« شاري هوا بفلوسي ومحدش يقدر يكلمني » .. إعلام للبيع!

برنامج الجمهورية الجديدة
برنامج الجمهورية الجديدة

أشرف رمضان

«إني لأفتح عيني على كثير من الإعلاميين ولكن لا أرى أحدًا»، هذا حال المشهد الإعلامي الحالي، فمع كثرة البرامج، لا يوجد محتوى هادف إلا في قلة قليلة.. خطايا لا تنتهي، أزمة تلو الأخرى، «تريند» يتصدر، ومحتوى يتراجع، في وقت نحتاج فيه إلى إعلام قوي، ينشر الوعي، يستعرض التحديات، يطرح الحلول.. لكن ما يحدث هو العكس، الغالبية تسير وراء «الشو» دون مراعاة للضوابط الإعلامية.. السبب في ذلك، وفق تأكيد إعلاميين وخبراء إعلام، يرجع لما يسمى «شراء الهواء»، الذي يتحكم فيه رأس المال.

الأزمات لا تعد ولا تحصى، آخرها أزمة برنامج «كلام الناس» المذاع عبر قناة MBC مصر للمذيعة ياسمين عز، مع المجلس القومي للمرأة الذي تقدم بشكوى إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، قال فيها إنه يرفض المحتوى الذي يقدم من خلال البرنامج، وأضاف، أن محتوى البرنامج يمثل إهانة وتحقير وتقليل من شأن المرأة المصرية ويضر بها، كما يعد محتوى موجهاً لتغييب الوعي المجتمعي بما يتم إنجازه على أرض الواقع من جهود حثيثة لتمكين المرأة المصرية.

الأزمة الأخرى، أحدثها برنامج «الجمهورية الجديدة» للمذيعة منى العمدة، على قناة «النهار»، مما دعا إدارة القناة لإيقاف البرنامج وإحالة المذيعة وفريق العمل والمسئولين عن البرنامج للتحقيق، وقالت القناة في بيان، «إنها رصدت بعض الأخطاء والتجاوز في إحدى حلقات البرنامج الأخيرة، وقررت وقفه لحين إعادته إلى المسار الصحيح أو إلغائه بشكل نهائي».
«70% من البرامج المشتراة على الفضائيات ضارة أكثر من نفعها»، هكذا بدأ الإعلامي جابر القرموطي حديثه مضيفًا: «أغلب من يشترون الهواء يتحكمون في المحتوى المقدم».
يتابع: «أري أن مقاييس الشخص الذى يقدم هذه البرامج لا تمت بصلة لأى كاريزما خاصة بالمذيع، فأغلب من يشترون الهواء أصحاب شركات يتحكمون في المحتوى واختيار المذيع، وأصبحت العملية تعتمد في 90% منها على الوسائط والمجاملات، فأصحاب المال يتحكمون فى الموضوع».

يضيف: «شراء الهواء كارثة بلا ضوابط، فلو أخطأ المذيع في أثناء تقديمه للبرنامج يتم إيقافه لأسبوعين ثم يتابع العمل مرة أخرى بنفس القيمة بل وأسوأ، و(يرجع يطلع لسانه للناس أنا شاري بفلوسي ومحدش هيقدر يكلمني) ولذلك فهي كارثة، ومتبعة في العالم بأكمله وبالأخص فى منطقتنا».


«القرموطي» يرى أن عمليات الضبط الإعلامي مهمة جداً فى المرحلة الحالية، قائلاً: «لدينا 385 برنامج هواء يومي بين صباحي ومسائي، وتوك شو إلى آخره، المشهد أصبح معقدًا للغاية، فلو انتقينا 10 برامج مؤثرة على المجتمع هذا أفضل، لكن للأسف لا يوجد هذا العدد، المتاح حاليًا 3 أو 4 برامج فقط يُقبل عليها الجمهور، والبقية دون تأثير يذكر».
يمضي قائلا: «البرامج الحقيقية نحو 7، والباقي عبارة عن شراء هواء، أو شراء ذمة أو شراء ضمير أو واسطة، لذلك الوضع أصبح كارثيًا كما ذكرت سابقًا».

«مأساة الإعلام»
أما الإعلامية هدير حسن، مقدمة برنامج «من القاهرة» على قناة «اليوم» تعبر عن أسفها الشديد لما آل إليه المشهد الإعلامي الحالي، قائلة: «ما يحدث فى الإعلام يستدعي الحزن، لأن الإعلام له دور جوهري فى حياة الفرد والمجتمع، ويعمل على تشكيل واضح للوعي الجمعي، ويساهم أيضاً في التنمية الاجتماعية والحياتية للأفراد، ويُشكل الرأي العام عن طريق تقديم محتوى هادف يحترم عقلية المشاهد أو المستمع المصري».
تتابع: «الإعلام قادر على معالجة القضايا الحيوية عبر نشر المعرفة والمعلومة أو حتى التوعية من خلال إرسال بعض الرسائل الواضحة للمتابعين، لكن للأسف أصبح الإعلام عبارة عن سلعة تباع وتشترى، فكل شخص يمتلك المال يستطيع أن يكون مذيعًا بغض النظر عن قدرته أو ثقافته أو صوته أو أدائه أو اللغة أو القبول».
تمضي قائلة: «أطالب الجهات المسئولة التصدي لتلك القنوات الفضائية التي تفتح الهواء لكل من (هب ودب)، لا يقدمون محتوى يليق بإعلامنا، ورسالتهم ولغتهم ركيكة، هذه البرامج عبارة عن (أضحوكة) لا تقدم أي دور توعوي، أتمنى أن يعود الإعلام المصري لريادته مرة أخرى، من خلال برامج هادفة ومتنوعة».

«جرس إنذار»
تتفق معها في الرأي د. ريهام صلاح الدين، مدرس بقسم الإذاعة والتليفزيون كلية الإعلام جامعة MSA، مضيفة: «بحكم عملي أستاذة أدرس علم الإعلام للطلاب، أؤكد دائمًا لطلابي على ضرورة مراعاة اعتبارات المهنية والأخلاقيات، على رأسها أن دور المذيع ينحصر في عمل بحث دقيق وجيد عن موضوعه، لإعطاء أكبر كم من المعلومات للجمهور حول هذا الموضوع ثم يترك له حرية الاختيار والتفكير بشأن ما يتبناه من آراء واتجاهات حول هذا الموضوع أي أن الإعلام دوره الإخبار بالمعلومات».


تتابع: «أما أن يتحول الأمر لأن يكون البرنامج هو رأي المذيع في قضية ما، وليس هذا فحسب بل يتحول الأمر إلى إملاء المذيع للجمهور بما ينبغي أن يفعلونه بشأن قضية ما بشكل صريح وآمر، وكأن هناك من يُملي ومن يملىّ عليه، وهذا أمر غير مقبول في رأيي».

وتطالب بالعرض الإعلامي المتوازن المبني على معلومات علمية، وإحصائيات، وعرض لوجهات النظر المختلفة بطريقة متوازنة، مضيفة: «على سبيل المثال إذا كانت الإحصائيات تؤكد أن نسب الطلاق مرتفعة في المجتمع المصري وهو أمر خطير بالفعل، ويشكل جرس إنذار في المجتمع، فإن الحل يكون في استضافة خبراء في مجال العلاقات الأسرية والقانون والدين لتوعية الجمهور بضرورة الحفاظ على تماسك الأسرة وأهمية ذلك للمجتمع ككل».


تمضي قائلة: «لكن لابد أن نعترف أنه مع دخول Social Media أو ما يطلق عليه الإعلام الجديد، فإن ما يجذب الجمهور للمشاهدة والمتابعة لم يعد فقط المضمون الجيد للبرامج بل الفرقعة الإعلامية أو ما يسمى Trend وللأسف الشديد، فإن البرامج الهادفة والمتوازنة التي كانت موجودة مثلا في التليفزيون المصري في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي لن تستطيع تحقيق نسب مشاهدة عالية في عصرنا الحالي».
والحل - من وجهة نظر د. ريهام - المزج بين الأسلوب المشوق للجماهير، ولكن دون الخروج عن النص والتمادي في استفزاز الجماهير، وأيضا استضافة الخبراء لتقديم معلومات علمية صحيحة وإحصائيات ومناقشة هذه المعلومات بطريقة محايدة وعلمية.

اقرأ أيضأ : مي حلمي: تاريخي الإعلامي كبير وعمري ما اشتريت وقت من القنوات | فيديو