محاولة «الإرهابية» التبرؤ من «ظلال» صاحبها

سيّد قطب
سيّد قطب

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

تجري حاليًا داخل جماعة الإخوان الإرهابية، محاولة لغسل سمعة سيّد قطب من مضامين «التكفير»، و«شرعنة العنف»، و«الحاكمية»، و«جاهلية المجتمع» التي صكّ أصولها الفكرية في كتابه «في ظلال القرآن»، واختصرها في كتابه «معالم في الطريق». ويمثل الكتابان دستور الجماعات الأصولية التي اتخذت العنف منهجًا في طريقة تعاملها مع قضية «أسلمة المجتمع» على مدار التاريخ المعاصر.

منذ صدور النسخة الجديدة من الطبعة الأولى، لكتاب «في ظلال القرآن»، ، والمعروفة بطبعة «عيسى البابي الحلبي»، عن دار «جسور» للطباعة والترجمة ببيروت، لم تهدأ النيران على جبهات الإخوان المتناحرة، تحت مزاعم التخلي عن «الميراث القطبي».
بدأت القصة نهاية العام الماضي، في إطار الخطوات التي اتخذتها جبهة «لندن» التي تزعمها حينها إبراهيم منير، لتبرئة سيد قطب، من الانحرافات الفكرية، وإعادة تقديمه للأجيال الجديدة في نطاق الأديب الذي يمتلك أصول البلاغة وعلم الكلام.
ارتأت الجبهة الإخوانية، أنه لا بد من إسقاط شرعية النسخة النهائية لــ»كتاب في ظلال القرآن»، المعتمدة منذ ستينات القرن الماضي داخل التنظيم، وتربى عليها عشرات الالآف من القواعد التنظيمية، وتحمل المبادئ التكفيرية التي صاغها سيّد قطب داخل السجن، واستبدالها بالنسخة الأولى التي كتبها في بداية خمسينات القرن الماضي.

ألّف قطب من داخل محبسه تفسير الأجزاء الـ12 الأخيرة من القرآن الكريم، المعروفة بكتاب «في ظلال القرآن»، وبدأ ينقّح الأجزاء الـ18 الأولى التي كان قد نشرها بين عامي 1952 و1954 قبل سجنه، فضلاً عن تأليفه كتاب «خصائص التصوّر الإسلامي ومقوّماته»، و»الإسلام ومشكلات الحضارة»، و»هذا الدين»، و»معالم في الطريق»، وتنقيحه كتابيه: «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، و»السلام العالمي والإسلام»، وفقًا لما ذكره الباحث الأكاديمي شريف يونس في رسالته الجامعية «سيد قطب والأيديولوجيا الأصولية».

محاولات غسل سمعة سيد قطب، بدأها ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال إصدر كتابه «سيد قطب.. بين غلو محبيه وظلم ناقديه»، محتفيًا بأفكاره التكفيرية التي وصفها بأنها «سماوية»، وأنه صاحب «رؤية ليبرالية»، وأن النخب الثقافية حمّلت كلامه ما ليس فيه، نظرًا لبلاغته الأدبية، وأن تفسيراته التي قدمها في كتاب «في ظلال القرآن»، مختلفة عن التفاسير التقليدية.
تحركات جبهة «لندن»، أزعجت عددًا من المراجع الإخوانية، وعلى رأسهم، القيادي الأردني، صلاح الخالدي، أحد المعاصرين لتنظيم (65) إبان دراسته في جامعة الأزهر، وقد حصل على رسالة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض عام 1980، تحت عنوان «سيد قطب والتصوير الفني في القرآن»، وناقشه فيها محمد قطب، شقيق سيد قطب، ونال درجة الدكتوراه عام 1984، في رسالته التي جاءت تحت عنوان «في ظلال القرآن - دراسة وتقويم»، من الجامعة ذاتها، وناقشه فيها القيادي الإخواني، مناع القطان.

هدد صلاح الخالدي، -في تسجيل صوتي - القائمين على محاولة طباعة النسخة الأولى من كتاب «في ظلال القرآن»، وتهميش النسخة الأساسية المعتمدة داخل التنظيم، معتبرًا أن ذلك يعد جريمة في حق سيد قطب، وتلاعبًا بالأطر العقائدية للتنظيم التي تأسس عليها رجالها وشبابها منذ ستينات القرن الماضي، من وجهة نظره.

وصفت عبارات الخالدي التي سجلها قبل وفاته في يناير 2022، ما تفعله قيادات التنظيم الدولي، بأنها بمثابة «الخيانة العظمى» لتاريخ سيد قطب، ورأت أن هذه القيادات تأثرت بالضغوط الخارجية التي دفعتها للتبرؤ مرحليًا من التراث القطبي، وأنه لا يرى - بحكم تخصصه في علم التفسير- أية مخالفة شرعية أو عقلية أو حركية أو تنظيمية في الطبعة الثانية «المتعمدة»، من كتاب «في ظلال القرآن»، وأن قطب وضع مضامينه الفكرية، وقاد تنظيم (65) بموافقة حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة، وفقًا للتسجيل الصوتي.

محاولات غسل سمعة سيد قطب وبالتبعية جماعة الإخوان من الضلالات الفكرية والسلوكية، لن تحقق أهدافها في ظل اعترافات قياداتها بعد القبض عليهم بمسوؤلية قطب عن تمدد المذهب التكفيري بين عموم المسلمين، فيبين يوسف القرضاوي، في مذكراته «ابن القرية والكتاب»، الصادرة في يناير 2002، تحت عنوان «وقفة مع سيد قطب»، تحولاته الفكرية، قائلاً: «ركون إلى التكفير والتوسع فيه، بحيث يفهم قارئه من ظاهر كلامه في مواضع كثيرة ومتفرقة من «الظلال»، ومما أفرغه في كتابه «معالم في الطريق»، أن المجتمعات كلها قد أصبحت «جاهلية»، وهو لا يقصد بـ «الجاهلية»، جاهلية العمل والسلوك فقط، بل «جاهلية» العقيدة».

ويقول كذلك أحمد عبد المجيد، وهو أحد قيادات التيار القطبي، في كتابه «حقيقة تنظيم 1965»، الصادر عن دار الزهراء للإعلام العربي: حدث تغيّر وانحراف أكثر في أفكار سيّد قطب، عندما كان في مستشفى ليمان طره. طلب من أسرته كتب حسن البنا وأبو الأعلى المودودي، فبدأ يتنبه إلى أمور كانت غائبة عنه وخصوصًا في ضرورة التركيز على موضوع «العقيدة»، ثم بدأ يطلب كتب ابن تيمية وابن القيم، وبدأ التغير في تفكيره وكتاباته، وظهر ذلك جليًا في الطبعة الثانية من كتاب «الظلال»، والأجزاء الأخيرة منه بدءًا  من الجزء 12، وكتاب: «خصائص التصور الإسلامي»، و« معالم في الطريق».

وفي كتابه «سيد قطب والتكفير»، يشير معتز الخطيب، نقلاً عن يوسف القرضاوي، قوله: «حدثني الدكتور محمد المهدي البدري، أحد المقربين من سيد قطب، وكان معه في السجن عام 1965، أن قطب، قال له: إن الذي يمثل فكري هو كتبي الأخيرة: «المعالم»، والأجزاء الأخيرة من «الظلال»، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى، و«خصائص التصور الإسلامي ومقوماته»، و«الإسلام ومشكلات الحضارة»، ونحوها مما صدر له وهو في السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهي تمثل تاريخًا لا أكثر».

لا شك في أن جماعة الإخوان تعتبر أن تخليها ظاهريًا عن الميراث القطبي، عقائديًا وحركيًا، يفتح الباب أمام محاولاتها المستميتة للعودة إلى المشهد السياسي والشعبي والدعوي في المنطقة العربية، ويمهد طريقها في إعادة بناء قواعدها التنظيمية، لا سيما بعد سقوط النقاب عن وجهها الحقيقي، في تبني العنف والتكفير والارهاب.

اقرأ أيضأ : مشاركون في ندوة بمعرض الكتاب: كل جماعات الإرهاب خرجت من رحم «الإخوان»