فى قنا.. المخدرات قتلت عاطفة الأبوة

الطفل الضحية
الطفل الضحية

عبد اللاه محمد

 حينما ينفصل الزوجان، ويسير كلٌ منهما في طريقه، يبقى الأبناء - وحدهم - في مرمى النيران، وكما إن أول الغيث قطرة، فإن أول الطلاق حسرة، وتلك الحسرة لا يشعر بها إلا الأبناء، ووحدهم من يتحملون ويلات ما أقدم عليه أبويهم..وهنا مثلا - في تلك القضية - مثال حي عن عين ما نقصده.
الزيجة بدأت من ٨ سنوات، وأنجب الزوجان ولدين وبنت، وقبل ثلاث سنوات تم الانفصال بينهما، والأولاد بحكم القانون في حضانة أمهم، وكل أسبوع يذهبون إلى أبيهم، وفي آخر زيارة خرج أصغر الأبناء «حسن» من عند أبيه مصابًا بجروح وسحجات وآثار تعذيب وكي، ومن ارتكب هذه الجريمة هو أبيه، وبمساعدة زوجته الجديدة.. تفاصيل تلك الواقعة منذ بدايتها، مرورًا باكتشاف الجريمة وتحقيقات النيابة، حتى انتهت بإسدال محكمة قنا الستار فيها عندما حكمت على المتهمين بالحبس سنة مع الشغل، في السطور التالية.

إحدى جارات «محمد على أمين» وجدت ابناءه يخرجون من البيت ويلعبون في الشارع دون شقيقهم الأصغر، لاحظت تكرار الأمر، فاتصلت بوالدته «أسماء عبد الفتاح» تخبرها، وتطمئن على نجلها، فأكدت لها الأم أن ابناءها جميعهم عند والدهم، لكنها شكت في الأمر، فأرسلت شقيقها إلى زوجها ليأخذ الطفل حسن، فرفض الزوج إعطاءه الطفل وتحجج؛ لكن ولأن حججه واهية، ماطل وتلعثم، وعندما خاف افتضاح أمره، ترك ابنه «حسن» عند إحدى جارته، وقال لها أن تتصل بأمه، حتى تأتي وتأخذه، وهذا ما حدث.
لكن «حسن»، صاحب الثلاث سنوات، لم يكن في حالة طبيعية، كدمات متفرقة بالجسم، وآثار تعذيب وكي على وجهه وجسده، وحالته غير مطمئنة، حتى أنه من فرط ما تعرض له أصيب بتبول لا إرادي.

تعذيب
تلك الحالة جعلت الأم تشك في الأمر، وعليه أخذت طفلها وذهبت إلى أقرب وحدة صحية، ليتم الكشف عليه، وجاء في تقرير الكشف الطبي، وجود اختلال شديد بدرجة الوعى مع آثار سوء تغذية وجفاف وكدمات وسحجات متفرقة بالوجه والحوض والبطن والقدمين، وآثار حروق ناتجة عن إطفاء سجائر باليدين  والقدمين.
هذا التقرير المبدأى جعل الأم تتأكد من ظنونها، وأن ابنها الصغير تعرض لعملية تعذيب ممنهجة، وعليه أخذت طفلها والتقرير المبدأي، وحررت محضرًا في مركز شرطة قنا، اتهمت فيه زوجها السابق وزوجته الثانية بأنهما وراء تعذيب الطفل.

بعدها تم إلقاء القبض على والد الأطفال وزوجته الجديدة، وفي تحقيقات النيابة اعترف الأب أنه فعلا ضرب ابنه ولكن كان السبب وراء ذلك تقويمه، وأوضح أن الجرم الذي ارتكبه الطفل والذي دفع والده وزوجته أن يرتكبا كل هذا في حقه، أن صاحب الثلاث سنوات كان يتبول على نفسه.

التحقيقات
هذا السبب الساذج والواهن، لم تراعيه نيابة قنا، واستمرت التحقيقات التى تولاها محمود عبد اللطيف وكيل نيابة مركز قنا، وتحت إشراف محمد السقا رئيس النيابة بمتابعة محمد الأمير الصحصاح رئيس النيابة العامة بنيابة قنا الكلية، والمستشار طارق بكر المحامى العام الأول لنيابات قنا الكلية.
وجاء في التحقيقات أنه فى المحضر رقم 11405 لسنة 2022 جنح مركز قنا، المحرر بتاريخ 4\11\2022، والذى أثبت فيه ما ورد بتقرير الكشف الطبي، رقم 4267، باسم «حسن محمد على أمين»، البالغ من العمر 3 سنوات، والمقيم بمنطقة المحروسة، أنه تعرض لتعذيب بدني جسيم، وآثار تعذيب بالحرق.

وبسؤال الأم، أسماء عبد الفتاح، قررت أن المريض نجلها، وأنها مطلقة من المشكو فى حقة محمد على أمين من ثلاث سنوات، وأنجبت منه بنت وولدين، ومنذ ١٥ يومًا طلب منها الأطفال زيارة والدهم، وأخذت إقرارا منه باستلامه الأطفال، ثم اتصلت بها إحدى جاراته وأخبرتها أنها سمعت صراخا داخل بيت زوجها، وحاولوا أكثر من مرة أن يأخذوا الطفل إلا أن أبيه رفض، وأنها أرسلت شقيقها إلى زوجها السابق ليأخذ الأطفال، فرفض أيضًا ذلك، وفي اليوم الثاني ترك زوجها السابق ابنها الصغير عند جارته، والتي وجدت الطفل في حالة سيئة، فأخبرتها بالأمر، وأنها حضرت وأخذت الطفلة وقامت بالكشف الطبي عليه وحررت محضرًا بالواقعة. اتهمت فيه زوجها السابق وزوجته بأنهما وراء ما حدث.
لم تعرف الأم تفاصيل ما دار في الغرفة المغلقة، وكيف تم تعذيب نجلها، لكن شقيقته الكبرى، جاسمين، صاحبة الـ ٧ سنوات، والتي كانت حاضرة وشاهدة على الواقعة، اعترفت أمام النيابة العام بتفاصيل ما جرى. نصًا كما جاء في تحقيقات النيابة…

س: ما معلوماتك بشان الواقعة محل التحقيق؟ (أفهمناها)
ج: «اللى حصل إنى أنا كنت قاعدة واخوتى عند أبويا محمد، وبعدين أخويا الصغير «حسن» تبول لا اراديا وعشان كده أبويا دخل بيه الحمام علشان يستحمى، وراح شغل الميه السخنة عليه، وفضل أخويا يصرخ، ولما طلع بره الحمام جرى، وبعدين فضل يصرخ، راح أبويا جاب سيجارة وولعها وطفى السيجارة فى إيده، وراح ولع سيجارة تانى وطفاها فى رجله، وبعدين راحت «سميرة» مرات أبويا، جابت سكين من المطبخ، وعورت أخويا حسن بالسكين فى مؤخرته، وبعدين راحت شطفته ولبسته هدومه وسابت البيت ومشيت».

س: هل أبصرت واقعة إصابة شقيقك «حسن»؟
ج: «أيوة أنا شفت».

س: ومن الذى أحدث إصابته تحديدًا؟
ج: «بابا ومراته سميرة».

س: بأى شىء أحدثوا أصابته؟  
ج: «عمتو سميرة عورته بالسكين، وبابا بالسجائر في دراعه ورجليه الاتنين وبالميه السخنة».

س: وهل يتعاطى أى من سالفى الذكر ثمة مواد مواد مخدرة؟  

ج: «أيوة بشوف بابا بيشرب سجاير، وبيشرب حاجة زى اللمبة الصغيرة وفيها خرطوم صغير، وبيجيب الولاعة ويولع بيها فى اللمبة وبيطلع منها دخان».
وأكد ما جاء في نص اعترافات «جاسمين»، الشقيقة الكبرى، ما قاله «حمزة»، شقيقهم الثالث صاحب الـ٥ سنوات، والذي اعترف بالواقعة وجاءت اعترافاته مطابقة لما قالته شقيقته «جاسمين». وعليه أمرت النيابة العامة سرعة ضبط وإحضار المتهمين.

وتنفيذا لقرار النيابة العامة، بإجراء التحريات وضبط المتهمين، وإجراء التحليل اللازمة للأب، وعما إذا كان يتعاطى مخدرات من عدمه، أكدت تحريات الملازم أول أحمد التراس، معاون مباحث مركز قنا، صحة أقوال والدة الطفل، المدعوة  أسماء عبد الفتاح محمد العبد، بقيام كل من والد الطفل محمد على أمين دمرانى وزوجته المدعوة سميرة أحمد شحات، بتعذيب الطفل، وتبين أن المتهم مسجل شقى خطر، وسبق اتهامه فى العديد من القضايا، وبعد القبض عليه أنكر ارتكابه الواقعة، وثبت من تقرير معمل السموم بمستشفى قنا العام، ايجابية تعاطيه لمادة الامفيتامين المخدرة، وتم ضبط الزوجة التى اعترفت على زوجها بارتكاب واقعة التعذيب.

الحكم

وعليه أحالت النيابة العامة القضية إلى محكمة جنح قنا، وجاء نص أمر الإحالة:»عقب انتهاء التحقيقات، أمر المستشار طارق بكر، المحامى العام الأول لنيابات قنا الكلية، بنسخ الواقعة الى اثنين، الأولى للمتهم فقط بتعاطى المخدرات، والثانية للمتهم وزوجته بتعذيب الطفل.

وتنفيذًا لهذه التعليمات؛ أمر محمد السقا وكيل النائب العام، بمركز قنا الجزئية، بقيد الواقعة جنحة ضد «محمد على أمين دمرانى» وزوجته «سميرة أحمد شحات محمد»، لأنه فى يوم 3\11\2022 بدائرة مركز قنا، أحدث المتهمان عمدًا بالمجنى عليه، الطفل «حسن محمد على أمين دمرانى»، الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية المرفقة، والتى أعجزته مدة لا تزيد عن عشرين يوما، وكان ذلك باستخدام أداة تالية الوصف، والمتهمان حازا وأحرزا أدوات، سكين وسجائر، مما تستخدم فى الاعتداء على الأشخاص دون وجود مسوغ قانوني لحيازتهما أو إحرازهما أو ضرورة من المهنية أو الحرفية، ذلك على النحو المبين بالأوراق، وقاما بتعريض حياة الطفل للخطر؛ بأن أحدثا به الإصابات سالفة الذكر، وعلى النحو المبين بالتحقيقات.

بعد مداولة القضية، أسدلت محكمة جنح قنا، برئاسة محمود يوسف، رئيس محكمة الجنح، وبحضور محمود عبد اللطيف، وكيل أول نيابة مركز قنا، وبسكرتارية بحبح فريد الهوارى رئيس القلم الجنائى بنيابة مركز قنا، وخالد حامد الشريف رئيس القلم الجنائى بنيابة قنا الكلية، الستار عن القضية؛ بالسجن لمدة سنة مع الشغل للأب وزوجته الثانية، وكفالة قدرها 200 جنيه، وتعويض مؤقت 51 جنيها، لقيامهما بتعذيب ابنه بالاشتراك مع زوجته، وتعريض حياته للخطر، ومعاقبتهما بالحبس مع الشغل 3 أشهر، وكفالة 100 جنيه، عن تهمة إحراز وحيازة «سكين وسجائر»، استخدماها فى التعذيب.

أقرأ أيضأ : الإعدام شنقًا لقاتل الطفلة «رودينا» بقنا.. سرق قرطها الذهبي ودفنها في الحوش