تقارير تكشف.. سجناء أوروبا يعانون «المرض والجوع والعنصرية»

السجون فى أوروبا
السجون فى أوروبا

كتبت - مى السيد

مأساة كبيرة يعيشها السجناء في عدد من الدول الأوروبية، خاصة الدول الأكثر ثراءً بين الحكومات، وحذرت تقارير حديثة من أن حالات الوفاة بسبب العنصرية والفقر والجوع، أًصبحت خطرًا كبيرًا يهدد السجون فى أوروبا، والذى يؤدى فى أغلب الأحيان إلى الانتحار، بجانب تعرض أغلبية السجناء للعنف، الذي بات منتشرًا بكثافة.

وسائل الإعلام الغربية عقب صدور تلك التقارير، قامت بعمل لقاءات مع عدد من السجناء، الذين كشفوا عن مهازل داخل مختلف السجون، بداية من العنف والانتحار نهاية بالمعاملة والرعاية الصحية، بجانب البلطجة التى يتم ممارستها على نطاق واسع من العصابات والمافيا.

مع بداية العام الجديد، وضعت الحكومة البريطانية خططا لأكبر مشروع لبناء السجون منذ أكثر من 100 عام؛ حيث تعتزم الحكومة إنشاء 18000 مكان جديد و2000 مكان مؤقت، مما سيرفع عدد نزلاء السجون إلى ما يقرب 100 ألف بحلول عام 2026، وفى نهاية عام 2020، تجاوز إنفاق الحكومة على السجون 18 مليار جنيه استرلينى، وبلغت التكلفة الإجمالية لكل سجين 42670 جنيها استرلينيا، رغم خطط الحكومة إلا أن تقريرًا خطيرًا حذر من حالات وفيات السود وذوى الأعراق المختلطة فى سجون المملكة المتحدة، والتى وصفوها بأنها الأكثر عنفًا، كاشفًا أن وفيات الأشخاص الذين يعانون من العنصرية فى السجون بين عامى 2015 و2022، بلغت 2230 شخصًا.

وكان النصيب الأكبر من عدد الوفيات في السجون طبقًا للتقرير بين الفئات التى تعرضت للتمييز العنصرى، هو عند السود والأشخاص ذوى الأعراق المختلطة، وهو ما يثبت بالأدلة دور العنصرية الممنهجة داخل مرافق السجون، وبلغ عددهم 136 حالة وفاة، منه 22 حالة وفاة بسبب الإهمال فى توفير الرعاية الصحية من قبل إدارة السجن بسبب العنصرية والبلطجة.

وقالت المديرة التنفيذية لجمعية «إنكويست» صاحبة التقرير ديبورا كولز؛ إنه مع فشل التحقيقات بأسباب الوفاة فى دراسة الدور المحتمل للعنصرية أو التمييز فى الوفيات، تضيع الفرصة للاعتراف ومعالجة الظلم العنصرى وعدم المساواة، لافتة إلى أن قرار حبس هؤلاء السجناء تحول بسبب العنصرية إلى حكم بالإعدام».

وكشف التقرير عن أنه بلغ عدد الوفيات فى السجون عام 2021 حوالى 371 شخصًا، وهو أعلى عدد وفيات فى سجون إنجلترا، حتى دون حساب الوفيات المرتبطة بـ»كوفيد-19»، وتتخطى نسبة السود والأقليات العرقية فى السجون نسبتهم الفعلية من السكان، إذ يمثلون 28 فى المئة من النزلاء، لكنهم لا يمثلون سوى 13 فى المئة فقط من عموم السكان، وركز تقرير على حالات الوفاة لكل من السود، ومختلطى الأعراق، والآسيويين، والشرق أوسطيين، والأوروبيين الشرقيين، والإيرلنديين البيض والرحالة، والغجر البيض.

ولفت التقرير أنه على الرغم من أن أعداد وفيات الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز العنصري ليست غير متناسبة، إلا أنهم من بين أكثر الحالات إثارة للجدل والعنف والإهمال، وطالبت جمعية «إنكويست» بتحقيقات أعمق وتطبيق نظام رقابى لوضع حد لوفيات الأشخاص الذين يعانون من التمييز العنصرى في السجون، فضلا عن وقف بناء السجون وإعادة توجيه الموارد من نظام العدالة الجنائية إلى المساعدات الحكومية والصحة والإسكان والتعليم والرعاية الإاجتماعية.

من جانبها علقت الحكومة على تلك التقارير عن طريق المتحدث باسم وزارة العدل والذى أكد أنه يتم التحقيق فى جميع حالات الوفاة أثناء الحجز بشكل شامل وحيادى من قبل أمين المظالم المعنى بالسجون وفترات المراقبة، الذى يعمل بشكل مستقل عن وزارة العدل»، مشددًا على أن العنصرية والتمييز غير مسموح بهما فى السجون الإنجليزية، ونتخذ إجراءات صارمة لضمان المعاملة العادلة والمتساوية واللائقة لجميع السجناء والموظفين.

السجون الإيطالية
وتعانى سجون إيطاليا من الاكتظاظ الشديد وفق أحدث البيانات، وتشير التقارير إلى أن حالات الانتحار داخل سجون البلاد قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات، مرجعين سبب الزيادة إلى تحويل فيروس كورونا حياة السجناء إلى بؤس شديد بسبب القيود الصارمة، وهو ما دفع البعض منهم للتخلص من حياته.

وطبقا للإحصائيات تحدث آخر تقرير صدر عام 2020 عن المجلس المعنى بمراقبة حقوق الإنسان عن معدل الانتحار فى السجون بإيطاليا الذى بلغ  حوالى 15.4 لكل 10000 سجين، مقابل متوسط 5.2 بين الدول الأعضاء فى مجلس أوروبا الذى يضم 46 دولة.

من جانبه قال أمين المظالم لشؤون السجناء فى إيطاليا إن 84 سجينا انتحروا حتى الآن خلال عام 2022،  وسجلت أحدث حالة يوم الخميس الأول من يناير بالعام الجديد، لافتًا إلى أن هذا الرقم المسجل أعلى بكثير من المتوسط السنوى الذى يبلغ حوالى 50 حالة انتحار على مدى العقد المنصرم، وحوالى 60 حالة فى كل سنة من سنوات انتشار فيروس كورونا خلال عامى 2020 و2021.

وأكد أمين المظالم أن هذه الإحصائيات تثير الإحباط، مشيرا إلى أن تفشى جائحة كوفيد-19 على مدى ثلاث سنوات جعل حياة السجناء أكثر بؤسا، واصفا الإكتظاظ الشديد فى سجون إيطاليا بأنه مشكلة مزمنة، رغم تعهد رئيس الوزراء السابق ماريو دراغى فى العام الماضى بإصلاح نظام السجون بعد نشر مقطع فيديو يظهر فيه حراس وهم يضربون نزلاء سجن قرب نابولى.

فى سجون ألمانيا
تصدر هاشتاج «أنا فقير» مواقع التواصل الاجتماعى بسبب قيام السجناء المسموح لهم باستخدام الهاتف بنشر تغريدات عن حالهم وما وصلوا إليه داخل السجون فى ألمانيا، حيث يبلغ عدد السجناء حوالى 45 ألف شخص، من الذكور والإناث، بالغين وأحداث، وأكدت التقارير أن السجناء فى ألمانيا يتأثرون بالتضخم أكثر بكثير من شرائح السكان الأخرى، والمرتبات التى يتقاضونها من السجن أًصبحت تلتهمها زيادة الأسعار داخل المؤسسات العقابية.

وقام سجناء بتقديم شكاوى من أجل دفع أجر مناسب، يقوم على الحد الأدنى للأجور من ناحية، ومن ناحية أخرى للحصول على أسعار غذاء مناسبة، فحتى قبل الحرب فى أوكرانيا، كانت هذه الأسعار أعلى مما كانت عليه فى السوبر ماركت - على الرغم من أن السجون ملزمة بتمكين السجناء من التسوق بأسعار السوق، مؤكدين أن ما يتقاضونه يتم الآن إنفاقه على مواد النظافة علاوة على المكالمات خارج السجن أو المواد الغذائية، وفى السابق كان من المستحيل تقريبًا الادخار أثناء التواجد فى السجن أما اليوم فى أوقات التضخم، فلا أمل فى الإدخار إطلاقا. عن ذلك طالبت عضوة حزب اليسار يوليانه ناجل فى برلمان ولاية سكسونيا بزيادة أجر السجناء العاملين، والذى وصفته بأنه منخفض للغاية؛ حيث يعمل حوالى 2000 من بين 3500 سجين فى السجون السكسونية، ويحصلون على أجر بخس بحد أقصى 2,15 يورو  فى الساعة ولا يتم تضمينهم حتى فى تأمين المعاش القانوني.

وشددت النائبة على أن هناك عددًا قليلا جدا من الأشخاص فى هذا البلد يدافعون عن مصالح السجناء ويحذرون من العواقب الوخيمة للتضخم على هذه المجموعة المنسية تقريبا، مشيرة إلى أنه أحيانا تكون الأسعار داخل السجن أعلى بكثير من الخارج لأن شركة واحدة تزود جميع السجون الألمانية البالغ عددها 160 تقريبا، وبالتالى فهى تحتكر فعليًا عملية التوريد.

ووصفت السياسية اليسارية الواقع داخل السجون فى جميع أنحاء ألمانيا مؤكدة أن معظم السجناء يعملون، وهم ملزمون بذلك فى 12 ولاية من أصل 16 ولاية اتحادية، يعملون فى المطابخ، ويشغلون وقتهم فى أعمال النجارة أو تركيب مكونات لصالح ورش حدادة ومعادن، ويحصلون نظير ذلك على يورو واحد إلى ثلاثة يورو فى الساعة.

 من جانبه قال المتحدث الاتحادى لنقابة السجناء مانويل ماتسكه والذى كان تم سجنه لعدة سنوات بتهمة الاحتيال الاقتصادى على نطاق واسع؛ أن السجناء هم أسوأ حالا من متلقى الإعانة الاجتماعية، وهناك استغلال فج للسجناء عندما يمارسون عملا فى السجن، مشيرًا إلى أن أسعار مواد الحياة اليومية فى المؤسسات العقابية باهظة جدا، والسجناء لا يجب عليهم دفع أى شيء مقابل الملابس والطعام الأساسى والإقامة.

وأضاف المتحدث النقابى؛ أن الأسعار فى السجون ترتفع بسبب التضخم، لكن أجر السجين لا يزداد، هذا ظلم لا يمكن وصفه، ويضاف إلى ذلك أن العمل فى السجون لا يدخل فى حساب المعاش، وأيضا بجانب شبح الفقر فى الشيخوخة الذى ينتظر بالفعل خلف أبواب مغادرة السجن، وشدد على أن ديون الأشخاص الموجودين فى السجن تزداد.

اقرأ أيضا: عائلة سجين أمريكي تتهم إدارة السجن بتركه يموت جوعًا