كنوز| فى الذكرى 35 لمهندس «صاحبة الجلالة» ننحنى إجلالاً لتاريخه

الحمامصى يتوسط محمد التابعى وهيكل أثناء زيارته لمؤسسة «الأهرام»
الحمامصى يتوسط محمد التابعى وهيكل أثناء زيارته لمؤسسة «الأهرام»

فى 20 يناير 1988غلف الحزن قلبى وقلوب كل أبناء الدفعات التى تلقت على يديه أصول ومبادئ مهنة البحث عن المتاعب بكلية الإعلام، من منا لا يحزن ويتأثر برحيل المعلم والأستاذ، ألم يقل لنا أمير الشعراء أحمد شوقى: «قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا.. أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذى يبنى وينشئُ أنفـساً وعقولا».

فى الذكرى 35 لرحيل أستاذنا جلال الدين الحمامصى، ننحنى إجلالا وتقديرا للرجل الذى ترك آثاره فينا، وعلمنا أن الصحافة مهنة نبيلة تسعى لكشف الحقيقة ونقلها للرأى العام ليفهم ويعرف، ومن يريد أن يرتشف أصول المهنة عليه العودة إلى ما تركه من مؤلفاته ومنها «المخبر الصحفى - المندوب الصحفى - صالة التحرير - الأخبار فى الراديو والتليفزيون - وكالات الأنباء - الإدارة فى الصحف - من الخبر إلى الموضوع الصحفى - الصحيفة المثالية - صحافتنا بين الأمس واليوم»، ومن مؤلفاته التى تثرى المعرفة: «نزاهة الحكم - معركة الجلاء - ماذا فى السودان؟ - معركة تأميم قناة السويس- من القاتل - القربة المقطوعة - حوار وراء الأسوار - أسوار حول الحوار»، تلقينا على يديه فنون الصحافة نظريا وعمليا فى جريدة «صوت الجامعة»، تعلمنا منه شرف المهنة والنزاهة والمصداقية والفصل بين الإعلام والإعلان، علمنا كيف نجادل ونناقش وصولا للحقيقة، فمن حق الصحفى أن تتاح له المعلومات التى ينقلها للقارئ الذى يدفع ثمن الجريدة، كان يتيح لنا مساحة نمارس فيها معه الجدل، ويتقبل منا الاختلاف معه بصدر رحب لكى نتمرن على أصول الحوار وآداب الاختلاف.
بدأ العمل بالصحافة من باب الهواية عام 1929 بصحيفة «كوكب الشرق»، بداياته كشفت عن موهبته فى الوصول للخبر المدقق عندما انفرد بقيام نجل رئيس الوزراء إسماعيل صدقى باختطاف زوجة شابة من زوجها مما أثار غضب الرجل الحديدى إسماعيل صدقى الذى حاول معرفة اسم المحرر الذى توصل لهذه الفضيحة، واحترف المهنة فى «روز اليوسف» وكان مازال طالبا بالجامعة وأسند إليه أستاذه محمد التابعى عام 1936 تغطية زيارات حزب الوفد إلى الخارج وكان فكرى أباظة رئيسًا لتحرير مجلة «المصور» من ضمن الوفد فطلب منه أن يعمل محررا للرياضة وشئون الجامعات فى «دار الهلال» بمرتب عشرة جنيهات، وفى عام تخرجه من هندسة القاهرة 1939عمل بصحيفة «المصرى» فكان أول سكرتير تحرير يجعل الصفحة ثمانية أعمدة بدلاً من سبعة كما فى الصحف الأجنبية، وفى عام 1942 ترك «المصرى» وخرج من الوفد مع مكرم عبيد واشترك معه فى وضع «الكتاب الأسود» الذى احتوى على فضائح زعماء الوفد، واعتقل بسببه فى سجن الأجانب الذى التقى فيه بالضابط الأسمر محمد أنور السادات، وفى عام 1947 أصدر صحيفة «الأسبوع»، وفى نفس العام عمل رئيسًا لتحرير صحيفة «الزمان» المسائية حتى عام 1950 الذى انضم فيه إلى دار «أخبار اليوم» وساهم مع على ومصطفى أمين فى إصدار «الأخبار» اليومية عام 1952 وكان أحد رؤساء تحريرها، وفى عام 1955 كلفه جمال عبد الناصر بإنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط لتكون لسان الدولة المصرية رسميا، وكلفه بانتشال جريدة «الجمهورية» من الإنهيار، وعاد فى 1959 لرئاسة تحرير «الأخبار» وأبعد عنها بقرار من الرئيس عبد الناصر، وعمل بعدها أستاذًا للصحافة بالجامعة الأمريكية، وشارك فى إنشاء كلية الإعلام، واستعان به محمد حسنين هيكل لتأسيس مركز الدراسات الإستراتيجية والمتابعة الصحفية بمؤسسة «الأهرام» وعندما تولى هيكل الإشراف على أخبار اليوم بجوار الأهرام، تولى الحمامصى مهمة المشرف العام على تحرير صحف ومجلات دار أخبار اليوم.

ولكى نتعرف على ما كان يتحلى به من جراءة وموضوعية على الجميع أن يراجع ما كان يكتبه فى عموده اليومى «دخان فى الهواء» دفاعا عن الوطن والمواطن والحق والحقيقة، لنتعرف على ما سببته له شجاعته من صدام ومشاكل وصلت لإيقافه عن الكتابة وعزله من رئاسة التحرير، وحذف جمل وفقرات من مقالاته دفعته للامتناع الاختيارى عن الكتابة، يقول مثلا فى كتابه «القربة المقطوعة» 1982: «سألنى صديق بعد عودتى من رحلة العمرة إلى الأراضى المقدسة، هل دعوت لحرية الصحافة وأنت فى بيت الله الحرام؟ كان السؤال مفاجأة لى وسألت نفسى لماذا غاب عنى أن أدعو الله، ليحقق الحرية الكاملة لصحافة عاشت فى غيبوبة تامة لفترة طويلة من أعمارنا؟ لم أجد إجابة على سؤالى، فتطلعت إلى صديقى وهززت رأسى بالنفى، وشعرت بأن الجواب يكمن فى إيمان داخلى بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». 

ويقول فى مقدمة كتابه «حوار وراء الأسوار» الذى أقام الدنيا ولم يقعدها: «لست أدّعى أنى وضعت يدى فى هذا الكتاب على كل عيوبنا وأخطائنا أو إنجازاتنا أوالحلول السليمة التى تصلح للتغلب عليها، وإنما أحس أنى ساهمت فى محاولة لفتح الأبواب المغلقة، والدعوة إلى عمل موحد يخرجنا من الظلام الذى عشنا فيه طويلا إلى النور الذى نتعرف به على أعمالنا، ونتحسس طريقنا إلى الطهارة والحرية والعدل والمساواة، والكتاب يؤكد ما لمصر من تاريخ كفاح عريق، يؤكد أن على الشباب أن يربطوا بين ماضيهم البعيد وحاضرهم الذى يعيشونه ومستقبلهم القريب».. رحم الله أستاذنا الجليل مهندس الصحافة النبيل صاحب مدرسة الدقة والشفافية والموضوعية.