كنوز| 66 عامًا على غياب علي الكسار «بربري مصر» الشهير

على الكسار
على الكسار

فى 15 يناير 1957 استراح رائد كوميديا الارتجال على الكسار من الآلام التى عاناها لسنوات مع سرطان البروستاتا، رحل فقيرا بعد ثراء، لفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى القصر العينى، تاركا خلفه عشرات الأوبريتات الغنائية الكوميدية والأفلام القليلة التى قدمها للسينما، كان ندا لنجيب الريحانى فى منافسة شريفة أثرت المسرح، وعندما نحيى الذكرى 66 لرحيله نستدعى أروع ما كتب من رثاء عنه فى القصيدة التى كتبها بديع خيرى ويقول فيها: 

«خمسين سنة وأنت اسمك يا «على» ذايع.. بين الألوف من مواطنيك صغار وكبار.. يا باذل الجهد جهدك ما هوش ضايع.. عند اللى بيميزوا وبيعرفوا المقدار.. يا مضحك المكروبين غاب فنك الرائع.. والمنكوبين بعد موتك فتهم فى نار.. يا مكسر الصعب جاك الموت لقاك طايع.. وكسر خاطرنا ولا يقواش عليه كسار.. فنان عصامى بنى له مجد وأساسه.. من صنع نفسه ومن صبره على همومه.. ابن الوجيه الفتى إيه فضله فى ميراثه.. لما أتولد فى نعيم الدنيا من يومه.. ما حد له فخر إلا اللى رفع راسه.. من اجتهاده وحرمان جفنه من نومه.. ولا استمد المقام من أهله أو ناسه، همه اللى بعده استمدوا الفخر بين قومه.. أحب دور كان إليك خادم فى رواياتك.. نوبى قنوع طاهر الذمة عفيف وشريف.. وقمت بالدور نفسه برضوا فى حياتك.. خدوم لمن يتحوج ونصير لكل ضعيف.. المسرح الشعبى غذيته بفكاهاتك.. ولا هان عليك يتحرم من الفن أهل الريف.. البخل ما كانشى من طبعك ولا صفاتك.. وتمثل انت «البخيل» يدوى لك التصفيق».. بهذه الكلمات بلغ بديع خيرى ذروة الرقة والوفاء فى وصف صديقه على الكسار الذى كتب له الكثير من المسرحيات مثلما كتب لمنافسه نجيب الريحانى.

كان على الكسار يرتجل بخفة الدم التى وهبها له الله دون أن يعى مسميات المدارس والمذاهب المسرحية، ويجب ألا نغفل ما كان لديه من وعى بقضايا المجتمع التى كان يتناولها فى اعماله ببساطة وتلقائية برغم أنه لم يكن يجيد القراءة والكتابة، هاجم الحشاشين، وسلطة الاحتلال، وانتقد العاطلين بالوراثة، والتقاعس عن المشاركة فى الانتخابات، ومن فرط تلقائيته نال إعجاب الفنان العالمى «دنى دينيس» عميد الكوميدى فرانسيز عندما شاهده فى مسرحية «سرقوا الصندوق يا محمد» المقتبسة عن «البخيل» لموليير، وبرغم أن دينيس لم يكن يعرف العربية إلا أنه ذهب الى غرفة الكسار وصافحه بحرارة وهو يقول لمرافقه زكى طليمات بالفرنسية «لقد شاهدت بخيل مولييرمن خلال عثمان عبد الباسط أعظم مما شاهدتها فى بلدى فرنسا»، وأهدى صورته للكسار موقعة منه بكلمات التقدير والإعجاب. 

وللناقد الفرنسى «هنرى بيرو» كتاب بعنوان «العودة على الأقدام» سجل فيه دراسة عن مسرح الكسار يقول فيها: «أوجد على الكسار بأدائه المتميز على مسرحه ظاهرة فنية انفرد بها وهى التجاوب العميق والاتصال القوى المباشر بين خشبة المسرح والجمهور»، وكثيرون من النقاد وكتاب المسرح الأجانب الذين ترددوا على القاهرة فى عشرينات وثلاثينيات القرن الماضى كتبوا الكثير عن مسرح الكسار، وأبدى أغلبهم الدهشة من سحر وبساطة وعفوية هذا الفنان الأمى الذى يأسر المتفرج بسرعة البديهة والذكاء الحاد، وعندما سأله أحدهم عن مفهومه للكوميديا قال الكسار «فن الاضحاك موهبة وهبة من عند الله يخص بها من يشاء، والممثل الحقيقى يستطيع أن يؤثر فى المتفرج حتى ولو كان بيمثل على دكة»، وصل الكسار لذروة المجد الفنى وحقق ثروة طائلة جعلت البعض يطلق عليه لقب «المليونير الخفى»، بمعنى أنه ظل رغم ثرائه على بساطته وطيبته بعيدا عن المظاهر الفارغة، فلم يترك سكنه القديم بحدائق شبرا، وتدهورت به الأحوال لأن دوام الحال من المحال، حل فرقته وضمه يحيى حقى لفرقة المسرح الشعبى بمرتب هزيل إلى أن لقى ربه بعد أن حفر اسمه بين الرواد الكبار. 

من كتاب «نجوم السعادة»