما وقعت جريمة قتل في حلوان كان شاهد الإثبات الوحيد فيها «كفيف» ولكنه أرشد رجال المباحث عن القاتل بطريقة غريبة ومثيرة.. وإلى التفاصيل.

في السادسة صباحا، أثناء انهماك حارس مقابر عرب راشد في مهمته في التنقل بين المقابر، وجد قفل إحدى المقابر مكسورا وهناك جثة محترقة أمامها، فهي المقبرة التي دفنت فيها فتاة قبل يوم واحد من هذا الحادث، بخطوات متعثرة وقلب ينتفض من الخوف، ركض الحارس لقسم شرطة حلوان ليبلغ عن الواقعة، بعد دقائق انتقلت قوة من القسم لمحل البلاغ، وبدأ رئيس المباحث يسأل جثة من؟!، فأجاب: "جثة فتاة تدعى منى ج، تعمل مسئولة شئون المرضى بمستشفى حلوان العام، أصيبت بفيروس كورونا اللعين، ظلت تعاني ثلاثة أيام من المرض، ونظرا لأنها كانت تعاني من السكر والضغط، كانت حالتها متأخرة، فماتت وسكنت روحها، تم دفنها في مقابر العائلة بعرب راشد، واقتصرت الجنازة على عدد محدود جدا من أهلها وأصدقائها في العمل، حتى فوجئ بخروجها من القبر واحتراقها، دون أن يشعر بشيء قبل الجريمة".. تم فرض كردون أمني وانتشر رجال المباحث في المنطقة.
مقابر عرب راشد

الأيام تمر، والكل في ذهول وصدمة مما حدث، فما هي طبيعة حياة هذه الضحية، وأي ذنب ارتكبته ليكون الانتقام فيها بهذا الشكل البشع، أي إنسان هذا وأي قلب يحمله بين ضلوعه، جعله ينبش قبرها ويستخرج جثتها ليشعل فيها النيران، قبل أن نعرف ماذا حدث، سنعرفكم بالضحية.
الضحية
قبل أربعين عاما من الآن، ولدت منى، هي الفتاة الثانية لوالدها، لم تبذل منى جهدا كبيرا في نشر البهجة والسعادة على أركان البيت، عندما ولدت انطلقت أشعة الشمس لتصل لخديها فانعكست إلى السماء مرة أخرى، لم تكن صدفة أن تولد ليلة اكتمال القمر من الشهر، يبدو أنه كان يعلم بموعد قدومها إلى الحياة.
نمت الطفلة كالشجرة التي ارتوت بمياه عذبة نقية مثل ابتسامتها، فترعرعت وامتدت أغصانها لتخطو داخل المدرسة، بعدها انتقلت الأسرة للعيش في شقتهم الجديدة بالطابق الرابع، بمساكن المشروع، في منطقة حلوان، تكبر منى يوما بعد يوم أمام أعين والدتها، تتمنى أن تراها أحسن الناس، وفي الوقت نفسه كانت الأم أنجبت اثنين آخرين "جيهان ووليد"، لكن مازالت منى هي المستحوذة على اهتمامها، انتهت منى من دراستها وحصلت على دبلوم، واتجهت للعمل في أحد الأماكن، حياتها كانت تسير بشكل طبيعي، لم تفارق الابتسامة وجهها، لكن سرعان ما ارتسمت على وجهها صورة حزينة لم تعتد عليها وانغرست ملامح اليأس والحزن على حياتها، تم أخذها بعيدا عن عالمنا حين طاردها كابوس المرض الذي أصيبت به، حيث كانت تعاني من مرض السكر والضغط، ورغم ذلك استجمعت شجاعتها مرة ثانية لتخطي تلك الأزمة، لكن فاقت على موت والدها ثم من بعده والدتها، عثرات جاءت كالسيل الهادم لكل ما هو جميل فيها،  فمرضها أثر على عينها اليسرى، لكن ظلت صامدة، فهي الآن أصبحت لا تتحمل مسئولية نفسها فقط، وإنما هي أم وأخت لشقيقيها الأصغر منها، فالأخت الكبرى تزوجت وانتقلت للعيش في شقة زوجها، بينما ظلت منى وشقيقيها داخل الشقة التي ولدت فيها.


طلبت منى بعد ذلك العمل داخل مستشفى حلوان العام، شغلت منصب مسئولة شئون المرضى، ومنذ دخولها المستشفى وهي تتعامل بكل حب وطيبة، لم يكن لها أي أعداء، الكل يحبها، ويحب ابتسامتها، ارتبطت منى مرة واحدة ولكنه النصيب لم يجمعها مع من أحبها، لم تبخل منى بأي نصيحة وأي مساعدة لمن يلجأ إليها، كانت مثالا للقوة والشجاعة، ولم يصدق أحد أن تكون هذه هي نهايتها، الكل يتساءل أي ذنب اقترفته تلك المسكينة ليفعل بها هذا؟!، لا أحد يصل لإجابة لأنها كانت كالملاك الذي يسير على الأرض.. أسئلة محيرة تدق أبواب عقول الأهالي وكل من يسمع القصة.

أنفه دليله
فكاميرات المراقبة هي أول خيط اتجهت إليه المباحث في كشف اللغز، كما تم التحفظ على هاتف الضحية، وللأسف لم تكن هناك كاميرات مراقبة في محيط المقابر، فكان اللغز الأكبر هو معرفة وقت ارتكاب الجريمة، فبدأ رجال المباحث يجرون تحرياتهم، حتى أخبرهم شاب كفيف أنه اشتم رائحة شيء يحترق ما بين المغرب والعشاء؛ لم يمر ما قاله مرور الكرام على آذان معاون المباحث، بالتأكيد هذا وقت ارتكاب الجريمة، تم القبض على عدد من المشتبه فيهم والمسجلين وحراس المقابر والعاملين بها، وسؤالهم أين كانوا يوم الثلاثاء ما بين المغرب والعشاء؛ الكل أجاب إجابات منطقية وبالدليل إلا شخص واحد، كلامه كان متناقض ولم يبذل رجال المباحث جهدا طويلا في التحقيق معه؛ فانهار واعترف بجريمته.
اعترافات المتهم
المتهم يدعى "مصطفى. م"، ٤٠ عاما، يعمل تربي، وهو الذي أخرج الجثة من المقبرة وأشعل النيران فيها، بعدما تجرد من إنسانيته، فنزع قلبه ووضع مكانه قطعة من الحجارة بل أشد قسوة، ولم يراع حرمة الموتى.

حارس المقابر المتهم

حكايات| مصري في أوكرانيا.. من نيل أسوان لإنقاذ الهاربين من الحرب

وأمام رئيس نيابة حلوان، أدلى المتهم باعترافات تفصيلية لجريمته، حيث ارتكب جريمته البشعة نكاية في حارس تلك المقابر؛ لوجود خلاف بينهما، فقرر الانتقام منه، وأشار إلى أنه كان ينوي إخفاء الجثة، وعندما فشل في حملها قرر حرقها، ولكن بعدما اغتصبها بكل وحشية، وانتقل فريق من النيابة وقام المتهم بتمثيل جريمته وسط حراسة أمنية مشددة،
نص اعترافات حارس المقابر المتهم بحرق موظفة حلوان

وأمرت النيابة بحبسه حتى تحولت القضية لمحكمة الجنايات والتي حكمت عليه بالسجن المشدد ١٥ عاما؛ ليصبح بذلك الحكم عنوانا للحقيقة.
محكمة- صورة أرشيفية