«شامبليون» تعلم القبطية من كاهن مصرى لفك طلاسم «حجر رشيد»

«حجر رشيد» جمع بين شامبليون والكاهن يوحنا الشفتشى الذى علمه اللغة القبطية
«حجر رشيد» جمع بين شامبليون والكاهن يوحنا الشفتشى الذى علمه اللغة القبطية

فى 19 يوليو 1799 اكتشف الضابط «فرنسوا خافيير بوشار» الذى كان ضمن الحملة الفرنسية «حجر رشيد» فى قلعة «جوليان» بمدينة رشيد، وهو مصنوع من «الجرانوديوريت» ويبلغ ارتفاعه 113 سم، وعرضه 75 سم، وسمكه 27,5 سم، وقد تم نقله إلى القاهرة وأمر نابليون بونابرت بإعداد عدة نسخ منه لتكون فى متناول المهتمين بالحضارة المصرية فى فرنسا وأوروبا، النص المحفور عليه كتب بثلاث لغات: الهيروغليفية التى كان يستخدمها الكهنة، والديموطيقية المستخدمة عند عامة الشعب، واليونانية القديمة التى كان يكتب بها البطالمة الذين احتلوا مصر، ولن نخوض كثيرا فى كيفية وصول «حجر رشيد» إلى بريطانيا عام 1802 بمقتضى اتفاقية العريش التى أُبرمت بين انجلترا وفرنسا. 


كانت أولى خطوات فك رموز الخط الهيروغليفى المدون فوق الحجرعلى يد العالم الإنجليزى «توماس يونج» عام 1814، والفضل الأكبر فى فك رموزه يعود إلى العالم الفرنسى «شامبليون» الذى توصل إلى أن النص الهيروغليفى يحتوى على علامات أكثر من النص اليونانى، وكثرة العلامات ترجع إلى أن اللغة المصرية القديمة لغة رمزية وصوتية، وبمساعدة النص اليونانى أراد أن يعرف النطق بالقبطية، وكيفية نطق الكلمات الهيروغليفية.
مادمنا وصلنا لهذه النقطة فلابد أن نتوقف أمام الجندى المجهول أو المعلم الذى لجأ إليه «شامبليون» ليتعلم على يديه اللغة القبطية التى أدرك أنها سوف تساعده فى فك رموز اللغة الهيروغليفية، وهو الكاهن «يوحنا الشفتشى» وكان «شامبليون» قد افترض من البداية أن اللغة القبطية سوف تساعده فى فك رموز اللغة الهيروغليفية عن طريق ربطها بقواعد اللغة القبطية وكان افتراضه صائباً.
نجح «شامبليون» بالفعل بعد دراسة استمرت 17 عاما فى فك رموز حجر رشيد، وهذا النجاح لم يكن بفضل جهوده وحده لأن كافة المستندات تؤكد أنه استعان بالكاهن القبطى «يوحنا الشفتشى» الذى تعرف عليه فى كنيسة «سان روش» بشارع «سان روك» بباريس عندما ذهب إليه ليأخذ دروسا على يديه فى اللغة القبطية، لأنه آمن بأن هذه اللغة هى التطور الطبيعى للغة الهيروغليفية، ولهذا وقع فى عشقها، وسجل عشقه فى رسالة لشقيقه «جاك جوزيف» فى 21 أبريل 1809 كشف عنها كتاب «شامبليون حياة من نور» للكاتب «جون لاكوتير» ترجمة وتعليق نبيل سعد، ويقول له فى تلك الرسالة: 


«إنى متفرغ تماما للغة القبطية، أريد أن تكون درايتى بها كاللغة الفرنسية لأن عملى الضخم عن البرديات المصرية سيقوم على أساسها، لغتى القبطية تتحسن باستمرار وأجد فى ممارستها سعادة كبيرة، يمكنك أن تتخيل أن سعادة الحديث بلغة أمينوفيس ورمسيس وتحتمس لا يمكن أن تكون صغيرة، أما عن اللغة القبطية فأنا لا أفعل شيئا آخر فأنا لا أحلم إلا بالقبطى، ولا أفعل غير هذا، لقد ألفت قواعد لغة طيبة كما ألفت كتابا عن لهجة ممفيس مقارنة بين اللهجتين، وانتهيت من سبعة حروف من قاموس اللهجة الممفيسية مبنيا على جذور الكلمات، لقد أصبحت قبطيا لدرجة أنى أسلى نفسى بترجمة كل ما يخطر على بالى إلى اللغة القبطية، وأتحدث مع نفسى بالقبطى؛ وهذه هى الطريقة الوحيدة التى ستدخل لغتى المصرية الخالصة داخل رأسى، وبعد ذلك سأقتحم البرديات، وبفضل قيمتى البطولية آمل أن آتى عليها فقد خطوت خطوة كبيرة، أنا أعتبر اللغة القبطية أكثر اللغات كمالا وأكثر اللغات المعروفة عقلانية، ولغتى القبطية مستمرة على نهجها السلس وأجد بالفعل سعادة عظيمة فى ذلك فأنت تدرى ولا شك أن السعادة لا يمكن أن تكون صغيرة عندما أتكلم لغة أعز أعزائى امينوفيس الثالث ورمسيس وتحوتمس».
أما كتاب «شامبليون.. خطوات على أرض مصر» للدكتور زاهى حواس وآخرون، فهو يؤكد أن شامبليون أستطاع أن يعرف التشابه بين اللغتين القبطية والهيروغليفية التى تعرف عليها عن طريق «دوم رافائيل» أستاذ اللغة العربية والقبطية بمدرسة اللغات الشرقية بباريس، وهو من وجهه إلى ضرورة التعمق فى قواعد اللغة القبطية على يد الكاهن «يوحنا الشفتشى» الذى جاء لباريس من مصر عام 1802 ليراعى الأقباط المهاجرين بكنيسة «سان روش»، وقد آمن «شامبليون» بأن اللغة القبطية ستكون المفتاح الذى يؤدى إلى فك رموز اللغة المصرية القديمة. 
كل الوثائق المتاحة تؤكد أن الكاهن يوحنا الشفتشى من مواليد القاهرة، رسم كاهنا بكنيسة العذراء المغيثة بحارة الروم، والده هو القس رزق الله، وشقيقه جرجس كان كاهنا بنفس الكنيسة، وهناك دراسة للدكتور أنور لوقا يقول فيها إنه رجع لوثائق اللاجئين من مصر بمحفوظات وزارة الحربية بقلعة «فانسيين» فعثر على ملف عن يوحنا الشفتشى يبين أن لقب الشفتشى يعنى صائغ الذهب، ويثبت الملف أنه اشتغل مترجما فوريا بمنطقة الجيزة وكاتبا أول فى محكمة الشئون التجارية، وعمل مترجما لبعض ضباط الحملة الفرنسية، ومترجما للقائد الفرنسى «كليبر» بتكليف من العالم «فورييه» لجمع مواد تاريخ الحملة الفرنسية، ويقال إنه قدم طلبا للحصول على الجنسية الفرنسية بتزكية من 7 من كبارعلماء الحملة الذين أشادوا بعلمه وثقافته وزهده، وعثر فى ملفه على تزكية من مدير معهد اللغات الشرقية بباريس يشيد فيها بفضله وضرورة الاستفادة من علمه، وخطابا من وزير الداخلية الفرنسى إلى أحد أساتذة المدرسة الشرقية للغات يسأله عن رأيه عن جدوى الاستعانة بالكاهن القبطى «يوحنا الشفتشى» العليم باللغات الشرقية فى تأليف موسوعة «وصف مصر»، وتذكر بعض المراجع أن الكاهن «يوحنا الشفتشى» غادر باريس عام 1825 إلى مرسيليا بحثا عن مناخ أدفأ وأنسب لحالته الصحية، وتوفى فى نفس السنة.
من «عدة مصادر»