على قديمو

متيم نفرتيتى

عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر

«أقسمت بك يا إلهى أن تجعلها نوراً فى قلبى لا ينطفئ، وتجعلنى عوداً فى ظهرها لا ينكسر، فهى منى وأنا منها، وكلانا سر وجود الآخر».. بهذه الكلمات سطر الملك أمنحتب الرابع أو «إخناتون» كما أطلق على نفسه، رسالة الحب والعشق إلى حبيبته وزوجته «نفرتيتى» على جدران معبد تل العمارنة بالمنيا.
فلم تمنع الأفكار والطموحات للملك الثائر، من إعطاء مكانة مميزة لقلبه، وعبارات الحب التى زينت المعابد التى شيدها تظهر بما لا يدع مجالا للشك مدى تعلقه بنفرتيتى، هذا الحب لم يكن وليد لحظة فقد نشأ أخناتون ونفرتيتى سويا فى القصر الملكى، ويبدو أن لهوهما معًا جعل كل منهما يرى فى الآخر شريك العمر، وبالطبع جاء الزواج رغم ما به طريقهما من عقبات، إلا أن الملك المتيم لم يتراجع عن اختيار نفرتيتى، بدعم وتشجيع من والدته الملكة «تى».

ولم يبخل أخناتون فى الإعلان عن حبه كمراهق اعتاد رسم اسم حبيبه على جدران المعابد التى شيدها خلال فترة حكمه التى استمرت 17 عاما، فجمال نفرتيتى كان أحد أسلحتها فى الإيقاع بالشاب الثائر، ومعرفتها المسبقة بطبعه وشخصيته جعلتها تعلن دعمها مساندتها لأفكاره الجنونية، والتى وصلت إلى معاداة كهنة آمون، هؤلاء الذين اعتادوا على استقبال فروض الطاعة والولاء من الملوك المتعاقبين طمعًا فى رضا الآلهة على جانب وصك ولاء وتبعية من الشعب على جانب آخر.

اهتمام نفرتيتى بنفسها جعلها لا تتأخر بين الحين والآخر عن إجراء» فوتوسيشن» فرعونى، فتمثال الملكة النصفى يعد أبرز الأعمال الفنية الفرعونية حتى الآن، ودقة وبراعة النحت مع جمالها المميز، جعل منها ملكة جمال الحضارة المصرية القديمة، بخلاف الجسم الرشيق الذى اعتادت أن تطل به على جدران المعابد فى نقوش خلدت جمالها الساحر، ولم يكن هذا الجمال فقط ما أعطاها تلك المكانة، ولكن دورها المهم فى دعم زوجها جعلها من السيدات ذوات المكانة المميزة فى التاريخ المصري.

بدأ الزوجان المحبان الحكم معًا فى طيبة وشاركا فى إعمار معابد الكرنك كتقليد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، قبل أن يبدأن سوياً ثورة دينية واجتماعية ضد الأديان المصرية القديمة، والدعوة إلى دين واحد جديد هو عبادة الإله» آتون «.

خمس سنوات مرت على تنصيب الملك الجديد قبل أن ينتقلا إلى تل العمارنة فى مصر الوسطى، وهناك غير أمنحتب الرابع اسمه ليصبح اخناتون والذى يعنى» الروح الحية لأتون «، وإنشاء عاصمتهم الجديدة أخيتاتون..

لم يكن القرار سهلا وسط معارضة من كهنة آمون والذين سعوا للحفاظ على ديانتهم ونفوذهم ومحاربة محاولات أخناتون الثورية، إلا أن دعم زوجته ووالدته الملكة» تى «كان دافعًا قويا لاستكمال ثورته ضد تعدد الأديان المصرية القديمة.

6 فتيات كانت ثمرة حب الزوجين خلال حياتهما الجديدة بتل العمارنة، وصورت جدران المعابد الحب الذى قدمه أخناتون إلى زوجته وبناته، حيث أوضحت النقوش الاهتمام والدلال الذى قدمه لهن أخناتون وهو ما حرص على توثيقه على جدران المعابد والمقابر.

قصص كثيرة لحقت بالزوجين المحبين حول مصير تلك العلاقة الفريدة، وما بين خيانة أمنحتب لزوجته وطردها وبين ابتعاد نفرتيتى بإرادتها، إلا أن قصة حبهما ما زالت خالدة.