«جمع 18 مليون جنيه» .. مستريح الأعشاب الطبية هارب من العدالة

المتهم الهارب
المتهم الهارب

 حبيبة جمال

 نصاب جديد ينضم إلى قائمة المحتالين الذين استولوا على تحويشة عمر عشرات المواطنين، وكانت أدواته الوجه البشوش واللسان المعسول وبعض الآيات القرآنية التي يرددها على مسامع ضحاياه حتى يمنحهم الثقة في شخصه ويجعلهم يعتقدون أنه رجل ورع وتقي وأمين، وعلى الرغم من أنه خريج كلية شريعة وقانون إلا أنه احترف التجارة في الأعشاب الطبية وأوهم ضحاياه أنه سيستثمر أموالهم في سلسلة صيدليات كبرى تغطي جميع المحافظات.. فـ وثقوا فيه لدرجة أن معظمهم سحب أمواله من البنوك بعد أن روج بينهم وهم التجارة الحلال وحرمة الفوائد البنكية؛ ليفيقوا في يوم وليلة على خبر اختفاء "الدكتور إبراهيم" وتبخر أموالهم معه.

البداية كانت منذ سنوات، عندما تخرج إبراهيم في كلية الشريعة والقانون وكان المسار الطبيعي الذي يفترض أن يتجه إليه هو العمل بالمحاماة أو امتهان مهنة المأذون الشرعي، لكنه لم يتجه إلى هذا أو ذاك واختار لنفسه مسارًا آخر رأى أنه الطريق السريع الذي سيجلب له المال الوفير في وقت قصير؛ امتهن تجارة الأعشاب الطبية دون دراسة أو علم شأنه شأن عشرات الفهلوية الذين يفعلون كل شيء وأي شيء المهم أن تمتلئ جيوبهم بالمال ويصبحون من أصحاب الأرصدة البنكية، وحقق بالفعل نجاحًا ملحوظًا في هذه المهنة مستغلا التدين السطحي عند أغلب المصريين، لكنه لم يكتف بهذه المكاسب التي حققها وظل يتطلع للمزيد.

أنا الدكتور!

بدأ إبراهيم يقدم نفسه باسم «الدكتور إبراهيم»، زاعمًا أنه درس الصيدلة ويستعد لافتتاح سلسلة صيدليات تحمل اسمه بالإضافة إلى مخازن أدوية كبيرة تتولى تسويق جميع أنواع الأدوية من الشركات الكبرى وتوزيعها على الصيدليات والمراكز الطبية، وبدأ يقنع بعض الأشخاص القريبين من دائرة معارفه أنه يستطيع أن يستثمر أموالهم في مشروعاته المربحة، بدأ يجذب ضحاياه بوجهه البشوش وكلماته المعسولة وترديد بعض الآيات القرآنية التي حفظها حتى يوحي لضحاياه؛ أنه رجل صالح ومتدين وأن أموالهم معه ستكون في أمان؛ والعجيب أن ضحاياه معظمهم يتمتعون بمستوى تعليمي واجتماعي عالٍ؛ ولكن أوقعهم في شباك هذا المحتال سببان؛ الأول اعتقاد بعضهم أن تشغيل أموالهم في التجارة أفضل من الفوائد البنكية رغم التأكيدات المستمرة من جانب دار الإفتاء أن فوائد البنوك حلال مائة في المائة؛ والسبب الثاني الإغراءات الكبيرة التي قدمها لهم إبراهيم في صورة أرباح كبيرة في وقت قصير.

الضحايا

انتقلت أخبار الحوادث للقاء بعض الضحايا الذين سردوا قصتهم مع إبراهيم وكيف تبخرت أحلامهم وأموالهم؟!
الضحية الأولى هو أحمد الذي يعمل سائقًا بإحدى المؤسسات، الذي استطاع إبراهيم أن يقنعه بإحضار تحويشة عمره ووضعها تحت تصرفه ولم يكتف بهذا بل أقنع ثلاثة من أقاربه باستثمار أموالهم أيضا في مشروعات إبراهيم، ويروي أحمد مأساته قائلا؛»في البداية أقنعني إبراهيم باستثمار أموالي في شراء وتجارة الأدوية، وأخذ مني مبلغ عشرة آلاف جنيه وبعد عشرة أيام منحني أرباحًا حوالي ألف ونصف، فكان يسدد في البداية الأرباح في موعدها بانتظام حتى يغريني بجلب المزيد من الأموال له، وكنت «مسلم» نفسي ودماغي له خاصة وأنه جار لنا، وفي يوم أخبرني أنه يريد شراء جهاز بمبلغ ٧٥٠ ألف جنيه وسوف نبيعه بأزيد من سعره بكثير ولكنه لا يملك ثمنه، وطلب مني أموالا أكثر وعندما أبلغته أنني لا أمتلك تلك الأموال طلب مني إقناع أي من معارفي أو أسرتي للمشاركة وبالفعل جمعت له مبلغ ١٨٠ ألف جنيه وأخبرني أنه بعد ٢٠ يوما سيرد لي الأرباح، ولكن بدأ المراوغة معي حتى تيقنت أنه نصاب».

 تدخل الضحية الثانية في الحديث؛ وهو خالد صاحب مكتبة ومن جيران المتهم، قال: «أما أنا فأخذ مني ٣٥٠ ألف جنيه وبنفس السيناريو الذي اتبعه مع أحمد، وبالصدفة علمت من أحمد ما حدث معه وعندما ذهبنا إليه أخبرنا خاله أن أموالنا معه قد اشترى بها قطعة أرض، وقتها شعرنا بالصدمة فكيف أخذ منا الأموال لشراء أدوية وأجهزة طبية وهو في الحقيقة اشترى أرضًا لتسقيعها وإعادة بيعها، وعندما طلبنا أموالنا، قال خاله إن الأرض باسمه ويمتلك عمارات وأن أموالنا لا تمثل نقطة في بحر أملاكه، فطلبنا إعطاءنا شقتين، ولكن راوغ وتحجج حتى اختفى إبراهيم نهائيا وتبخرت أموالنا».

أما الضحية الثالثة فهو المهندس إيهاب، قال: «علاقتي بإبراهيم بدأت عندما التحقت ابنتي بالتدريب في إحدى الصيدليات التي يمتلكها إبراهيم وعلمت أنه «رجل بتاع ربنا ورزقه واسع»؛ واستطاع إقناع أولادي باستثمار أموالهم معه، وحاولوا إقناعي أن أحذو حذوهم واستثمر بعض المبالغ المالية معه لكنني ترددت في البداية، هذا التردد لم يستمر طويلا وقررت في النهاية إعطاءه مبلغ ٥٦٠ ألف جنيه بعد أن شاهدت انتظامه في سداد الأرباح لأولادي؛ لكنه بدأ يتهرب من سداد الدفعات المستحقة في مواعيدها وعندما طلبته برد أموالي وعدني بردها لكنه اختفى دون أن يفي بوعده؛ إلى ان علمت أيضا من خاله امتلاكهم قطعة أرض أخبرتهم أنني لا أمانع من دفع مبالغ أخرى ومشاركته في تلك الأرض وبناء مشاريع عليها ولكن لم أجد إلا المراوغة».

الضحية الرابعة هي شيماء، فتاة في مقتبل عمرها تعمل مندوبة في إحدى شركات الأدوية، بدأت علاقتها بإبراهيم منذ ٤ سنوات عندما كان يحصل منها على أدوية ويدفع المبالغ المستحقة في ميعادها؛ قالت: «في البداية ظهر ملتزما، يشتري كمية من الأدوية ويعطيني الأموال، حتى الضربة القاسمة عندما اشترى أدوية بقيمة ٢٠٠ ألف جنيه ولم يسدد ثمنها، وعندما طلبت ردها كان يراوغ معي؛ والمضحك في القصة أنني كنت حاملا وقتها، والآن طفلي يبلغ من العمر عاما ونصف وأنا حتى الآن لم أحصل على الأموال، وعندما علمت الشركة حملتني المسئولية كاملة لدرجة أنني أعمل بدون مرتب؛ فمرتبي يخصم لسداد تلك الأموال».

أما الضحية الخامسة فهي المهندسة حنان، بدأت حديثها وهي تضحك قائلة؛ «فأنا كنت الضحية الأخيرة، نصب عليا واختفى؛ فالبداية علمت من الأحاديث المتناثرة بين الجيران في المنطقة أن إبراهيم تاجر شاطر في مجال الأعشاب الطبية التي تدر عليها أرباحا كبيرة، فكانت ابنتي تشتري أدوية من صيدليته وعندما لم يكن معها أموالا تبلغه أنني عندما أعود من العمل سأدفع له، وبالفعل كان هذا هو نظام التعامل حتى كان يعمل لي خصومات لكثرة مشترياتنا منه، وفي يوم أبلغني أنه يريد شراء مبنى بشارع قصر العيني سيفتتحه مستوصف، وكأنه يحاول استدراجي حتى طلب مشاركتي في هذا المشروع وتجارة الأدوية، لم أفكر طويلا فوجهه البشوش وكلماته أقنعتني وجعلتني أسلم له دماغي وحضرت له ١٥٠ ألف جنيه، وبعدها بأيام أخبرني أنه يريد شراء جهاز مبلغ ٧٥٠ ألف وهو بحاجة لأمواله للتجارة فيه، ونفس القصة عندما أخبرته أنني لا أمتلك أي أموال أخرى، طلب مني أن أجمع فلوس من معارفي وفعلا جمعت له مبلغًا من المال، ولكن الأموال لم تكف، فأخذني من يدي وذهب بي لمحل ذهب وبيعني ذهبي».

وعن كيفية معرفتها بأنه نصاب، قالت: «بالصدفة كنت عنده في الصيدلية ووجدت طبيبًا يدعى محمود يتشاجر معه وبصوت عالِ هز كياني وجعل الدم يغلي في عروقي قال له انت نصاب يا إبراهيم، حاولت افهم القصة وأشارت له بإعطائي رقمه، وبالفعل تحدثت معه وعرفت أنه أخذ منه أموالا وكان رافض ردها، ومصيبتي أكبر حيث أنني لم أكتب أي إيصالات بالمبالغ التي بيننا، فنصحني هذا الطبيب بسرعة كتابة إيصالات أمانة، وبالفعل أجبرته على كتابة إيصالات بمبلغ ٤٨٠ألف جنيه، وانتظرت رد تلك الأموال حتى هرب، فاضطررت لبيع سيارتي حتى أسدد المبالغ التي أخذتها من معارفي.. وبدأت أجمع الضحايا وحررنا محضرا بالواقعة ضده وضد شقيقه وخاله».
وكان السؤال المحير الذي ألقيناه على الضحايا وحاولنا البحث عن إجابته؛ لماذا لم تتعظوا من قصص المحتالين والنصابين التي تنشرها الصحف ووسائل الإعلام ليلا ونهارا؛ كانت إجابتهم أن النصاب جارهم منذ سنوات وأسرته بالكامل معروفة لديهم مما يجعله موضع ثقة ولا مجال للشك في تصرفاته.
انتهت روايات الضحايا الخمس الذين تحدثنا معهم ومازال هناك آخرون تعرضوا للنصب على يد المتهم الهارب الذي عاجلًا أم آجلًا سوف يقع في قبضة الأمن.

                                                   محامي الضحايا: الشرطة ألقت القبض على شقيقه.. وحبسته النيابة

 قضية إبراهيم مازالت تتداول جلساتها داخل المحكمة، تم القبض على شقيقه بينما هو مازال هاربًا، تواصلنا مع محمد كساب محامي الضحايا؛ فقال: «حررنا محضرًا ضد إبراهيم وشقيقه وخالهما، ولكن إبراهيم هارب وشقيقه تم القبض عليه وفي النيابة قال إنه ملهوش علاقة بالقضية وانه عرف من الضحايا إن إبراهيم أخذ منهم الأموال لمشاركته في تجارة الأدوية وكان معهم إيصالات أمانة لكنه هرب، وأكد على الرغم من عدم تورطه إنه حاول بيع ما يملك لسد جزء من ديون شقيقه، إلا أن هذه المنقولات التي تصرف فيها بالبيع لم تكف لسداد تلك الأموال، وجهت النيابة له تهمة الاستيلاء على أموال الضحايا، ومازال محبوسًا على ذمة القضية».

وعن العقوبة المتوقعة؛ قال: «المشرع المصري في المادة٣٣٦ من قانون العقوبات؛ أقر على أن «يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحدوث ربح وهمي أو تسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور و إما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكا له ولا له حق التصرف فيه وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة؛ فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ويجوز جعل الجاني في حالة العودة تحت ملاحظة الشرطة مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر؛   وذلك فى حالة عدم إتمام الجريمة، أما اذا تمت الجريمة كما فى الواقعة التى أمامنا فأقصى عقوبة                                شقيق المتهم المحبوس

هى السجن ٣ سنوات ونحن نثق في القضاء العادل في عودة حق هؤلاء الضحايا والقبض على الهارب».                                                                                                                 

                                                                                                                                                     

أقرأ أيضأ | بعد صدور أحكام بالحبس.. الأمن يبحث عن «مستريحة» مصر الجديدة والدقي