كنوز الأميرة

من زمن فات l طلبة الجامعة يقتحمون عالم الرقص الشعبي!

الرقص الشعبى
الرقص الشعبى

قبل نحو 59 عامًا نشرت «آخرساعة» تقريرا عن الرقص الشعبي، أعدته الناقدة الفنية الراحلة، إيريس نظمي، رصدت فيه ظهور فرقة جديدة للرقص الشعبي، تضم عددًا كبيرا من الراقصين والراقصات، وكيف أن هذه الفرقة طورت من أدائها وأحدثت ثورة فى عالم الرقص بعيدا عن نمطه التقليدى الذى يعتمد بالأساس على هز الوسط.. نعيد نشر التقرير بتصرف محدود فى السطور التالية:

ارقبوا هذه الوجوه الزاحفة من الجامعة إلى مسرح البالون ليتطور الرقص الشعبى فى بلدنا.. لم يعد هناك مكان لراقصات البطن.. لم يعد هز الوسط يعبّر عن رقصنا الشعبى الأصيل بعد ظهور هذه الفرقة الجديدة التى تصفق القاهرة لها الآن.. إن الصور الحية التى تقدمها هذه الفرقة وراءها مجهود متواصل لعشرات الراقصين والراقصات من طلبة الجامعات.

ارتفع الستار وهبط ثلاث مرات متوالية، وفى كل مرة كان أكثر من أربعين فنانًا وفنانة شابة يقفون فى صف طويل لينحنوا فى تواضع وهم يردون تحية المتفرجين، واستمر التصفيق وأسرع أفراد الفرقة الجديدة إلى الإذاعى طاهر أبوزيد والفنان الشعبى عبدالغنى أبوالعينين وخبير الرقص السوفيتى رمازن.. رفعوهم من فوق مقاعدهم ولم يتركوهم إلا فوق خشبة المسرح.
ما حدث كان شهادة ميلاد لفرقة فنية جديدة ظهرت فى حياتنا لتقدم رقصاتها الشعبية وتبلوهاتها الفنية على المسرح وعلى الشاشة الصغيرة. إنها فرقة من نوع جديد مهمتها أن تحوِّل عاداتنا وتقاليدنا وملابسنا إلى لوحات فنية تعبِّر عن حياتنا وتاريخنا.

والفرقة الجديدة بدأ الاستعداد لها منذ ثلاث سنوات كاملة، وكانت أشبه بالسر الحربى الذى تتكتم مؤسسة المسرح والموسيقى إذاعته أو حتى السماح بحضور بروفاته. وعندما فكروا فى تكوين الفرقة الجديدة تم نشر إعلانات متواضعة فى الصحف اليومية لمن يحبون الرقص، وتقدّم مجموعة من الطلبة والطالبات، شاهدهم خبير الرقص الشعبى «رمازن».. اختار بعضهم.. وكما يحدث لأفراد فرق كرة القدم عندما تقيم لهم النوادى الرياضية معسكرات يعيشون فيها حتى يأتى موعد المباراة التى سيقابلون فيها الفرق المنافسة، حدث نفس الشيء مع أفراد الفرقة القومية للرقص الشعبي، اختفى أفرادها وهم يعيشون حياتهم الجديدة، ومضت شهور وهم يستعدون للخطة التى سيخرجون فيها لمواجهة الجماهير.. خرجوا بعد أن تحولوا من طلبة هواة إلى راقصين محترفين.. خرجوا فى ملابسهم الشعبية ليرقصوا تحت الأضواء الملونة وليحكوا قصصا من حياتنا فى كل مكان.. فى المدينة والقرية.. فى المصانع والبيوت.. فى البر والبحر يؤدونها على نغمات موسيقانا الشعبية وعلى ألحان سيد درويش وأوبريت عايدة التى كتب موسيقاها فردي.

رقصات بلا نجوم
لقد قدمت الفرقة القومية للرقص الشعبى عشرة تابلوهات متنوعة فى كل شيء، كل لوحة فيها تقنعك أن الذين يؤدونها أمامك محترفون مضت سنوات طويلة وهم يزالون هذا النوع من الفن. ورغم ذلك فإن أبرز ما يميز هذه الفرقة أنها تعمل بلا نجوم.. كلهم شبان وشابات جدد تسلط عليهم الأضواء لأول مرة، حتى الرقصات الفردية تعتمد على الحركات التى يؤديها أكثر من راقص فى وقت واحد.
وعلى المسرح لمحت أحد أفراد الفرقة، شابا أسمر، شعره مجعد يتحرك برشاقة فوق المسرح.. قدم مع أحد زملائه رقصة كاملة بالحراب عن الحرب فى غابات أفريقيا.. اسمه حسين مرجان (21 عامًا) أصلا من غانا، وهو الآن طالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة (قسم مدني)، وقال لى إنه حاصل على بطولة الجامعة فى ألعاب القوى.

وعندما سألته: كيف اشتركت فى الفرقة؟ قال: تقدمت مع بقية زملائى عندما أعلنوا حاجتهم إلى شباب للفرقة الجديدة، وطلب منى الخبير السوفيتى رمازن أن أتحرك وأجرى أمامه وبعدها تم اختياري.
قلت له: بصفتك رياضيا، هل تعتبر الرقصات التى تؤديها حركات رياضية؟ فقال: حقيقة إن الحركات على المسرح لها قواعد لا بُد من اتباعها، ولكنها يجب أن تُؤدى بإحساس وفن.
قلت له: أيهما أفضل بالنسبة إليك.. دراسة الهندسة أم الرقص؟ فقال: كله فن.

وتركت مرجان لالتقى براقصة من الفرقة اسمها تهانى رامز، ورغم أنها قاسم مشترك فى معظم رقصات الفرقة وتابلوهاتها، فإنها مازالت طالبة بمدرسة شبرا الثانوية. قالت لى إن سنها 16 عاما فقط، وأنها كانت تهوى التمثيل قبل أن تتحوّل إلى راقصة وأنها ظهرت فى 5 أفلام من بينها فيلم «وفاء»، الذى أخرجه عزالدين ذوالفقار ولعب بطولته مديحة يسرى وعماد حمدي.
وسألت تهانى رامز الممثلة السابقة والراقصة الجديدة، أو ابنة الطبيب التى طلبت عدم ذكر اسمه فى دورها فى الفيلم. فقالت: كنت ابنة مديحة يسرى وعماد حمدي.

< ولماذا ترفضين ذكر اسم والدك؟
ـ لأننى أريد إقناعه بحرية العمل الذى أقوم به.. سأدعوه لرؤية الفرقة وأنا واثقة أنه سيكون أول من يصفق لي.

< ما هى أمنيتك؟
ـ أن أصبح راقصة شعبية مشهورة أطوف العالم مع زملائى أفراد الفرقة لنعرض فنوننا هناك.
وسمعت دقات المسرح التقليدية، وبعدها أطفئت الأنوار ورفع الستار.. إن الفرقة تقدَّم نوعًا جديدًا من رقصاتها.. رقصة ضاحكة عن حياة بحارتنا فى الأسطول التجاري.
ظهر الكابتن وهو يضع «البايب» فى فمه وأطلق صافرة ظهر بعدها جميع أفراد طاقم الباخرة.. رقصوا وضحكوا، ثم عادوا للعمل من جديد، وروت حركات الراقصين كل هذه الأحداث، حتى اللحظة التى تحركت فيها السفينة.. استطاع الراقصون إقناعك بأنهم فوق سفينة تتحرك بالفعل فوق المياه وهى فى طريقها إلى رحلة طويلة.

حكاية بورسعيد
إن أهم رقصة تقدمها الفرقة اسمها «بورسعيد»، تروى حكاياتنا فى معركة بورسعيد عندما وقع علينا العدوان الثلاثي.. كيف كنا نعيش آمنين.. وكيف أغارت علينا الطائرات، وماذا حدث عندما خرج أفراد الشعب ليواجهوا الجيوش المعتدية.. إنها رقصة مثيرة هزت كل الذين شاهدوها، وحركت الدموع فى عيونهم عندما تذكروا شهداء المعركة. إن الرقصة رائعة لعبت فيها الإضاءة دورًا كبيرًا، وكان انفعال الراقصين وحماسهم وصيحاتهم من أهم عوامل نجاحها.

وسمعت من الدكتور على الراعي، مدير مؤسسة المسرح والموسيقى، أكثر من خبر جديد عن الفرقة. قال إنه سعيد بهذه الفرقة الجديدة وأن المؤسسة ستوجه الدعوة لكل أعضاء السلك الدبلوماسى بالقاهرة لحضور عرض خاص ستقدمه الفرقة تمهيدًا لرحلة فنية طويلة تقوم بها الفرقة الجديدة فى بعض عواصم العالم.
وقال الدكتور على الراعى أيضا: بعد انتهاء الفرقة من موسمها الفنى الذى تقدمه فى القاهرة فإنها ستقدم موسمًا آخر فى أسوان، وتحديدًا فى موقع السد العالى أمام العشرين ألف عامل الذين يعملون هناك.
وعلى الرغم من النجاح الذى حققته الفرقة والصورة المشرفة التى ظهرت بها، فإنها لم تتكلف كثيرًا..

نجحت الفرقة.. ولكن
بقيت بعض ملاحظات أو كلمات تحتاج لوضع النقاط فوق حروفها:
على الرغم من أن الفرقة قد بدأت موسمها الفنى الأول الذى تقدم فيه كل الرقصات التى تم تدريب أبطال الفرقة عليها، فإنها لم تبدأ حتى الآن فى التدريب على برنامجها التالي، رغم مرور ثلاث سنوات على بداية تكوين الفرقة.
بصمات الخبير السوفيتى «رمازن» واضحة فى حركات الراقصين باستثناء رقصتى بورسعيد والنوبة، والمطلوب فى البرنامج القادم أن يكون أكثر تحررًا، بحيث يعبِّر عن بيئتنا أكثر وأكثر، فلقد سمعت بعض الذين حضروا العرض الأول من فنانينا أن الفرقة تذكرهم بالعرض الذى قدّمته فرقة «موسييف» عند زيارتها للقاهرة.. وعرفت أيضًا أن رمازن خبير الفرقة كان مساعدا لموسييف.. وأخيرًا أن فرقة جديدة قد ظهرت فى ساحة حياتنا الفنية لا تعتمد على أسماء المشاهير من النجوم والراقصين، ولكنها فرقة تعتمد على نقل صور من حياتنا تتحرّك لتعبِّر عن أفكارنا.. فرقة تنقل صورة كاملة عن فنوننا الشعبية.. فرقة نجحت وهى تتحــــرك خطواتها الأولى فى بداية الطريق.. فلا أقل من أن نفسح لها ونحييها ونتمنى لها كل النجاح.


(«آخرساعة» 17 يوليو 1963)