زكريا عبدالجواد يكتب: هى مصر فَتَحِت؟

زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد

كان التليفزيون الأبيض والأسود «تليمصر» يلتهم حجم منضدة متواضعة فى فسحة بيتنا القديم، كأحد الأجهزة النادرة فى قريتنا، بعد دخول الكهرباء عام 1982، وحينها حطم شغف الصغار مشاهدة هذا الجهاز العجيب مراعاة ظروفنا وطقوس معيشتنا اليومية.

فكان الأطفال يرتصون بسقيفة منزلنا الواسعة، فى صفوف، وكأنهم فى تشكيل استعراضى، بعد جهد منى فى ترتيبهم حسب أولوية الحضور!
كان الطفل «سمير» تحديدا مولعًا بهذا الاختراع العجيب، يتأمل كرتونته الفارغة، ويتحسس هيكله، وكأنه ضريح ولى صالح، ولا يفصله عن مشاهدته سوى إغماض عينيه فى نوبات نعاسٍ لحظية، أو قضمة من رغيف عيش شمسي محشو بمتعة الانتظار، يخبئه فى حجره كمخزون «غذائي» لمتابعة المشاهدة دون فاصل.

أذكر ذات مرة جاءت زخات المطر متلاحقة، فكان سمير أول من فدى التليفزيون بجسده مخافة تعطيله!

كنتُ الأسطى الوحيد لهذا الجهاز، أفتح علبته العلوية، وأقلب قنواته وسط دهشة الصغار، وحتى أتخلص من بقائهم لفترات طويلة؛ صنعت وصلة لتطويل الفيشة، فأخلعها خلف الحائط دون أن يرونى.

وحين يتساءلون أقول لهم: مصر قفلت. ولكن ذلك لم يثنِ سمير تحديدا عن المجيء فى الخامسة صباحًا يوميًا؛ ليطرق الباب بشغف، وحين تفتح له أمى الباب؛ لا يلقى عليها الصباح، ولا السلام؛ بل يقول لها باستعطاف شديد: هى مصر فتحت؟