حكايات.. «قادرة على التحدي»| ديما الأكتع.. عداءة بساق واحدة

ديما الأكتع
ديما الأكتع

تمردت على مرضها والذي لم يكن أبدا عاديا، ولكنه كان بترا لساقها من أعلى الركبة، وبالرغم من آلامها فلم تزيدها إلا تحدي وعزيمة وقوة، وبرغم إعاقة حركتها فلم تزيدها إلا إرادة واشتعالا لتحقيق البطولات، أما الحادث البشع الذي تعرضت له وكان السبب في بتر ساقها فلم يزيد ديما الأكتع إلا قدرة على التحدي ومواجهة الحياة.

بداية الحكاية

في عام 2012، كانت ديما فتاة ممتلئة بحب الحياة عمرها 18 عاما، حين هزّ منزل عائلتها في بلدة سلقين في ريف إدلب صوت انفجار، وخشيت أن تكون قذيفة أصابت الغرفة التي توجد بها أختها الصغرى، فأسرعت للاطمئنان عليها، ووجدتها بخير.

لم تمر لحظة واحدة على احتضانها لأختها، وسقطت قذيفة على المنزل، وبعد دقائق قليلة أدركت ديما أنها فقدت ساقها اليسرى، ولكنها حمدت الله أن عائلتها نجت، وهذا هو الأهم بالنسبة لها.

أخذها أهلها لأقرب مستشفى والذي كان على بعد ساعة ونصف، وهي تظن أنها لن تكمل الطريق حية، وأجروا لها عملية بتر مستعجلة هناك، وبعد أسبوع فقط كان لا بد من مغادرة المستشفى المكتظة.

 

 

 

معلمة وقدوة

لاحقا غادرت ديما سوريا مع عائلتها إلى لبنان، حيث أصبحت لاجئة ومعها عكازيها، مرت خمس سنوات قبل أن تحصل العائلة عام 2017 على حق اللجوء في بريطانيا، عن طريق برنامج إعادة التوطين الذي أطلقته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتنتقل إلى بلدة فليتويك في مقاطعة بيدفوردشاير في إنجلترا.

 

لغة غريبة، ومكان غريب، بدأت ديما بهما مرحلة جديدة من حياتها، لكنها قررت أن تجعلها بداية مشرقة.

 

ديما الأكتع

وقفت ديما تحكي قصتها لتلاميذها في مدرسة عملت بها كمتطوعة، وذلك بعد حصولها على ساق اصطناعية، وبعد تركها لمجال الدراسة بعد وباء كورونا، درست التصميم الداخلي، وبسبب الآلام التي عانت منها، اضطرت لإجراء جراحة أخرى، ثم ارتدت ساق صناعية رياضية أخرى تمكنها من التدريب.

 

الطيران بجناح واحد

«الشغف بما نفعله يسهل كثيرا من الأمور»، وهو نفس السبب الذي جعل ديما تثبت أن الطير يمكنه الطيران بجناح واحد "فقط إذا امتلك الإرادة لذلك"، تدربت ديما 4 أيام في الأسبوع، ساعدها على ذلك الساق الصناعية الرياضية، والتي كانت تحملها على ظهرها حتى تصل لمكان التدريب، وكان عليها أيضا تدريب عقلها على طريقة الجري التي تناسب حالتها.ديما الأكتع

تحدي الذات

«المشي مسافة نحو ميل واحد على ساقها الاصطناعية»، كان التحدي الذي خاضته ديما الأكتع، لتساهم بجمع تبرعات لمساعدة اللاجئين في المخيمات في اليونان خلال ذروة انتشار وباء كورونا، وخلال عام واحد زاد التحدي ليصبح الجري 21 كيلومترا بهدف مساعدة أطفال لاجئين في الحصول على أطراف اصطناعية.

 

وفي عام 2020  شاركت ديما مع منظمة "تشوز لوف"، ضمن مبادرة عالمية للمشي بهدف جمع التبرعات للاجئين، ولكنها شعرت بأوجاع هائلة بسبب ساقها الاصطناعية غير المؤهلة، لكنها تحدت ذاتها، وقطعت أكثر من 2 كيلومتر، رغم أنها كانت قد تعهدت بالسير في منطقتها لميل واحد فقط، ما يعادل حوالي 1.6 كيلومتر.

وفي المرة التالية، كانت ديما في غاية الحماس، رغم أنها اضطرت للتوقف عدة مرات لتخلع الطرف الاصطناعي الجديد الخاص بالجري، وتجفف العرق الذي يسيل من ساقها، لكنها حققت الإنجاز ووصلت إلى خط النهاية، وكان بصحبتها مجموعة من الأطفال بأطراف مبتورة، تخيلت أنهم يشاركوها سعادة الجري «الأشبه بالطيران».

 

ولأن الأحلام لا تنتهي،  فإن حلم ديما القادم هو متابعة الجري والتدريب، وتحقيق حلم المشاركة في الألعاب البارالمبية 2024 في باريس.

تأثرت المغنية البريطانية.. بقصة ديما، وقررت تصوير أغنيتها الشهيرة "Beautiful" معها، لتظهر ديما في الفيديو الكليب الرسمي للأغنية، الذي حصد نحو مليوني مشاهدة.

ويروي الفيديو قصة ديما منذ لحظة سقوط القذيفة على بيتها، ثم إصابتها، ومراحل التأهيل والتدريب التي خضعت لها بعد حصولها على ساق اصطناعية رياضية، وتطور مراحل الشفاء وصولا للمشاركة في ماراثون مانشستر.

 

رسالة إلى الإنسانية

«لو صممت تكون هتكون.. جواك قدرة تبنى الكون» ، وفي استفتاء جديد لعام 2022 دخلت اللاجئة السورية ديما الأكتع، على قائمة 100 امرأة مؤثرة في العالم لتحقق إنجازاً صعباً في هذا المضمار، وفق تصنيف لائحة «بي بي سي» للنساء الـ100 الأكثر تأثيراً وإلهاماً، بينما كانت إلى جانب ديما 8 نساء عربيات أيضاً، ليكون العرب حاضرين في كل الميادين على المستوى العالمي.

ديما التي خسرت ساقها في عام 2012، وتشارك في بطولات الركض بقدم مبتورة، كانت تحمل رسالة إلى الإنسانية إن الإصرار على الهدف والحلم لابد أن يتحقق مهما كلف الثمن ما دام هناك إيمان بالهدف.