السوق السلفى والتجارة بالدين

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

..لا ندعي تفردًا حين نستخدم مصطلح «الاستبداد الديني»؛ فأول من استخدمه هو عبد الرحمن الكواكبي أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي؛ فهذه الحركة الفاشية التي أنشأها مؤسس الإرهاب في العالم حسن البنا كانت ما بين ظرفين تاريخين أي ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ لم يكن ليهدف سوى لشيء واحد وهو إحياء الخلافة الإسلامية المزعومة التي انتهت عام 1924 رسميًا بإزاحة الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد الثاني ونفيه هو وجمع أفراد أسرته إلى خارج البلاد وذلك على يد قائد الحركة التركية الوطنية في أعقاب الحرب العالمية الأولى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية الحديثة، فبدأنا نسمع أول ما نسمع عن مصطلح «الغرب الصليبي»، بهدف خداع العرب بقدسية هذه الحرب، وبث الروح في دولة الخلافة التي ماتت بنفي السلطان عبد الحميد الثاني، الخلافة القائمة على تطبيق الحدود بلا اجتهاد – وكما يفهمونها هم – أساسها الموت حرقًا أو غرقًا أو بقطع الرؤوس كما تفعل جماعة «داعش» الآن في ثلاث دول هي العراق وسوريا وأفغانستان، والمعروف باسم داعش خراسان، فقام البنا وتنفيذًا لخطته بالتغلغل من خلال جماعته في النسيج الاجتماعي المصري، ولأن التضليل بالدين تجارة يُتقنها هؤلاء كجزء من السوق السلفي – الذي غرقت فيه مصر منذ عدة عقود - فإذا أردت أن تشعل حربًا في أي مكان بالعالم، ليس عليك سوى أن تجعل الدين هو الأساس الذي تعتمد عليه لنشر ثقافة التعصب والتطرف والإرهاب.
فعندما ألقي القبض على زينب الغزالي جارية حسن البنا، بشهادتها هي عبر رسالة وجهتها إلى سيدها الساعاتي تقول له فيها؛ «زينب الغزالي من اليوم هي جارية، أنت تملك التصرف فيها، تبيعها لحساب الدعوة، وأضافت في رسالتها لمؤسس الشجرة الخبيثة: «وحدك تملك أن تستثمرها فيما تشاء لحساب الدعوة، هي أمة لا يستطيع أن يتصرف في هذه الأمة غيرك، تبيعها لحساب الدعوة وتبقيها لحساب الدعوة»، وقبل أن يسألها المحقق، صرخت في وجهه قائلة؛ «ليست لي أي علاقة بالإخوان أو التنظيمات الإرهابية عمومًا»، وهي سيدة الحركة الفاشية الأولى التي نشرت الإرهاب في العالم، فعندما سألها المحقق بوضوح: «هل تنكرين أن عبد الفتاح عبده إسماعيل– وهو أحد أعضاء الجماعة الشريرة الذين تم فيهم تنفيذ حكم الإعدام في 29 أغسطس من العام 1966 بعد محاكمته أمام محكمة عسكرية في القضية التي عرفت بـ «إعادة إحياء تنظيم الإخوان الإرهابية» في العام 1965 وكان على رأس القضية منظر التكفيريين ومفتي الدم سيد قطب – أعطاكِ جوالًا من الديناميت لتسليمه لأم أحمد؟!، ردت عليه وهي تظن أنها تجيب بدهاء المرأة وفي الحقيقة أتى ردها يعتريه الغباء الذي اتصفوا به هم وكل جماعات الإسلام السياسي، حين قالت: «صحيح عبد الفتاح إسماعيل أعطاني أشياءً لأم أحمد وكانت عبارة عن فانلات وكالسونات من القطن والصوف مطلوبة للمساجين من الإخوان داخل السجون»!
وبالاستبداد الديني قُتلت فتاة تُدعى مهسا أميني في شهر سبتمبر الماضي على يد من يُطلقون على أنفسهم عملاء حكوميين للجمهورية الإسلامية، فكان قتلها بمثابة عود ثقاب مشتعل ألقي في خزان بنزين، ولا أظن أن تخمد هذه النيران رغم حملة الاعتقالات الواسعة التي قدر عددها بالآلاف والرصاص الذي يطول الشباب والشابات في الشوارع وأحكام الإعدام بالجملة، أظن لن تهدأ إلا بسقوط أركان الدولة الدينية المستبدة.
في العصور الوسطى شاعت خرافة «القطط السوداء»، وهي من أقدم الخرافات في العالم حيث كانت النساء العازبات الأكبر سنًا يلجأن إلى تربية القطط، لذا اعتقد الناس وقتها أنه إذا كانت المرأة عجوزًا وعزباء وتمتلك القطط السوداء، فقد تكون ساحرة، وكانوا يعتقدون أن السحرة قادرون على التحول إلى القطط بأنفسهم، لذا فمن المفترض أن تكون القطة السوداء ساحرة؛ أيضا صارت فتاوى المتسلفة، ممن يدعون التوحيد والحقيقة المطلقة ويكفرون سائر الناس كالسيل هذه الأيام، وللأسف يظنها البعض منا دينًا مقدسًا، فهؤلا الأصوليون يرون أنفسهم جزءًًا من الدين وهم أبعد ما يكونوا عنه بشذوذهم الفكري والحياتي، فهما والإخوان وجهان لعملة واحدة؛ فعندما قبض عبد الناصر علي بعض عناصر من الإرهابية سنة 1954، فيما عُرف بأزمة مارس خطب عبد القادر عودة في المتظاهرين قائلًا: «الإسلام سجين».
صدق الشاعر اللبناني جبران خليل جبران حين وصف تجار الدين قائلًا: «أيها المراؤون، توقفوا عن الدفاع عن الله، ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف الى الله».

[email protected]