دموع «ست الحسن» أمام المحكمة: «قلب أولادى عليّ حجر»

الأم وابنتها
الأم وابنتها

مصطفى منير

هناك من يعيش عمره كله تحت أقدام أمه، لا يتمنى سوى رضاها، وهذا اقل ما قد يقدمه لها على ما فعلته معه طوال حياتها من تضحيات وسهر، فحق عليه اكرامها فى كبر سنها، وللأسف هناك من تفتنه الدنيا ويتحول قلبه لقطع من الحجارة، وتهون عليه الأم ويسجل اسمه فى الدنيا والآخرة بأنه من العاقين، هنا نكون أمام جريمة إنسانية؛ وهذا ما حدث مع سيدة عجوز عاشت عمرها تزرع فى أبنائها ليأتي الحصاد وتكتشف أن الحرث كان في أرض بور.. ليقابلها الأبناء الأربعة بالجحود والعقوق، فتعدوا عليها وطردوها فى الشارع، تفاصيل مثيرة حول حكاية الأم التى تعيش معاناة والسبب أبناؤها، وحكاية الأخت الوحيدة التى تتألم بسبب اشقائها تسردها لكم السطور التالية.

في منزل بسيط بمنطقة المنيب فى الجيزة، تعيش سيدة عجوز داخل شقة بالطابق الأرضى، رفقة ابنتها وأحفادها الصغار، الحزن يسيطر على ملامحها، تحاول أن تتحكم في دموعها ولكن بين الحين والآخر يتغلب عليها الاسى وتسقط الدموع لتفضح حالها، تشرد قليلاً تتذكر أحداثًا مؤلمة مرت بها، كانت فيها المجنى عليها وكان اولادها الجناه، ولكن دائمًا ما ينقذها صوت حفيدتها الصغيرة من الانهيار فى البكاء، لتعود وتدعو لهم بقلب الأم بالهداية.

حب وتضحية

ذهبت أخبار الحوادث حيث تعيش السيدة العجوز «ست الحسن» صاحبة الـ ٦٢ عاما من العمر، شقة بسيطة للغاية، لنبدأ الحديث معها حول أحوالها، تبدأ الأم الكلام معنا من بداية قصتها، وتقول: منذ سنوات طويله تزوجت، وبدأنا رحلة الكفاح معًا، هو يعمل داخل احد المصانع، وقررت – والكلام على لسان الأم - أن اساعده وأعمل معه، بدأت معه العمل لسنوات طويلة فى كل شيء كان الشقاء عنوان حياتنا، عشنا ايامًا صعبة، ولكن الحب الذى كان بيننا جعل كل شيء يهون مهما كان، تحملنا الكثير ووضعنا الجنيه على الجنيه لبناء بيت يلم شمل أبنائنا يعيشون العمر كله معًا يشدون من أزر بعض، ولا يتذوقون مرارة الأيام وصعوبتها.. هنا بدأت الدموع تتساقط من عيني الأم.. لتستكمل حديثها قائلة: «عمرى ما كنت اتخيل أن ولادي يعملوا فيا كده»، لم يروا مني سوى الحب والعطف والتضحية، عكس ما رأيته منهم.

البداية

تستكمل الأم حديثها قائلة: توفى زوجي عام 2020، وقبل موته بشهور قرر أن يكتب نصف البيت باسمي وقال لي؛ «احنا بنينا البيت مع بعض وده حقك» وفاجأنى بأنه قام بكتابة الشقة التى كنا نعيش فيها باسم ابنتى عائشة خوفًا عليها من غدر الزمان وخصوصاً أن زوجها دائم الشجار معها، وقتها رفضت كتابة شيء باسمي ولكنه اصر على ذلك، لنصل لاتفاق كالعادة فى النهاية؛ ان الشقة التى أعيش فيها ستكون شقة البنت، وكل واحد من الابناء يعيش فى شقته كما هو، فالأبناء الأربعة متزوجون ويعيشون داخل البيت كل فرد منهم داخل شقة، فلا مانع من أن تكون شقة العائلة تنتقل للبنت وخصوصًا انها الابنة الوحيدة.

اتفقنا على ذلك ولكنه قرر أن يكتب نصف البيت باسمي مؤكدًا انه حقي، وافقت فى النهاية بعد الاتفاق الذى حدث بيننا وان العقد سيكون حبرًا على ورق لن يتضرر منه أحد.

الصدمة

حالة من الصمت تملكت «ست الحسن» سيطرت على دموعها، وبعد تنهيدة طويلة تستكمل قائلة: «عمرى ما تخيلت أن ولادي يعملوا معايا كده»، عشت عمرى كاملا من اجل خدمتهم وراحتهم، كل تفكيري فى سعادتهم وتحقيق أحلامهم، تعبت أنا وأبوهم من أجل راحتهم، حلمنا كان اننا نوفر شقة لكل واحد فيهم يعيشون فيها مع زوجاتهم وأحفادنا.

ولكن بعد وفاة الأب ضاع كل شيء وظهر الطمع؛ ونسيوا أننى أمهم واعتبروني ست كبيرة عايشة فى شقه لما أموت يسيطروا عليها، ولكن الصدمة الحقيقية كانت عندما فوجئت بهم يطلبون منى الانتقال من شقتى بالطابق الثاني والعيش فى الطابق الأرضي، وأن اترك الشقة دون سبب، وعندما رفضت وطلبت منهم يتركوني فى حالي فوجئت بتحكم غريب.

وقتها أدركت أن زوجي عليه رحمة الله كان على حق، عندما اصر على كتابة نصف البيت وكتابة الشقة للبنت الوحيدة، اخبرتهم ان هناك عقودًا من الأب بكتابة نصف البيت، وان الشقة التى أعيش فيها باسم أختكم «عائشة»، وقلت لهم بالنص «أنا مش عايزة حاجه كل واحد فيكم فى شقته وأنا فى شقتى ولما أموت أختكم هتاخد الشقة» ولكن جن جنونهم عندما قلت لهم هذا.

انهارت الأم فى البكاء، وتستكمل حديثها والدموع تتساقط ونبرة صوتها مبحوحة من كثرة البكاء وتقول : «أثناء تواجد ابنتى بسبب مشكلات مع زوجها كالعادة، فوجئت بهم يتعدون عليا بالسباب والشتائم الخارجة وتدخلت «عائشة» ابنتى لتهدئة الأمور ولكنهم تعدوا علينا بالضرب، وطردونى من الشقة فى الشارع، لم أجد أنا وابنتى سوى بيت اختى ذهبنا لها ليلاً، واضطررنا للتواجد معها يومين ثم استأجرنا شقة، لتنهار الأم فى البكاء مرة أخري وتقول «يبقى بيتى اللى بنيته مع جوزي وابو اولادي بتعب وشقا فى الاخر ولادى عذبوني وتعدوا عليا بالضرب وطردونى منه».

دعوى قضائية

وتلتقط الابنة «عائشة» خيط الحديث من أمها وتقول بأسى: اخواتى الاربعة جميعهم لا يرون جيدا شبه مكفوفين، وأمي وابويا عاشوا عمرهم كله يخدموهم ويساعدوهم حتى تزوجوا داخل البيت بمساعدة ابويا وأمي، ولكن لا اعلم من اين جاءوا بهذا الجبروت؟!.

وتستكمل قائلة: "للأسف اشقائي برابطة الدم من أم وأب واحد، قروا أن يقطعوا كل شيء له علاقة بصلة الدم والرحم؛ قبل طردنا فى الشارع بأيام تشاجرت مع زوجي بسبب تصرفاته وتركت له المنزل وذهبت الي بيت أبويا، وجلست مع امي داخل الشقة التى تربينا فيها جميعاً، ولكن فوجئت بأن امى تخبرنى بما يريدونه اشقائي حيث يطلبون منها ترك الشقة التى عاشت فيها عمرها والنزول لشقة صغيرة فى الطابق الارضى، رفضت أمى ما يريدونه وهذا حقها قبل أن تكون هذه الشقة حقي، ومن هنا بدأت المشكلات، وعندما اخبرتهم بأن والدنا كتب لها نصف البيت اكرامًا لها ولما فعلته معه ومعنا طوال حياتهم، جن جنونهم".

وتابعت: "وعندما اخبرتهم أن والدنا كتب لى الشقة خوفاً من أن يطلقنى زوجى بسبب المشكلات التى تحدث بيننا، ولا اجد مكانًا اعيش فيه واستطيع تربية ابنائى، تحولوا 180 درجة نسيوا ما فعلته امنا معهم، لكنى تدخلت واخبرتهم «الموضوع مش ميراث.. كل واحد فيكوا قاعد فى شقة.. وانا وأمي هنقعد فى شقة بابا رفضوا وقرروا طردنا بعد التعدى علينا بالضرب. وقتها قررنا انا وامى رفع قضية لضمان حقنا فى المنزل وخصوصًا انهم طردونا واصبحنا لا نشعر بالامان من ناحيتهم، تنجح «عائشة « فى السيطرة على دموعها وبعد لحظات من الصمت تقول: «كنت اتمنى ان اخواتى يكونوا سندا لينا».

وتنهى حديثها معنا مؤكدة؛ أنهم رفعوا دعوى قضائية للحصول على حقهم.. وتصمت قليلاً وتقول بعدها: عمرى ما كنت اتخيل أن يصل الأمر بنا لهذا الحد، ولكن اشقائي الأربعة قرروا أن يطردونا أنا وأمي فى الشارع وخلال عام ونصف كامل لم يفكروا للحظة أن يندموا على ما فعلوه مع والدتي ومعي، ويعيدون لنا حقنا وان نعيش فى هدوء، أمى لم تطلب نصف البيت وانا لا اطلب شيئًا ولكن ما فعلوه جعلونا لا نثق فيهم لهذا رفعنا القضية. وفي النهاية تقول هدى محمد محامية الأم وابنتها: للأسف تواصلت كثيرًا مع الأبناء الأربعة ولكنهم أصموا آذانهم عن الحق، يرفضون أن تعيش أمهم فى الشقة وكل ما يعرضونه هو أن تعيش فى الشقة الصغيرة فى الطابق الأرضى كما طلبوا منع شقيقتهم الوحيدة بالدخول للمنزل.. شيء صعب ومحزن أن يصل الاشقاء لهذا ولكن الطمع جعلهم بلا رحمة مع اقرب الناس اليهم.

أضافت أنها رفعت الدعوى التى تحمل رقم 341 لسنة 2021 مدنى قسم الجيزة، أحيلت الدعوى للخبير فى انتظار القرار؛ ليتم إعادة الحق لأصحابه وتعيش السيدة العجوزة وابنتها فى هدوء دون مشكلات، بالرغم من خوف الأم الشديد للعودة للمنزل، لأنها تتوقع أن الابناء قد يفعلون أي شيء ويعذبونها كما فعلوا سابقا، ولكن وقتها إن حدث هذا، فلكل حادث حديث.

أقرأ أيضا.. ضبط 4 تشكيلات عصابية للنصب على «الجواهرجية»