بلال علاء يكتب: عمَّ نتحدث حين نتحدث عن الصداقة ؟

بلال علاء يكتب : عمَّ نتحدث حين نتحدث عن الصداقة ؟
بلال علاء يكتب : عمَّ نتحدث حين نتحدث عن الصداقة ؟

سعيد نظرية أننا نميل لصداقة هؤلاء الذين نقدر أن نتحدث معهم، ولا ترتبط هذه المقدرة أبدًا بصفات شخصية قيمية مثل الوفاء والمساندة والاحترام وغيرها، فهذه الصفات توجد عند الكثيرين، ولا ترتبط حتى بتعدد الاهتمامات المشتركة بشكل كاف للتنقل من موضوع يكاد كلامه ينفد إلى موضوع آخر ثم آخر، فهذه الاهتمامات مشتركة أيضًا بين الكثيرين.

 ما يقوله أن الحديث يشبه اللعب الجماعي، وكأى لعبة جماعية لكل فرد موقعه فى الفريق، مثلًا لا يمكن لفريق كرة القدم كله أن يلعب فى الوسط أو المقدمة أو الدفاع أو يحرس المرمى، يجب أن يتوزعوا بشكل منظم على الملعب، لتيسير انتقال الكرة من الدفاع للهجوم.

وهكذا هناك من الأصدقاء من يكون دوره فى الأغلب الانطلاق بالكرة من اول الملعب لإيصال للوسط، حين هناك صانع ألعاب له رؤية شاملة للملعب، ليفكر أين عليه أن ينقلها، وهناك بجواره لاعبون آخرون مهمتهم تمرير الكرة له ذهابًا وإيابًا.

وحتى يجد فرصة سانحة لصناعة هجمة، وهناك مهاجمون ينتظرون الكرة لتسجيل الهدف، وهناك منطلقون من الخلف، يبدأون من أول الملعب، ثم يجرون إلى نهايته آملين أن يشاركوا مباشرة فى الهدف.


 وبحسب وجهة نظره، ولأن هذا مجرد مجاز فى النهاية، ولأننا لا نستطيع أن  نطلب من أصدقائنا الالتزام بأدوار تكتيكية معينة فى ملعب الكلام، فغالبًا ما نصادق من البداية، من ينقصهم فريقنا، ولأنه حتى فى الألعاب الجماعية.

وهناك هويات مختلفة للفرق وللاعبين فى نفس المراكز، فنحن نصادق من يلعبون فى الكلام بالطريقة التى تتناسب معنا، فمن كان يحب اللعب المهارى دون اهتمام بالفعالية، سيحب الأشخاص الذين يعرفون كيف يتحدثون جيدًا وبطرافة.

حتى لو كان كلامهم لا يغادر موقعه الافتراضي، ومن يحب الفعالية فى اللعب، سيضجر من هؤلاء الذين يظلون يلعبون بالكرة دون حراك، ومن يحب روح المشاركة فى اللعب، دون اهتمام بالفعالية ولا المهارة، لن يكون صديقًا أبدًا لهؤلاء الذين يظلون محتفظين بالكرة أطول فترة ممكنة.

وحتى لو كانوا يحرزون الهدف فى النهاية. وإذا رغبنا باعتصار مجاز الكرة حتى النهاية، فقد تفشل صداقة ما، لأن اللاعب ليس فى الفورمة التقليدية له، مثلا تصطحب صديقًا مبعثرًا إلى مجموعة أصدقاء، ثم بعد أن يغادر تجد أن آراءهم فيه سلبية، فهو لأنه لم يحتمل الضغط الجماهيري.

ولم يلعب لعبه العادي، وحاول التأقلم فى خطة لا يعرفها لفريق لا يعرفه، صحيح أنك تدافع عنه، قائلًا إنه ظريف وذكى ومراوغ ومهارى وميت فل وعشرة، لكنهم بعدما لعبوا معه مرة واحدة، لا يريدونه ثانية فى الفريق.

وبحسب مكانتك فى المجموعة، يمكن أن تقنعهم أن يعطوه فرصة ثانية لإثبات نفسه، فإما أن ينجح ذلك، وإما ترتضى أن مكانه ليس فى هذا الفريق، يمكنكما اللعب معاً بشكل ودي، لكن  هذا لا يعنى بالضرورة أنه سيشترك رسميًا فى البطولة.

ولسعيد نظرية أخرى أن الناس ينقسمون إلى قسمين، قسم يحاول جمع العالم إلى بعضه، وجزء يحاول تفكيكه مرة أخرى، فادى كان من النوع الأول، وهو نوع يصعب التعايش معه، لأنه غالبًا ما سيورطك فى جلسات بلهاء مع أشخاص تدرك بعد ثوان قليلة من الجلسة أنه لا يعرفهم إلا لمامًا.

ولكن مغامرته تلك، حين يفترض أصالة غير موجودة فى علاقاته، كثيرًا ما تقر بها الأطراف الأخرى للمغامرة، ويعتقدون بدورهم أن معرفتهم به بالفعل عميقة بالشكل الكافي، وإلا لما تعامل معهم بهذه الأريحية، أى أنها صداقة مبنية على التسامح مع سوء التفاهم الأولى والمقصود. 


والمهم يعني، كانت خبرتى مع معارف فادى شديدة السلبية، فهو لسبب ما يتملكه الملل، فور اجتماع العالم، ويبدأ فى العبث بهاتفه، تاركًا إيانا مرتبكين من غرابة اللحظة.


وفى آخر مرة فعل هذا فيها، وجدتنى مع مجموعة من المهتمين بالسينما، فى اللحظة التى وصلوا فيها، وبعد سلام حميمى عليهم، لم ترتفع عيناه عن هاتفه، وأحاول أنا ومجموعة الشباب هذه، فتح المواضيع بعشوائية، ثم غلقها بعشوائية.

وفى ملحمة رائعة من الفشل اللغوي، وفى اعتقادى أنه لولا هذا الفشل المبهر، الذى تسبب فيه فادى بابتعاده المبكر أزيد من المفروض من ملعب الكلام، لكان من السهل أن أتعرف على هؤلاء الأشخاص بشكل جيد فعلًا، فعدا الاهتمامات المشتركة التى أمكننى رؤيتها لبرهة خلال هذه العشوائية.

وكانت أغلب آرائهم ذكية ورصينة ومتواضعة وتحاول الفهم، كما أنهم، كان بإمكانهم ببساطة اللعب على المضمون، ولعب الكلام بطريقتهم، وانتظار أن أتدخل أنا فى وقت ما، لكنهم حاولوا أن يشركونى فى اللعب دون أى تدريب أو توجيه.

ولم يكن ممكنا التغاضى عن هذا الفشل، لكن كما قال سعيد: مفيش حاجة دافعة فى الحياة أكثر من الملل، ولهذا عندما عرض علىَّ فادي، هذا المشوار، وافقت، وفى الموعد، كان فادى جالسًا فى مواجهتي، يكركر بالشيشة، يلعب فى هاتفه.

وأنا أنظر له بعدم تصديق أنه يفعل ذلك مرة أخرى، بعد كل الشتائم التى قلتها له فى المرة السابقة، لم أعرف كيف أنبهه إلى ذلك، لكن سعيد سبقني، بأن ضحك، وقال لى وهو يشير لفادي:
وتلاقيه ولا واخد باله هو عمل ايه أصلًا، وكانت هذه المرة الأولى، التى أراه فيها.

اقرأ أيضاً | أبرز الفعاليات الثقافية من 29 يناير لـ 2 فبراير