هيئة المحكمة تقرر وضع المتهم تحت الملاحظة مرة أخرى

مفاجأة في قضية المريض النفسي قاتل والدته وشقيقه

صورة موضوعية
صورة موضوعية

مصطفى منير

 نشرت أخبار الحوادث في عددها رقم 1602 بتاريخ 8 ديسمبر، موضوعًا تحت عنوان؛ قضية من نوع خاص.. جرت أحداثها حينما قتل مريض نفسي والدته وشقيقه داخل شقتهم بمنطقة حدائق الأهرام، ولأننا لسنا في موضع الدفاع عن متهم بقتل بعض من أفراد أسرته، حيث أنها جريمة تنظرها المحكمة، لكننا نرصد هنا من خلال متابعتنا لجريمة هذا الشاب البشعة خلافًًا نشأ بين تقريرين، أحدهما للطب الشرعي أقر فيه بمسؤولية المتهم عن أفعاله، وتقرير آخر لاستشارى طب نفسي انتدبته المحكمة بعد طعن المحامي في تقرير اللجنة الأولى، وأثبت فيه عدم مسؤولية المتهم عن أفعاله خاصة وأن اللجنة الطبية الأولى عندما قدمت تقريرها ناظرت الحالة بعد عام من ارتكابه الجريمة.


ونشرنا وقتها حوارًا مع المحامي محمود البدوي دفاع المريض النفسي المتهم بقتل اسرته فى حدائق الهرم، كما نشرنا فى نفس العدد حوارًا مع الدكتور ابراهيم مجدي الطبيب النفسي والذى كتب تقريرًا موازيًا لتقرير الطب الشرعي.

كان الهدف من نشر تلك القضية تحديدًا واجراء الحوار مع المحامي والطبيب، هو محاولة نابعة من ايمانناً بتغطية كل اطراف القضية، فالمتهم فى جريمة القتل والتى راح ضحيتها والدته وشقيقه واصيب زوج شقيقته، كان له تاريخ مرضي نفسي، ولكن فوجئنا بتقرير الطب الشرعي الذى أدان المتهم واعتبره مسئولاً عن جريمته .
المثير فى تلك الواقعة كان قرار شقيقة القاتل، والتى هي فرد من العائلة المنكوبة، التى كانت الضحية فيها والدتها وشقيقها، قررت الشقيقة الدفاع عن شقيقها المريض النفسي، ايمانًا منها بأنه ارتكب الجريمة بسبب ما يعانى منه وانه ضحية للمرض النفسي و ليس مجرمًا حقيقيًا ارتكب الجريمة لهدف ما، وهذا كان سبباً قويًا فى نشر تفاصيل القضية .

زيارة للمريض


خلال حديثنا مع د. ابراهيم مجدي الاستشارى النفسي والذى انتدبته المحكمة لكتابة تقرير نفسي للمريض، أكد لأخبار الحوادث فى بداية الامر قائلا: لا أنكر عندما قرر المحامي الحديث معي حول كتابة التقرير، فوجئت ببشاعة الجريمة، ولكن قررت أن اقرأ ما هو موجود قبل الحكم بدافع الامانة العملية وهو «اعترافات المتهم وتاريخه المرضي وشهادة الشهود، والتقرير المكتوب، وشهادة الطبيب المعالج»، وبعد الاطلاع على كل ذلك انتابنى الفضول للجلوس مع المريض نفسه وشقيقته التى وكلت المحامى وكانت من ضمن ضحاياه.

ذهبت بالفعل للمريض داخل محبسه وفوجئت به فى حالة صعبة للغاية، وبالنقاش معه، لاحظت إجابته المليئة بالعظمة وغير مترابطة أو متناسقة، ايضا لاحظت أنه غير مدرك فى أي مكان يوجد، وعندما سألته انت فين اجاب انا فى مكتبي، وعندما سألته انت شغال فين فوجئت به يؤكد لي؛ انه فى احدى الشركات العالمية للتكنولوجيا وهو المسيطر على دول الصين، وهو لم يسافر الصين من الاساس، واجابات غريبة فى هذا السياق، وقتها أدركت اننى امام حالة نفسية كاملة وغير مدعى المرض، وبالحديث عن الجريمة معه كان رده انه قام بعمل إجرامي يتمثل في عملية حقن مجهرى، وقتها قررت أن اكتب التقرير من خلال دراسة الحالة وظروف الجريمة.
كما قال الدكتور ابراهيم مجدي: أنا لست مدافعًا عن المتهم، ولكن ما اريد توضيحه هي الحقيقة، أرى ان ما حدث فى تلك القضية فرصة تاريخية للتعامل مع القضايا المشابهة.. وعدم الاعتماد على العنصر البشري فقط والطب النفسي الشرعي فقط، فهناك اساليب علمية لابد من استخدامها للوصول للحقيقة المطلقة وعلينا أن نحتكم للعلم، كما اضاف أن قرار هيئة المحكمة تاريخي وانتصار للعلم.

تطور جديد


وبالحديث مع المحامي محمود البدوي دفاع المتهم والذى وكلته شقيقة المتهم والضحية وابنة المجني عليها، أكد لأخبار الحوادث: أن قبولى للقضية والدفاع عن المتهم بعد ايماني أن المتهم غير مسؤول عن افعاله، وتلك القضية فى طرحها الأول تبدو صعبة وخصوصًا أنها كانت أشبه بقضية رأي عام، وتحدث الجميع وقتها أنها مجزرة عائلية، والسفاح الذى قتل والدته وشقيقه وشرع فى قتل زوج شقيقته «خضت» الجميع، لدرجة أنه كان هناك تعامل بحدة مع المتهم، حتى أن الأخت الكبيرة والتى كانت شاهده على الواقعة كاملة ورأت أمها جثة غارقة فى بركة دماء، وشقيقها الذى توفى بين يديها، وقتها كان شقيقها المتهم «المريض النفسي» يجلس ويدخن سيجارة وكأنه لم يرتكب جريمته البشعة، استدعوها فى النيابة العامة بالرغم من انهيارها العصبي وحصولها على مخدر داخل المستشفى بأمر الطبيب لتهدئة حالتها للتحقيق معها فى الواقعة.

وبعد دراسة تفاصيل القضية والحديث مع أهلية المتهم والضحايا، اكتشفت أن كلامهم فى النيابة عكس الكلام الذين يخبرونه لي، وأقوال المتهم فى النيابة تدل على انه غير مسئول عما يقول، وقتها قبلت القضية، وأجريت عدول الشهادة لأهلية المتهم، وكان لدي ثلاثة طلبات أولهم، كان بناء على تسجيل صوتى لوالدة المتهم «الضحية» تتحدث مع طبيبه المعالج بعد خروجه وتؤكد له حالة الهياج فكان الطلب «شهادة الطبيب المعالج» والذى أكد ان التسجيل سليم، وأن المتهم فى حالة عدم تناول الدواء كما كانت تؤكد والدته الضحية يصاب بحالة هياج والأعراض تزيد، الطلب الثاني سماع أقوال الشهود مرة ثانية وتم تسجيل عدول أقوالهم وتوثيقها، وأكد زوج شقيقته الذى شرع المتهم فى قتله؛ أنه لا يتهمه بشيء وأن جميع أفراد اسرته تعلم مرضه النفسي وله مواقف كثيرة تؤكد ذلك كتعديه على الجيران فى الشارع وغيرها لدرجة أنهم نقلوا سكنهم بسبب أفعاله، والطلب الثالث هو عمل تقرير طبي نفسي استشاري، واستندت فى ذلك على عوار موجوده فى تقرير الطب الشرعي، ووافقت هيئة المحكمة على الثلاث طلبات.

وأكد محمود البدوي المحامى أن قبول هيئة المحكمة بقبول تقرير موازي لتقرير الطب الشرعي هو ترسيخ لمبدأ جديد، وليس معناه الطعن فى الأطباء أو في التقارير، ولكن نتحدث حول فكرة مهنية بحته، فهناك قواعد ثابتة و تطور علمي لا نواكبه فى مثل تلك القضايا، فالتقرير يفتقد الدليل القاطع للمحكمة وخصوصا ما ظهر من تطوير علمي، وهدفنا هو الاستعانة به وتطبيق كل شيء يخدم الحكم النهائي، وطلبنا إعادة طرحه على لجنة جديدة لكتابة تقرير والاجابة على سؤال هل كان مسئول أم لا.. فلا نشك أنه ارتكب الجريمة، ولكننا نسعى لتوفير كل تفاصيل المتهم قبل الحكم.. من الجانب المضئ أننا وقفنا أمام هيئة محكمة مستنيرة، مكنتنا من ضمانات وأتاحت لنا الفرصة فى توضيح وجهة نظرنا، وخاصة أن الاطباء النفسيين الذين اطلعوا على ما يحدث فى القضية اشادوا به.. و أظن انه سيرسخ لواقع جديد للتعامل مع المجرمين الجنائيين من المرضى النفسيين.

قرار المحكمة


وكانت وقد قررت هيئة المحكمة بإعادة إيداع المتهم محمود.ن.ت، تحت الملاحظة في إحدى منشآت الصحة النفسية الحكومية وذلك لمدة خمسة واربعين يومًا لإعادة فحص حالته العقلية، على ضوء حالته المرضية السابقة من علاجه بمستشفى للصحة النفسية، وما تضمنه التقرير الطبي النفسي الاستشاري المقدم في الدعوى، على أن يتم الفحص من لجنة ثلاثية اخرى غير تلك التي قامت بالفحص الطبي الاول موضوع التقرير الطبي النفسي الشرعي المقدم في الدعوى، وذلك لبيان ما اذا كان المتهم يعاني من اضطراب نفسي او عقلي افقده او انقصه الإدراك أو الاختيار من عدمه، وقت ارتكاب الجرائم موضوع الاتهام وصولا لبيان مدى مسؤوليته الجنائية عن تلك الجرائم وتقديم تقرير طبي نفسي شرعي، والتأجيل لجلسة 21 فبراير المقبل لورود التقرير مع استمرار حبس المتهم واحضاره بالجلسة المحددة.

اقرأ أيضأ : الاستماع لأقوال شقيق وجيران مريض نفسي قتل والدته بامبابة