أسماء عبد الله متولى تكتب : قصص قصيرة

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

1
لن تتحمل عبئ ليال أخرى ستعلق قنديلا جديداً فى السماء تتحسس جسد رضيعها الذى أصبح كتلة من الثلج وقبل أن تتحدر من قلبها دمعة عليه تتجمد هى الأخرى وهى تحملق فى سماء تزينت بقناديلها جيداً ثم تتمايل بنشوة عارمة على صوت ترانيم الموت.

2
تدلت زجاجات المياه الصغيرة بجوار سطل الماء الوحيد فى مدينة بأكملها وصلب فوق كل زجاجة طفل.. فتدلت رءوسهم لأسفل وارتسمت فى عيونهم صورة مسخ يهتف: لا عهد لنا.. لا عهد لنا.. ثم هرول ليتخذ من بقايا أجسادهم دروعاً جديدة وهو يتربص بأطفال آخرين فيعلو صوت من الجحيم قائلاً: لا عهد لنا.. لا عهد لن.

3
تمتم قائلاً وهو يتحسس جسده برفق: ربما أصبحت جثة هامدة!! هل أنا أنا؟؟؟ أم أصبح هذا الأنا شخص يشبهنى؟؟
تحرك ببطء مثل ظل أجوف يحاول أن يلاحق ما تبقى من ظله الذى بدأ يختفى مع اختفاء جسده..فيمتد الطريق لمدن لا يعرفها وحلم ينبت من لا شئ إلى إلا شئ ثم سقط عارياً على قارعة الطريق.

٤
يتأمل كرته الكريستالية كثيراً ظنا منه أن بداخلها حياة...يدخل بخياله فيها ليلاً.. يتوج نفسه ملكاً على شعبها الزجاجى...أثاره الفضول... يريد أن يعلم كيف تتساقط الثلوج فيها وتتحرك الأشجار .. أمسك بكرته الصغيرة ورماها أرضاً والفضول يكاد يقتله ولكنها لم تتحطم. ظل يعبث بها تارة ويتأملها تارة أخرى.

ولكن الأوهام عبثت به أكثر.. ظن أن للكرة حراساً مدججين بالسلاح يطوفون حولها.. ينذرونه بعدم الاقتراب استيقظ آلاف المرات وفى كل مرة كان يسقط بعضهم.

وفى الصباح كان ينظر عبر كرته الكريستالية بينما يحتسى كوباً من الشاى وقد أحاطت الثلوج بكل شىء فيها.. مرت ساعة واحدة ذابت فيها الثلوج وتجمعت على هيئة أنهار من الكريستال.. ابتسم فى نفسه متذكراً حلم البارحة.

وضعها بأعلى المنضدة.. بجوار النافذة هذه المرة وابتعد عنها ليهرب من أفكاره التى صارت تخفيه لكنه لم ينتظر جيداً ليرى فراشات بهيئة آدمية تحلق فى كل مكان.. ليس فقط فى كرته الكريستالية.

5
طردها بقميص النوم فى منتصف الليل جرها من شعرها وتركها خلف بابه.. احتمت بالجدار قليلاً وهى تنصت لبكاء طفليها.. عند الفجر قفزت الى الداخل عبر النافذة أخذت ما يستر جسدها العارى وحملت طفليها.. هربت بجنيهات قليلة.. سألها سائق التاكسى إلى أين؟ قالت: إلى أبعد مكان فقط سر بى إلى أبعد مكان.. ضمت طفليها وهى تنظر لنجوم السماء التى رحلت بلا رجعة.

٦
أفزعه صوت زجاج نافذته الذى تهشم على أثر الرياح التى دخلت حجرته دون استئذان بينما كان يجمع شظايا الزجاج رأى طيف امرأة ترقص شبه عارية أسفل الأشجار.. تتطاير جدائل شعرها.. ينزلق جسدها الغض مع الهواء فتخرج الرياح من صدرها لتحمل أوراق الأشجار على الطيران فى شكل حلزونى.

وتغتسل بالمطر فيلتصق ثوبها الشفاف بجسدها .. هرول سريعا خلفها.. عند البحر كانت تقف.. اقترب منها فغرق فى عينيها الواسعتين كبحر بلا شواطئ أجابت صمته بصمت.. لمس أناملها رقص معها بلا ارتواء.. شعر بجسدها يضئ ثم يختطفها الموج للأعماق ناداها فلم تجب.. ظل ساهما وهو يرى نوراً يخرج من عمق البحر قاصداً السماء.

7
أخذوها لشيخ القرية على حمارة عرجاء ليقوم بتسنينها للزواج.

وصعق عندما رأى جسدها الهزيل.. سألها وهو يبتلع عظام الحمام الحشو: هل تعرفين يا ابنتى كيفية حشو الحمام؟
الطفلة: نعم سيدنا الشيخ.

وابتسم وهو ينظف أسنانه من بواقى اللحم قائلا: مبروك وفى ليلة العرس دخلت مع الزواج امرأة عجوز ثم خرجت تلوح بمنديل مضرب بالدماء... فى الفجر أيقظتها أم زوجها لتقوم بأعمال المنزل.. قبيل الغروب جلست بجوار أبراج الحمام تخبئ قطرات الدم التى ما تزال تتساقط من بين فخذيها.

اقرأ أيضًا | أحمد البدرى يكتب: الدوامة