بداية

ثقل الترف.. وهشاشة التربية

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

..ما الذي ننتظره من طفل كتبت عليه الأقدار أن يحيا ويعيش حياة صاخبة، وقد أظلمت عيناه عن القدوة الصالحة، وسُدت أذناه عن النصيحة، ومضت أيامه دون أن يدري أنه يخطو في فراغ كمن يمضي إلى الغيب؛ يوسف وهو طفل لم يتجاوز بعد عمره الـ 14 قذفت به سيارة طائشة يقودها طفل مثله لكن الفرق بين الطفلين أن الأول طلعت شمسه مشرقة بنور العلم، متعطش للمعرفة، تواقًا للنجاح، لديه أسرة تحنو عليه حريصة على تحقيق أحلامه وتهيئة كافة الظروف كي ينشأ في بيئة صالحة، أما الطفل الثاني صاحب الـ 16 عامًا عاش حياة البطل فيها هو الجنون كأنه ولد في صندوق من اللامبالاة والزيف، وسط أسرة ترفض الاعتراف بالخطأ دائمًا؛ وأي صواب في أن ترى طفلها يأخذ مفاتيح سيارة والده أو والدته – ليس مهمًا هنا لمن تكون السيارة – ويقودها بسرعة تقترب من الـ 200 كيلو متر في الساعة سعيدًا بما يفعله من جنون، وكأن من يقودها شبح كما في قصص الزمان القديم، لتثير مع سرعتها هذه الرعب في قلوب من يراها، وبالتأكيد رؤيتها وهي تطير فوق الأسفلت ليست مثيرة للإعجاب وإنما مدعاة للقبح.
سعت الشمس إلى مغربها متباطئة، وأقبلت ظلمة الليل تنشر أرديتها السود على كل شيء، وجثم الليل ثقيلًا مرهقًا على المكان داخل كمبوند بالتجمع الأول، ومع برودة الليل التي تتسلل إلى الأوصال اضطر الناس إلى مضاجعهم، وفرض الهدوء على كل شيء إلا من فوانيس الإضاءة المنتشرة بطول المدينة وعرضها، وانتثرت في السماء نقاط مضيئة من النور؛ حين كان يوسف يسير مطمئنًا فرحًا بملاقاة أصدقائه في أولى أيام إجازة نصف السنة؛ كان الطفل الأرعن قد وصل لحافة الجنون والاستهتار والتهور والاستهانة بحياة الناس؛ ليقذف بـ يوسف إلى الهواء، يطير الطفل المسكين عدة أمتار قبل أن يرتطم بالأرض لا هو بالحي ولا هو بالميت، وإنما تأخذه رعدة في أوصال جسده يتبدد معها السكون إلى جلبة وصراخ، ودع الجيران هدوءهم في هذه الليلة ينعون بـ لسان واحد هشاشة التربية التي أصابت الكثير من العائلات والأسر، بركة دماء ملقى وسطها الطفل يوسف وأم تسيل دموعها، وفي النهاية يأبى القدر أن ينهزم ضوء النهار أمام ظلمة الليل؛ في خبر سار، كشفت الكاتبة رضوى العوضي، والدة الطفل يوسف عن إفاقة طفلها من الغيبوبة، التي دخل فيها قبل أيام، وقالت في منشور لها على فيس بوك: «يوسف ابني رجع، أيوه هو يوسف ده اللي أخباره كل الناس بتدعيله فيها علشان يقوم بالسلامة، فتح عينه وقالي يا ماما يوسف بخير يارب ألف حمد وشكر ليك يا أرحم الراحمين يا عظيم يا كريم».
السؤال: هل حادث الطفل يوسف هو الوحيد؟!، للأسف قيادة الأطفال للسيارات صارت عادة سلبية تحصد أرواح المارة في الشوارع في ظل غياب الآباء ووعيهم بخطورة ما يرتكبه الأبناء؛ هل ننسى طفل المرور وقصته التي أثارت استياء المصريين؟!، وما حدث في مركز أبنوب بمحافظة أسيوط؛ حينما دفع 4 أطفال حياتهم ثمنًا لصبي مراهق كان يقود سيارة والده أيضًا بسرعة جنونية ودهسهم بلا رحمة أو شفقة، ليقعوا جثثا في الحال.
هل هم آباء يتاجرون بأرواح أطفالهم أم غياب وعي منهم وسوء إن لم يكن انعدام للتربية؟!، للأسف بعض الأسر يعتبرون أن قدرة ابنهم على القيادة دليلًا كافيًا لمنحه السيارة ينطلق بها في الشوارع دون إدراك الصغار لخطورة ومفاجآت الطريق حين تعرضهم لحادث أو تجاوز أو طارئ يحدث فجأة ولا يحسنون فيه التصرف.
والسؤال الثاني؛ على من تقع المسؤولية؟!، لا أحد يقول لي المجتمع أو الشرطة، وإنما تقع كل المسؤولية على الأسرة التي تظن أن ثقل الغنى والترف وكثرة المال وترك أطفالها يقودون السيارات هو من قبيل جعله رجلًا يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار، وهم بخطئهم هذا يتسببون في ضياعهم وانفلاتهم، وليتنا نعلم أن جرائم الأطفال والمراهقين هي خطر يهدد المجتمع، الطفل لا يولد مذنبًا أبدًا وإنما ضعف وسوء التربية تقوده إلى الجريمة ولا فرق هنا بين أن تكون عمدية أو غير عمدية حين تكون إصلاحية الأحداث هي السكن والمأوى لأحلى سنوات العمر.
فمن أهمل تأديب ابنائه، فقد أساء إليهم دون أن يدري، فرفقا بأنفسنا وأولادنا.

[email protected]